أعلنت إحدى المجموعات على شبكة التواصل الاجتماعى «فيس بوك» عن تشكيل هيئة للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى مصر، ثم أعلنت عن طلبات توظيف للمتطوعين بأجر شهرى ٥٠٠ جنيه، ثم بدأت تمارس عملها على استحياء فى بعض المحافظات. وإذا كانت نساء مصر الشريفات الباسلات أعطيناهم درساً فى القليوبية عندما ضربنهم بالشباشب، فإن الأمر المثير للتساؤل والاستغراب هو موقف الدولة الرسمى ممثلا فى كل من المجلس الأعلى للقوات المسلحة ووزير الداخلية ووزير العدل والنائب العام، حيث يبدو أن كل هؤلاء مشغولون بملاحقة المنظمات الحقوقية، مع أن الإعلان عن تشكيل هذه الهيئة فيه تهديد جدى لسلطة الدولة، وتهديد آخر جسيم للمجتمع.
وخطورة هذه الخطوة أن التيار السلفى أصبح يمارس سلوكاً يوحى بأنه قد حاز أغلبية أصوات الناخبين، وأنه شكل بالفعل الحكومة، وأن عليه أن يبدأ «سعودة» المجتمع المصرى. والأكثر خطورة أن الحكومة بأجهزتها التنفيذية ومؤسساتها القانونية تسكت عن ذلك، وكأن هناك اتفاقاً بينها وبين هذا التيار، أو كأنها تخاف منه ولا تريد أن تحتك به، على الرغم من أنه يستغل انفلاتا أمنيا صنعته هى، وغياباً للسلطة من المفروض عليها أن تملأه.
وعلى الرغم من أن مؤسسات الدولة الدينية الرسمية مثل دار الإفتاء، أصدرت بيانا أكدت فيه عدم شرعية هذه الخطوة، فإن بدء أعمال هذه الهيئة يؤكد أنها لا تهتم بأى مؤسسات شرعية، وأنها على استعداد لخوض الصراع مع الشرعية القانونية حتى نهايته. ولكن المؤسف أننا لم نسمع عن أن «الدولة» التى تمارس حربا بالمعنى الحرفى ضد المنظمات الحقوقية، قد ألقت القبض على شخص من هؤلاء الذين يتحدون سلطتها، وطبقت عليه القانون، وبحثت عن مصادر التمويل التى تسمح لهيئة ما زالت مستحدثة تدفع ٥٠٠ جنيه راتبا شهريا لمئات أو آلاف الأعضاء، ولوحدث ذلك لتوقف هذا العبث تماما، ولكن يبدو أن «الدولة» استمرأت ذلك، وكأنها تريد من المواطنين أن يتسلحوا لحماية أنفسهم من سخافات وتخلف هذه الهيئة. وهو ما يعنى أن حربا أهلية ستشتعل فى شوارع المدن المصرية، فى غياب كامل لأجهزة الدولة.
وإذا كان التيار السلفى قد قرر أن يدخل فى اللعبة الديمقراطية فعليه أن يلتزم بقواعد اللعبة، ومنها الالتزام بالقانون، وبالقواعد المقررة لتغييره أو تعديله ولكن ما حدث هو أنهم سنوا قانونا وقواعد للتطبيق فى غياب أى مؤسسات، وهو ما يمكن تسميته بالبلطجة.
وأخشى ما أخشاه هو أن تصبح هذه الهيئة، أى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، مثلها مثل الميلشيات التى شكلتها الأحزاب الفاشية أو النازية فى ألمانيا وإيطاليا فى ثلاثينيات القرن الماضى، أو أن تتحول إلى قوات حرس ثورى مثل تلك الموجودة حاليا فى إيران، وتستخدمها الدولة فى قمع المظاهرات والتنكيل بالمعارضين. وهذه القوات هى واحدة من أهم أدوات تعطيل عملية تداول السلطة فى إيران. فعندما زورت الدولة الانتخابات الرئاسية وأسقطت حسين مير موسوى، قمعت قوات الباسيج المظاهرات التى خرجت تندد بالتزوير؟، فهل يريد السلفيون الانتقال بنا إلى نظام فاشى- بعدما أسقطنا النظام الاستبدادى؟
لقد أعلن حزب النور السلفى على استحياء تبرؤه من هذه الهيئة، وقال قياديون فيها إنهم حصلوا على تبرعات من الحزب، وبالتالى أصبحت هناك مسؤولية أخلاقية على الحزب إن كان ملتزما بقواعد اللعبة الديمقراطية، وهى أن يعلن بوضوح عن موقف جاد وحاد وحاسم من هذا العبث بالقانون. فالديمقراطية ليست مطية نركبها حتى نحقق هدفا ما ثم ننقلب عليها، وهى ليست تكتيكا وإنما هى استراتيجية.
وفى حال ثبت لنا أن أحد الأحزاب يفعل ذلك- سواء كان سلفيا أم مدنياً- علينا أن نطالب بحله لأنه غير ملتزم بقواعد ارتضاها المصريون لحكمهم. فالديمقراطية لابد من أن ندافع عنها، كما يجب علينا الدفاع عن المجتمع من أى عبث يواجهه.
نقلًا عن المصري اليوم |