CET 00:00:00 - 17/07/2009

مساحة رأي

بقلم: نادية كاظم
كنت لا أزال طفلة صغيرة حين تعرفت على معنى كلمة لقيط لأول مرة، كان هنالك هرج ومرج، أطفال يتدافعون خلف شاب يدفع عربة نقل حديدية صغيره، لم استطع رؤية ما فيها في بداية الأمر بسبب تزاحم الأطفال ولكنني سمعت الكل يصرخون وجدنا (نغل)، لم تستوعب أذني هذه اللفظة الغريبة وتصورت أنهم وجدوا غولاً أو (غريريه) كالتي رأيتها قبل فترة وجزه والتي ضربها الأطفال حتى الموت واستمروا بضربها مع سب وتشفي وكأنها فجعتهم بعزيز.
عندما وصلت العربة بالقرب مني هالني ما أرى، كان هنالك طفل حديث الولادة يرقد بسلام بالعربة، رأسه الصغير يميل إلى اليسار، يبدو الطفل نائمًا لولا زرقة خفيفة تعلو محياه، حزنت لهذا الطفل العاري تمامًا من الخطايا والملابس، أسرعت إلى غاليتي حزينة باكية: رأيت نغلا يا جدتي.
: صه لا تقولي هذا.
: لم يكن نغلا يا جدتي كان طفلاً صغيرًا ولكنهم يصرّون على أنه نغل.
: نعم أنه طفل ولكنهم يدعونه (نغل) كونه ناتج دون زواج.
أغلقت جدتي الموضوع بسرعة ولكن ظل فكري مشغولاً بهذا الملاك النائم -عفوًا الميت- إلى يومنا هذا.
منذ اختفى ذلك القتيل البريء عن ناظري لم أعد أرى وجهًا عزيزًا عليًّ، كان وجه فلاحة صبية تقطن عائلتها خلف منزلنا كانت شابة في بداية مرحلة المراهقة تخرج صباحًا ومساءًا لرعي الأغنام، اصطحبتني مرات معها إلى الحقل القريب من بيتنا، كانت تجلسني خلفها على الفرس وتجري بنا بسرعة الريح، كنت اصرخ مرعوبة فتضحك هي وتقول: تمسكي بي جيدًا ولا تخافي.

في الحقل كانت الحياة تبدو أجمل، أشجار الفواكه المتنوعة والخضرة وأصوات الحيوانات وزقزقة العصافير تبعث في النفس انشراحًا عجيبًا، كانت (هديّة) صبية ممتلئة بالمرح والنشاط ما أن نصل إلى (الكود) حتى تخلع عباءتها وتغط في الماء مرات عديدة وتبدأ بالضحك والصراخ، عندها يعلو صوت ذلك الشاب بعينه الذي كان يغني لها كل مرة ويبدأ بينهما حوار لا أفقهه، لم أرهما معًا على الإطلاق، كان يتراءى لنا من بعيد وكانت تمازحه والضحكة لا تفارق وجهها البريء الجميل.
افتقدت "هديه" وأصبحت أيامي بدونها حزينة متشابهة، فلا مرعى ولا غناء ولا كود ولا فاكهة طازجة، افتقدتها وافتقدت معها كل بهجة ومرح.
سألت أمها عنها كثيرًا، كانت تجيبني بالدموع فقط وبعد فترة وجيزة انتقلت العائلة إلى مكان آخر وانقطعت صلتي بهم تمامًا.
همهمات من هنا وهناك عرفت بأن هدية قُتلت بعد أن وضعت غلامًا.

أيقظ طلب الحوار المتمدن مناقشة (إمكانية نسب الطفل إلى والدته) هذه الحادثة المؤلمة مرة أخرى، وقررت أن أبين رأيي صراحة في مثل هذه الأمور المؤسفة. وسأقارن بين السويد والعراق ولو أن البعد يبدو شاسعًا بينهما ولكن لا بأس من ذلك، إذ كانت السويد بلدًا زراعيًا أيضًا وكانت الكنيسة الكاثوليكية هي التي تسيّر البلاد، بطبيعة الحال كانت تنظر إلى العلاقة الزوجية نظرة جدية مقدسة، فلا انفراد بين المخطوبين إلى أن يتم الزواج الرسمي، ولا طلاق هناك لأي بسبب إلا بسبب الخيانة الزوجية أو تغيير الدين ولكن تحول الدولة إلى الكنيسة البروتستانية فيما بعد وتحول البلد الزراعي إلى صناعي، قلب ميزان الأمور بسرعة خطيرة.
إذ ابتدأت المعامل تغري العوائل إلى النزوح من القرى والأرياف إلى المدن، وبدأت الزوجة تعمل جنبًا إلى جنب مع الرجل مما جعلها تقرر الانفراد بدخلها من خلال الانفصال عنه والاكتفاء باللقاء به دون عقد زواج ونتج عن هذه العلاقة أطفالاً بدون أباء يعانون نقصًا حادًا في العواطف، مما اضطر الدولة إلى تأسيس مستشفيات نفسية خاصة لمثل هؤلاء الأطفال وازدادت مخصصاتهم النقدية عن أقرانهم نتاج العلاقة الزوجية، ولكن رغم العناية والرعاية التي تقدمها الدولة للطفل والأم الوحيدة إلا أن هذا لم يعوض أهمية وجود الأب البيولوجي في حياة الطفل، وتجد هنالك العديد من الأشعار والقصص المؤثرة في الأدب السويدي التي تتحدث عن تلك المعاناة التي يمر بها الطفل والأم.

أما في بلداننا الشرقية فكان الزواج المبكر هو الحل المناسب لتلك المشكلة، وجه التشابه مع السويد هو أن بلداننا زراعية أيضًا ومتشددة في تقديس العلاقة الزوجية ولكن نظرًا لأن المرأة بدأت تشارك الرجل في كسب العيش وتتواجد معه في المعمل أو المستشفى أو المدرسة وربما قضت الليل بطوله معه في غرفة واحدة (الخفاره في المستشفيات) ونظرًا لأن سن الزواج اختلف عمّا كان عليه سابقًا بسبب إصرار الأهل أو الفتاة على نيل الفتى أو الفتاة الشهادات العالية (متجاهلين احتياجاتهما الجنسية الملحّة) أو بسبب انتظارهم للزوج الكفء وما إلى ذلك من تعقيدات الحياة التي تضر بالفتاة، أو بسبب الظروف الأمنية التي تمر بها البلاد والتي تسببت في خطف الفتيات البريئات اللواتي قتلن على أيدي ذويهن بعد أن اغتصبن من لأجل فدية أو من أجل التنكيل بأهلها كونهم ينتمون إلى حزب معارض أو أمور أخرى.

نحن أمم نستمتع بقتل النساء لسبب أو دون سبب كونها الجنس الأضعف فلقد قتلت العديد من النساء في جنوب العراق على أيدي الميليشيات الإسلامية كونهن لا يضعن غطاء الرأس، رغم علم القتلة إنهن غير مسلمات والسبب هو جعل المرأة سلمًا للصعود الحزبي.
وقتلت المرأة في كردستان كونها تطالب بالتحرر والمساواة، وتقتل المرأة لأنها ولدت سفاحًا من شخص تقدم لخطبتها ورفض من قبل الأهل.
أسباب عديدة تتم معالجتها بقتل الطفل أو أمه أو قتلهما معًا ويبقى الجاني حرًا طليقًا أو قد يحدث الحمل من أحد المحارم فيقتل الفتاة خوفًا من الفضيحة.
بما أن الله كلّي الرحمة، وكلي المغفرة فمن غير المعقول أن يوصي بقتل المرأة أو الطفل ويخلي سبيل الجاني، بل لأنه طلب من الأهل أن يزوجوا الفتاة بمن تحب أو أن يعفو عنها في حالة الاغتصاب ويلحق الطفل باسم الجاني من خلال المحاكم والفحص الجيني، وإلا فيلحق الطفل باسم والد الفتاة كما هو الحال مع شقيقها، وقد أخبرتنا كتب التراث والتاريخ الإسلامي بأن هنالك العديد من المسلمين الأوائل نسبوا إلى أمهاتهم، وليس في ذلك ضير، وأنا مع ذلك الرأي (فأيهما لأرحم إحياء نفس أم قتلها؟).

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١ صوت عدد التعليقات: ٥ تعليق