CET 00:00:00 - 15/07/2009

مساحة رأي

بقلم: دميانة أقلاديوس
جلست لأستعيد كلماتي التي هربت مني وأمامي أوراقي الملونة عندما تذكرت هذه القصة التي حدثت معي منذ فترة، ولكن أوراقي انتظرت كثيرًا فقد بدا قلمي حائرًا لا يستطيع لملمة أفكاري المتطايرة وسندت رأسي على يدي شاردة ماذا حدث لكِ؟!!
يا له من إحساس مفزع عندما تشعر بعجز قلمك عندما تريد التعبير عمّا يدور بداخلك، أن تكتشف إن قلبك قد رفضه الآخرين عند حاجتك الحياة أن تشعر بتجمد الدموع في عينك عندما تريد البكاء ثم تفتح عينيك فجأة فتجد أنك وحيدًا. قد تركك الآخرين كشجر الخريف؟

وعندئذ ينتابك الشعور بالغربة والوحدة الموحشة التي تأتي إليك محملة بذكريات مبتهجة وكأنها تسخر منك ومن أحوالك، ففي يوما كنت أتجول شوارع القاهرة الساحرة وأنا انظر إلى كم البيوت التي تحتوي بداخلها أناس مختلفة في الفكر، فكم من أُسر قد قٌضى المتطرف على شبابها؟ كم من أُسر قد اختطفت فتياتها؟ كم من أُسر شعرت بذلك الإحساس المؤلم نتيجة عجز وطنها؟
وعندما كنت أسير متعبة من التفكير رأيت رجلاً عجوز كان يجلس بجوار مجموعة من الولاعات والمناديل وخلافه ولكني لم اهتم، وإذا نادى عليه صبى صغير جدو جرجس ألن تأتِ للعشاء؟ فقال له ليس لي نفس لعشائكم فلاحظت مدى غضب هذا الجد، فتقدمت إليه بحجة إني أريد باكو مناديل وقلت له ماذا بك يا جدو لماذا لم تريد العشاء؟ قال أريد الموت قلت له لماذا؟ قال: كان لي وطنًا اشعر فيه بالحب والأمان ولكن اليوم قد مات وطني للأبد ومات معه الحاضر والمستقبل وترك لي ذكريات الماضي التي كلما تذكرتها يعتصر قلبي من الألم.

قلت له ما هي الحكاية؟؟ قال: كانت عادتي أن امشي في شوارع القاهرة حتى أبيع أي شيء  لأكسب من ثمنه ما يطمعني ووجدت يومًا رجلاً ذو لحية يتجه نحوي وقال لي: أنت ما اسمك؟ قلت له جرجس ولو أحببت جدو جرجس.... لم انتهي من العبارة إلا ووجدت أشيائي في وسط الشارع وبصوت جهوري كافر أنت أيها العجوز تريد بيع الولاعات للفتيات لتشجيعهن على السجائر؟ أنت مٌضل ولكني لم انطق بأي شيء بل بالعكس قلت له الله يسامحك، وذهبت لألملم أشيائي المبعثرة وإذا به يمسك بذراعي ويقذف بي على الأرض حتى شعرت بكسر قدمي، وقال لي إياك أن أراك هنا مرة أخرى... وتركني في حالة صعبة والغريب لم أرىَ أي شخص قد تقدم نحوي وأمسك بيدي.
وتحجرت الدموع في عيني، فقمت بصلاة صغيرة وقلت: يا ربي أريدك أن تمد يدك وتساعدني فأنا وحيد، وبالفعل وجدت شابًا قد ساعدني لكي أجلس تحت المظلة وقام بلم أشيائي وأعطيته تليفون جاري ليتصل به من تليفونه المحمول وبالفعل أتىَ وأخذني، ولأني احتاج إلى المال تركت سريري وتناسيت أتعابي حتى لا أموت جوعًا.. ثم أتيت هنا خوفًا من مواجهة هذا الرجل.

لقد تأثرت كثيرًا بهذا الرجل، فقلت له لا تحزن ففي الرب الأمان والسلام وبدون تفكير أخرجت مبلغًا معينًا من جيبي وأعطيته له، فقال لي يا أبنتي لقد حكيت لك حكايتي ليس لأكتسب المال من ورائها ولكن حتى أبرهن لكِ أن وطننا قد مات مع فقدان الكبار احترامهم والعجائز العصا التي يستندون عليها وعندما تبدلت الوجوه، وقال ضاحكًا تشتري ولاعة؟ وضحكنا معًا ثم تركته وقلت له سأعود لك ثانيًا قال تشرفي تنوري ولكن للأسف الشديد ذهبت إليه بعد فترة فقال لي بعض الناس أنه تألم كثيرًا من كسر قدمه، وقد جاء جاره وأخذه ولا نعلم عنه شيء ومن المحتمل أنه قد مات.

وحينئذ شعرت بالغضب والحيرة فقد كان ذنبه الوحيد أنه إنسان بسيط يبحث عن قوته اليومي فقط ولا يرغب في شيء آخر، يا إلهي فلقد حصلت على الموافقة لانضمامه إلى دار المسنين  فكنت أتمنى أن يحصل على الراحة ولكن هذا لم يحدث ووجدت نفسي أقول تلك الكلمات: 
لماذا يا وطني الشر والغدر يملأ جوفك.. وقد محوت مكانه وإخلاصه من قلبك.. وها هو قد غاب وتاهت معه يا وطني أيامك.. وتركك ولم ينساكَ يومًا ولكنك حذفته من ذاكرة أحلامك.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٧ صوت عدد التعليقات: ٣٠ تعليق

الكاتب

دميانة إقلاديوس

فهرس مقالات الكاتب
راسل الكاتب

خيارات

فهرس القسم
اطبع الصفحة
ارسل لصديق
اضف للمفضلة

مواضيع أخرى للكاتب

عبور وانتصار

رسالة

حتى أضيء شمعة

رثاء وطن

أعمال إنسانية ولكن...

جديد الموقع