بقلم: المستشار نجيب وهبة
1- حنظلة الطائي 590م:
كان "النعمان بن المنذر" قد نادمه رجلان فأغضباه، فأمر أن يحفر لكل واحد حفيرة ثم يُجعلا في تابوتين ويُدفنا في الحفرتين.
ثم أمر ببناء الغريين عليهما، وجعل لنفسه يومين في السنة يجلس فيهما عند الغريين، يسمى أحدهما يوم نعيم والآخر يوم بؤس. فأول من يطلع عليه يوم نعيمه ويعطيه مائة من الإبل, وأول من يطلع عليه يوم بؤس يأمر به فيُذبح.
جاء يوم خرج "النعمان" إلى الصعيد فأجراه فرسه على أثر حمار وحشي، فذهب به الفرس في الأرض ولم يقدر على رده, وانفرد عن أصحابه وأوخذته السماء بالمطر فطلب ملجأ يتقي به حتى دفع إلى خباء, وإذا فيه رجل من "طى"؛ يقال له "حنظلة " ومعه امرأة له.
فقال "النعمان": هل من مأوى؟
قال "حنظلة": نعم.
لم يكن لحنظلة غير شاة، فقال لامرأته: أرى رجلاً ذا هيبة, وما أخلقه أن يكون شريفًا خطيرًا, فماذا نكرمه؟
قالت: عندي شيء من الدقيق, فاذبح الشاة, وأنا أصنع الدقيق خبزًا.
فقام حنظلة إلى شاته, فاحتلبها, ثم ذبحها؛ وأطعمه؛ وسقاه من لبنها. وبات النعمان عنده تلك الليلة.
فلما أصبح لبس ثيابة وركب فرسه, ثم قال لحنظلة: يا أخاطي, أنا الملك النعمان ابن المنذر فاطلب ثوابك.
قال حنظلة: افعل إن شاء الله.
ثم لحقته الخيل, فمضى نحو "الحيرة"، ومكث حنظلة بعد ذلك زمانًا حتى أصابته نكبة, وساءت حاله. فقالت له امرأته لو أتيت الملك لأحسن إليك.
فأقبل حنظلة حتى انتهى إلى الحيرة. فلما نظر إليه النعمان وافرا إليه ساء ذلك.
وقال له: يا حنظلة.. هلا أتيت في غير هذا اليوم؟
فقال حنظلة: لم يكن لى علم بما أنت فيه.
فقال له النعمان: ابشر بقتلك.
فقال حنظلة: قد أتيت لك زائرًا, فلا يكن قتلي.
قال النعمان: لو سنح لى في هذا اليوم "قابوس" ابني؛ لم أجد بدًا من قتله. فاسأل حاجة أقضيها لك؟.
فقال حنظلة: تؤجلني سنة أرجع فيها إلى أهلي, وأحكم من أمرهم ما أريد. ثم أصير إليك فأنفذ في حكمك.
قال النعمان: ومن يكفل بك حتى تعود؟
فوثب "شريك", وقال: يدى بيده؛ ودمي بدمه.
ثم أمر النعمان لحنظلة بخمسمائة ناقة, وقد جعل الأجل عامًا كاملاً من ذلك اليوم إلى مثله من القابل.
فلما حال الحول وقد بقى من الأجل يوم واحد, قال النعمان لشريك: ما أراك إلا هالكًا غدًا فداء لحنظلة الطائي.
ولما أصبح, وقف النعمان بين قبري نديميه وأمر بقتل شريك، فقال له وزراءه: ليس لك أن تقتله حتى يستوفي يومه.
فتركه النعمان, وكان يشتهي أن يقتله لينجي حنظلة.
فلما كادت الشمس تغيب قام شريك مجردًا في ثوب يحيط بالنصف الأسفل من البدن، وكان النعمان أمر بقتله, فلم يشعر إلا براكب قد ظهر، فقيل له: ليس لك أن تقتله حتى يأتيك الشخص فتعلم من هو، فإذا هو حنظلة, فلما نظر إليه النعمان شق عليه مجيئه.
فقال له: ماذا جاء بك وقد أفلتّ من القتل؟
فقال حنظلة: الوفاء...
قال النعمان: وما دعاك إلى الوفاء؟
قال حنظلة: إن لي دينًا يمنعني من الغدر.
قال النعمان: وما دينك؟
قال حنظلة: النصرانية.
قال النعمان: فأعرضها عليّ.
فعرضها عليه، فتنصر النعمان وحطم الأصنام, وتنصر مع النعمان أهل الحيرة أجمعون وبنى النعمان الكنائس العظيمة, ومات سنة 604م.
المستشار: نجيب وهبه |