بقلم: صبحي فؤاد
بدايةً وقبل أن أخوض في صميم الموضوع أود أن أؤكد إن قتل أي إنسان بغض النظر عن فكره أو دينه أو ميوله السياسية هو جريمة بشعة لا يمكن تبريرها لأي سبب من الأسباب، وإن ما حدث للمواطنة المصرية مروة الشربيني التي كانت تقيم وتعمل في ألمانيا منذ ست سنوات وقُتلت غدرًا وبدم بارد داخل قاعة إحدى المحاكم الألمانية بمعرفة جارها الألماني من أصل روسي هو أمر بشع للغاية نرفضه جميعًا ونستنكره بشدة.
لقد حزنت وتألمت مثل غيري من المصريين لمقتل الصيدلانية التي تركت بلدها في صحبة زوجها بحثًا عن فرصة أفضل في الحياة ولكن حزني وألمي لما حدث لها لم يجعلني ألبس نظارة التعصب التي أصبح غالبية المصريين يرتدونها لكي يرون الأمور بمنطقهم الغريب وفهمهم غير الصحيح لما يحدث من حولهم أو لهم.
إن ما حدث للمرحومة مروة كان عبارة عن خلاف بين اثنين من الجيران مثل أي خلاف يحدث بين الجيران في أي مكان في العالم.. تطور الخلاف إلى الأسوأ بين الجارين مما اضطر المرحومة للشكوى إلى السلطات المعنية.
وأثناء عقد جلسة المحكمة للنظر في القضية هجم القاتل على المرحومة بسكينة كان يخفيها في ملابسة وراح يطعنها حتى الموت كما أنه أصاب زوجها بعدة طعنات أثناء دفاعه عنها.
هذه هي الحكاية بإيجاز واختصار شديد.. جريمة قتل بشعة بدأت بخلاف بين مروة المصرية وجارها "اليكس" الروسي الأصل وانتهى بقتلها في قاعة المحكمة عندما لعب الشيطان بعقل هذا المجرم لكي ينتقم منها لأنها جرجرته في المحاكم عدة مرات وعرضته لغرامات مالية كبيرة.
ورغم أن الأمر لا يبدو فيه أي شبهة تعصب أو هجوم على الإسلام أو تمييز أو اضطهاد ديني أو عنصرية من قريب أو بعيد إلا أن ردود الأفعال في مصر سواء على مستوى الإعلام أو الرسمي أو رجال الدين الإسلامي صوّرت الأمر للرأي العام على عكس حقيقته، وفلحت كما جرت العادة في مصر في تأجيج وتهييج مشاعر الناس البسطاء وتحريض الرأي العام المسلم ضد الشعب الألماني والغرب واتهامهم بمعاداة الإسلام وكراهية كل ما هو مسلم رغم أن الواقع يقول أن هناك ملايين المصريين يعيشون في بلاد الغرب ويتمتعون بحقوق ومزايا لا يحلم بها المصريين أو العرب أو المسلمين في بلادهم!!
وللحقيقة فقد كان التناول الإعلامي في مصر لقضية مقتل المرحومة مروة تناول إعلامي غبي فاشل متعصب يحركه المتطرفين المتأسلمين.. غير مسئول.. بداية من إطلاق تسمية شديدة الغرابة عليها ألا وهي "شهيدة الحجاب" كما لو أن هذه السيدة الفاضلة المتعلمة ماتت وضحت بعمرها كله وحياتها من أجل قطعة القماش التي كانت تغطي به شعر رأسها!!!
وانتهاءًا بمطالبة المستشارة الألمانية بتقديم اعتذار رسمي للحكومة المصرية رغم أنه لم يطلب منّا الألمان أو غيرهم مثل هذا الطلب عندما قتل الإرهابيين المتأسلمين بدم بارد ووحشية عدد من السياح الألمان وبعض الجنسيات الأخرى إثناء قيامهم بزيارة مصر!!
إن تسييس وتدين قضية مقتل الصيدلانية الشابة الزوجة والأم الدكتورة مروة الشربيني من قبل الإعلام والمسئولين في مصر أمر يدعو إلى الدهشة والغرابة ويجعلنا نطرح علامات استفهام كثيرة عن مبرراته وأسبابه ودوافعه الحقيقية.. وفي نفس الوقت يفضح ازدواجية المعايير التي يكيل بها كبار رجال الدولة والمسئولين والإعلام في مصر في تعاملاتهم مع أصحاب الديانات المختلفة من المصريين.
وبلا شك يدعونا لطرح السؤال التالي: ماذا لو لم تكن الراحلة مروة الشربيني ترتدي الحجاب أو إذا لو لم تكن مسلمة.. هل كنّا سنرى رد الفعل الرسمي والشعبي والإعلامي بنفس القوة والحماس والصوت العالي أم أن الأمر كان سيمر بهدوء وبساطة شديدة ويتم التكتم عليه أو تجاهله مثلما حدث من قبل في بعض الحالات التي قتل فيها عدد من المصريين أو تم سجنهم في الخارج بغير وجه حق؟؟
وهل أصبح من الضروري أن تتحجب كل مصرية ومصري موجودين في الخارج لكي يحظىَ أو تحظى برعاية واهتمام كبار رجال الدولة وشيخ الأزهر شخصيًا والإعلام المصري المسموع والمقروء عند تعرضهم للمشاكل والضيقات خارج وطنهم؟؟
على أي حال إنني أخشى أن أقول إن السيدة مروة الشربيني لم تكن ضحية لهذا الإرهابي القاتل الذي سفك دمها بلا مبرر وإنما هي أيضًا كانت ضحية لهذا النظام الحاكم في مصر والذي فشل فشلاً كاملاً مخزيًا في توفير ظروف معشية أفضل جعلت المصريين جميعًا يفكرون في ترك وطنهم والهروب إلى دول الخارج بحثًا عن الحرية والاستقرار ولقمة العيش وتحسين مستوى معيشتهم ومستقبل أفضل لأولادهم.
sobhy@iprimus.com.au |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|