بقلم: هيام فاروق
تغيبت قرابة شهر عن الكنيسة لانشغالات كثيرة وأحداث متنوعة، فقررت يوم الأحد الماضي أن أذهب لحضور القداس والارتواء من السر المقدس، وبينما أنا واقفة وسط صفوف المصلين وإذ بيد حانية تربت على كتفي.. فنظرت وإذ بأبي الروحي قائلاً: أين أنتِ يا ابنتي؟ هل استطعتِ البُعد والغياب طول هذه الفترة الطويلة؟ حمد الله على سلامتك.. ومنتظرك بعد انتهاء القداس لأطمئن على سبب غيابك والإطلاع على أخبارك.
كانت هذه الكلمات البسيطة.. القليلة.. الغنية.. الدافئة.. بمثابة واحة راحة لقلبي ونفسي وروحي تلقيتها من أب حنون، يسأل ويبحث عنى وسط أشواك هذا العالم. وهنا كانت لي وقفة تأملية راجية ومتوسلة لما تتعرض له الأبوة في الكنيسة اليوم بمتاعب مختلفة تؤكد احتياجنا لإعادة تأكيدها وتعميقها في كل نفس. حيث همومنا المتصاعدة وأنات قلوبنا المجروحة من تعنت المجتمع والإضطهادات وغلاء المعيشة ومصاعب الحياة المتعددة والكثيرة.
نريدكم آبائي آباء نأمن لأبوتهم.. فأي أمان خارج إطار أبوتكم ذات المواصفات الإلهية..
نريدكم آبائى ذوي أبوة روحية وليست وظيفية حيث تكونون حجر عثرة للرعاة والرعية..
نريدكم آبائى تحملون أحزاننا وأتعابنا وضيقاتنا واحتياجاتنا بكل أبعاد الأبوة الصادقة التي تسعى نحو أولادها..
نريدكم آبائي تقبلونا بدالة البنين.. بلا خوف وبلا تكميم أفواه.. واستخدام سلطان الأبوة في غير محله..
نريدكم آبائي تهتمون بكل واحد فينا وتمطرون علينا جميعًا بفيض الحنان والرعاية.. تبحثون عن النفوس وليس عن الفلوس..
نريدكم آبائى بقداسة سيرتكم الذاتية، فتصرفاتكم أمامنا هي شهادة حية للمسيح يفوح عبيرها وليس زفيرها..
نريدكم آبائى لا تخاصمون من يخالفكم منا نحن الأبناء ولا تصيحون في وجوهنا.. (قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة مدخنة لا يطفئ) ولا نريد من يقول منكم (اللي عَاجبه أهلاً وسهلاً واللي مش عجبه مع السلامة)، لا يا آبائي.. اللي عاجبه واللي مش عاجبه لا بد أن تضمدوهم وتعلموهم وترشدوهم بروح الحكمة المعطاة لكم من قِبل رب المجد..
نريدكم آبائي مشددين الركب المخلعة، مقومين لنفوسنا الساقطة، مُشجعين لقلوبنا الكسيرة..
نريدكم قصة حنان في كل بيت، ولمسة حب في كل نفس، وعلاقة أبوة مع كل إنسان..
عفـوًا آبـائي
يؤسفني وبقلب حزين ونفس تذوق المرارة والألم عندما أرى الصراع بينكم، وحرب بلا هوادة فيها صراع يفتقد إلى المحبة والإتضاع وإنكار الذات.
لماذا؟ أمن أجل مركز؟ أم جاه؟ أم سلطة؟ أم قيادة؟ أم خطف أضواء؟ أم أموال؟ كل هذه نفاية أمام نفوس الرعية.
لماذا يفقد بعضكم الشعور بالأبوة؟ فقبل دعوتكم للكهنوت كنتم متواضعين.. منسحقين.. تأخذون الأماكن الخلفية.. ولكن بعد النعمة تسيروا في ركاب الكبرياء والذاتية بل والشروع في تقسيم الكنيسة إلى أحزاب هذا لبولس وهذا لأبولس.. ومحاربة كل نجاح وكل فكر روحي أو شريك في الخدمة من خارج الكهنوت.
لا شك أن النعمة بريئة من هذا السلوك المُشين وتلك التصرفات المرفوضة.. أين عبارة (مقدمين بعضكم بعضًا في الكرامة) رو12: 10، فكاهن اليوم يتقدم ويتعالى على كاهن الأمس.
احذروا أيها الآباء من هذا الإنزلاق مع تيار الصراع العالمي.. استثمروا هذه الصراعات من أجل الخدمة والبركة، فالكنيسة وضعت لكم الثوب الأسود ضاربة بعرض الحائط كل الألوان لكي تموتوا عن رغبات العالم من أجل الدعوة التي دُعيتم إليها.
لا نريدكم عثرة لنا.. فهذه العثرة هي من أشد العثرات لأنها عثرة أب قاتلة للنفس وأخطاء الكبار هي كبار الأخطاء..
هلموا يا آبائى في وقفة صادقة مع أنفسكم شاخصين إلى أبي وأبيكم.. مقتفين آثاره..
حذار يا آبائي أن تكونوا بلا أبوة.. فتصبحون بلا حب.. بلا رسالة.. بلا رعية.. وبلا أبناء..
محبتكم لنا يا آبائي هي التيار المتدفق للحب الإلهي بلا انحراف عن هدف الملكوت..
احتملونا يا آبائي عند العصيان.. كما احتمل الرب يونان النبي على الرغم من مخالفته وهروبه..
انظروا إلينا كما نظر الرب واعتنى بشعب بني إسرائيل 40 سنة في البرية رغم عنادهم وغرورهم وخيانتهم له بعبادتهم لإله آخر..
اعتنوا بنا كما اعتنى الرب بيعقوب الهارب من وجه أخيه عيسو..
كما أننا نطالبكم بكل هذه الأبوة، فنحن أيضا مُطالبين بحقوق البنوة.. فعلينا نحن بالجلوس تحت أقدامكم لنرتشف من محبتكم الأبوية الباذلة والحانية..
علينا بإكرامكم وشكركم في بنوتنا لقداستكم وطاعتنا لوصاياكم وقبولنا لإرشادكم لنا في الرب..
علينا بالخروج على آثاركم المباركة.. والتمثل بإيمانكم المُعاش كما يحق لإنجيل المسيح..
علينا بإكرامكم أن نصلي من أجلكم لكي يعطيكم الرب نعمة فوق نعمة ومزيدًا من الأبوة والحب والحنان من أجلنا..
سامحوني آبائي وصلوا عني.. أنا غير مستحقة. |