بقلم: طلعت الصفدي
تعلمنا قوانين الحياة الاجتماعية والتطور أن الجماهير الشعبية هي صانعة التاريخ ، وهي بانية الحضارة والتقدم ، وخالقة القيم الإنسانية ، والحاجات المادية لبنى البشر دون تمييز في العرق أو اللغة أو الدين أو الجنس الاجتماعي ، ولم يسجل التاريخ في صفحاته وجود شعب جبان يرضى بالظلم والقهر ، ويتعايش مع الاحتلال الاجنبى لأرضه ، بل يؤكد على مقاومة المحتل بكل الوسائل التي كفلتها قرارات الشرعية الدولية ،بعيدا عن استهداف المدنيين والعزل . وان قيادات الشعب الوطنية وقواه وأحزابه السياسية ومؤسساته المجتمعية بغض النظر عن حجموها ، سرعان ما تتوحد فورا وتشكل جبهة مقاومة موحدة بمرجعية سياسية ، وتتوافق على برنامج الحد الأدنى على الرغم من اختلافاتها الفكرية وبرامجها السياسة ، وتعمل على استقطاب كل الجماهير لمقاومة المحتلين . وعلى الجبهة الداخلية فان القوى التقدمية والديمقراطية ومكونات المجتمع المدني تتوافق على برنامج اجتماعي وديمقراطي ، لمواجهة الظلم والتعديات على الحقوق الأساسية للمواطن ، وضمان نظام سياسي تسوده الحرية والديمقراطية السياسية والعدالة الاجتماعية، ويحافظ على آدمية المواطن وكرامته.
إن الجماهير المسحوقة من العمال والفلاحين والطلاب والمرأة والموظفين العموميين والجنود والمثقفين الثوريين وكافة المهمشين في المجتمع الفلسطيني يتعرضون للاغتصاب كل يوم ألف مرة ،وتسلب حقوقهم السياسية و القانونية والاجتماعية والاقتصادية والدينية، كل يوم ألف مرة من المحتلين الإسرائيليين الذين يمعنون في اغتصاب أرضهم ومقدساتهم ، وتاريخهم وتراثهم، ويعطلون أهدافهم الوطنية في الاستقلال والحرية والعودة، وبناء دولتهم الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة على أرضهم ، كما يتعرضون للأذى كل يوم ألف مرة من أبناء جلدتهم لسلب وعيهم الاخلاقى ، وحقهم في نظام سياسي ديمقراطي تعددي يكفل لهم حرية الاعتقاد الفكري والسياسي والديني والاجتماعي ، وحرية الرأي والتعبير ، وحرية تكوين الأحزاب والجمعيات وحقهم في التنظيم الحزبي والنقابي والمهني ، والمشاركة في إدارة الشؤون العامة .
أمام هذا الواقع الكارثى، هل يوجد وكيل من خارج الجماهير الشعبية يدافع عن قضاياهم، فهل يمكن إنقاذ الوطن من الاحتلال ، وحماية المواطن من أولئك الذين قادوا الوطن إلى الخراب والدمار ، وحولوا المشروع الوطني إلى مشروع استثماري ، وأهملوا دور منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا ، ومن الباحثين عن بديل لها ، ومن معيقي عمل هيئاتها ومؤسساتها المختلفة وفى مقدمتها اللجنة التنفيذية ، والمتجاهلون لمفهوم الشراكة السياسية الحقيقية ؟؟ أو من أولئك الذين تحولوا لوزراء وسفراء ووكلاء وزارات ولا همّ لبعضهم سوى حصد المال وشراء العقارات والأبراج والمتاجرة بالسلع المهربة ، والمنشغلون دائما وابدآ بالتكاثر ، وتعدد الأزواج ،والمال والذين اغتصبوا السلطة والحكم ، وقسموا الوطن ؟؟ أم من النظام العربي الرسمي المنشغل بلملمة جراحه بعد الأزمة النقدية العالمية التي لاحقت أرصدتهم في البنوك الأمريكية والأوربية ، واشغلهم فيروس أنفلونزا الخنازير الاممى ، والعدو الموهوم على شواطئ الخليج العربي من العجم وما وراء وراء العجم، ومن اوباما أمريكا ،ونتينياهو وليبرمان ؟؟
ساوم بعضهم على منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد ، وراهن بعضهم على الولايات المتحدة الأمريكية ، وانقلب بعضهم على الوطن والشرعية الفلسطينية ، وتآمر بعضهم على بعضهم ، وكل منهم يحاول أن يحسن من مواقعه ويزيد من رصيده السياسي والمالي ، وتحاورا ثنائيا ، وتراجعوا كثيرا عن ما تم انجازه في حوارات القاهرة المكوكية ،وتصاعدت لغة التخاصم،وتعمقت الخلافات فزادت الاعتقالات في الضفة وغزة ، واستخدموا الإعلام للردح والتحريض والتشويه ، وأرجوْوا الحوار للمستقبل غير المضمونة نتائجه ، وهكذا جرت حوارات ، وتأجيل حوارات مما أصابت المواطن بالخيبة ، وموعد الاستحقاق الدستوري في 25/1/2010 قد أقترب ، ولم يعد وقت لإضاعته.
كفى استهتارا بالوطن والمواطن ، فالشعب ليس قطيعا من النعاج ،انه شعب مكافح ،انتخبكم وسقطتم في الامتحان في الدرس الأول ، وفى الفصل الأول . ولا زلتم تبررون الاعتقالات السياسية ، وتراجعتم عن حكومة الوفاق الوطني المؤقتة ، وعن إعادة ترتيب الأجهزة الأمنية على أسس مهنية ، ولم تنجحوا في الاتفاق على القانون الانتخابي ، تعلمتم الدروس في المماطلة والتسويف لتنبؤونا بالخبر العاجل الذي يسركم ولا يسر شعبكم بأن الانتخابات قد تأجلت لأجل غير مسمى ، وتسعون بالمقايضة لتجديد ولاية الرئيس ومعها ولاية المجلس التشريعي لسنة أو سنتين وربما لأكثر؟؟ خصوصا أن بعضكم قد صرح سابقا أن حكومة غزة هي حكومة ربانية وأبدية .
بصراحة أنتم تعيشون في أبراج عاجية بعيدا عن هموم الناس البسطاء ، والمعلومات التي تصلكم عبر مخبريكم عن حجم كل واحد منكم غير دقيقة ومبالغ فيها ، وبصراحة أكثر فان الشعب الفلسطيني بجماهيره المسحوقة مقهور منكم ، ومن استهتاركم بحياته السياسية والاجتماعية والديمقراطية والمعيشية ، وانشغال بعضكم بمصالحه الخاصة والفئوية ، لقد حولتم حياته إلى جحيم نارها الجوع والبطالة ، والاقتتال الداخلي ،والاعتقالات بالجملة وبالمفرق ، ومارستم التعذيب في أكثر الأحيان على الشبهة ، وحولتم حياة الناس لبؤس مع ارتفاع الأسعار ، وتجارة الأنفاق ، والتلاعب بالمال العام ، والمساعدات الإنسانية التي تصل قطاع غزة تباع في الأسواق ، وكل حاجياتنا واحتياجاتنا مهربة يملؤها الرمل والزفت ، وتحول الجامعيون والخريجون من الجامعات إلى متسكعين في الشوارع بلا هدف ولا أمل ، والعمال الذين يشكلون القوة المحركة الأساسية لاى معركة وطنية واجتماعية يجرى سحق آدميتهم ، والمزارعون، والمهمشون ، والمرأة تعاملتم معهم كأرقام عددية مع أن ثروة فلسطين هي الإنسان الفلسطيني .
بعد هذه المصائب والخراب ، لماذا لا يغضب الشعب الفلسطيني حتى الآن من مضطهديه ، ولا يثور عليهم برغم اغتصاب كل حقوقه الوطنية والإنسانية والقانونية ؟؟ !! هل جرى تخديره ، وتضليله ، وفقد إحساسه بالظلم ، أم أن درجة الغليان والطفرة كما يقولون لم تصل بعد ذروتها من التفاعل وأن القوى الديمقراطية والتقدمية عاجزة عن التقاط الحلقة المركزية وممارسة دورها في التغيير ، وهل الشعب بحاجة لمزيد من الانتهاكات والقمع المختلف الألوان والأحجام حتى يتحرك ضد جلاوزة العصر والتاريخ ... ؟؟؟.
فلتخرج الجماهير صاحبة المصلحة الحقيقية في التغيير والتطوير إلى الشوارع في غزة والضفة الغربية ، ولتعبر عن احتجاجها السلمي والديمقراطي عن رفضها التلاعب بمصير الوطن والشعب ، ولترفع صوتها عاليا مع كل المتضررين من أبناء وبنات الوطن ، ومع القوى الوطنية والديمقراطية والتقدمية وكل مكونات المجتمع المدني ، وتحت شعار واحد وموحد "لا تجديد للرئيس ، ولا تمديد للمجلس التشريعي " ، ولا حل للازمة الداخلية وإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية سوى بإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في موعدها الدستوري قبل 25/1/2010 دون مماطلة وتسويف فهذا حق لها ، كفله القانون والدستور .
طلعت الصفدى غزة – فلسطين
talat_alsafadi@hotmail.com |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|