CET 00:00:00 - 09/07/2009

مساحة رأي

بقلم: حنا حنا المحامي
......  وهذا ما كنا نخشاه
تسربت أنباء عن زيارة الاستاذ جمال مبارك واللواء عمر سليمان الى الولايات المتحده تفيد أن سبب الزياره أن ادارة أوباما طلبت من الحكومه المصريه تسليم  السلطه بهدوء وسلاسه الى الاخوان المسلمين.  ما معنى هذا؟
هناك معان كثيره تتزاحم فى ذهنى ولكن سأحاول أن أرتبها بقدر المستطاع, ذلك أن النبأ المروع يهتز له كل ثبات وتترنح أمامه الاقلام ويمكن أن تتخبط ازاءه الافكار والمعانى.
وأرجو أن أفصح بالدرجه الاولى أن ما أسرده ليس الا من واقع نقد الذات والحب العميق الى زهرة المدائن "مصر" التى أتطلع الى أن تكون أعظم دوله فى العالم, وليس ذلك من باب الخيال أو السرد الادبى ولكن من واقع الحقائق الثابته والتى تنعكس على نجاح المصريين فى جميع أنحاء العالم مما يثير تساؤلا ... لماذا تتأخر مصر رغم هذه العناصر الفذه ولماذا لا تستغلها؟  وفيما يلى بعض الحقائق فى التاريخ القريب جدا والتى لا شك لا يمكن أن تحدث فى أى بلد يسعى الى التقدم.  واذا كانت أغلب الحقائق التى أذكرها تتعلق بالمسيحيين فهناك حقائق تتعلق بالمسلمين أيضا أى كلنا فى الهم مصريون.

إننا لن نعود كثيرا الى الوراء بل سنبدأ بمجزرة الكشح.  قام بعض من الغوغاء يتزعمهم موظف متعصب مملوءا بروح الشر والكراهيه بل الحقد الاسود الدفين ضد كل ماهو مسيحى  فتأججت فى نفوس هؤلاء الغوغاء روح الحقد على النجاح الذى يحققه هؤلاء المسيحيون فى هذه القريه التى حرمت من أغلب الخدمات والمنافع التى تقدمها الدوله الى قرى  أدنى منها شأنا وأقل منها تعدادا. 
اشتعل الحقد والحسد فى نفس المسئول الحكومى فدبر مجزره ليكتث بها أكبر عدد ممكن من الاقباط الناجحين أصحاب التجاره الناجحه لأن النجاح لا يناسب الكفار حتى لو كانوا مصريين. 
كان طبيعيا أن الغوغاء لم يدركوا أن نجاح فرد أو أفراد أيا كان دينهم أو معتقدهم بل وجنسيتهم هو نواه لنجاح أمه أو دوله.  لم يدركوا أن نجاح أمه يتكون من عدة نجاحات صغيره, بل وصل التعصب الاعمى والحقد الدفين أن تقلب المفاهيم والاسس والمبادئ, وحتى اذا أدركوا تلك الحقائق العلميه فان أحقادهم يكون لها الاولويه.
فى ظل هذه الروح نشبت مجزره ضد الاقباط العزل راح ضحيتها واحد وعشرون ضحيه بريئه كل جريرتها أنها كانت تدين بالدين المسيحى .  وتمت المجزره والحكومه المصريه فى سبات عميق لأنها أذكى أذكياء العالم وأنها بذلك تتصور أن العالم لن يعرف الحقيقه.
حين تسربت الانباء –وهى لا بد وأن تتسرب طبعا- الى مجلس العموم البريطانى وتساءل عن هذه الحقيقه, طار البطل أيمن نور الى مجلس العموم ليقوم بدور التعتيم على الجرائم التى ارتكبت.

وتصور أيمن نور والحكومه المصريه أنهم أذكى أذكياء العالم ويمكن أن يموهوا على الحقيقه والحقائق الثابته والتى تبين أنه والنظام القائم لا يعبآن بسلامة شريحه لا يستهان بها من المواطنين بل يقومون بتصفيتها بوسائل غير انسانيه.  ورغم أن العالم قد ألم بتلك الحقائق وسجلها فقد تصورأيمن نور أنه من أذكى أذكياء العالم ويمكن أن يموه على الحقائق.
أما اعلامنا الموقر فقد مارس أسلوب التعتيم ولم ينبس ببنت شفه وكأنه يبارك هذا العمل الاجرامى المجرد من أى انسانيه.  ويتصور الاعلام أنه بهذا التعتيم لن يعرف العالم شيئا عن تلك المذبحه لأن القائمين على الاعلام من أذكى أذكياء العالم.
أما النواحى الانسانيه التى تحرك الجماد فهى لا تهم ولا تحرك من تصوروا أنهم من بنى الانسان.
ولم تكن هذه هى الحاله الوحيده التى وقف منها الاعلام موقفا يتعارض تعارضا صارخا مع رسالته, بل دأب على هذا التعتيم فى كل حركه أو عدوان يقوم ضد المسيحيين.  لا أقول أنه يساهم بل يقوم بالتعتيم فقط وإن كان فى ذلك نوع من المشاركه السلبيه.
ولما كان القائمون على الأمن أيضا هم أذكى أذكياء العالم فقد ابتدعوا نظاما يعود القهقرى الى ألاف السنين وكأنه لا يوجد شئ اسمه قانون وكأنه لا يعرف شئ اسمه دستور, فقد الّف ما أسموه جلسات الصلح وهى جلسات مصاطب الغرض منها أن يتنازل المضروب والمعتدى عليه وأهل القتيل عن حقهم فى مقابل حضن أو قبله.  وكأن دولة المؤسسات لم يعد فيها مؤسسات.  وتصور بذلك أنه تم التعتيم على الحقائق لن يسبر العالم غورها وأن العالم لن يعرف تلك الحقائق.   وطبعا هذا الفهم العجيب لأن القائمين على الأمن والنظام هم أذكى أذكياء العالم.

ازاء كل هذه المجازر والمآسى تحرك أقباط المهجر ليس دفاعا عن اخوتهم المسيحيين فحسب بل أيضا دفاعا عن كيان مصر من الانقسام والتفتيت الذى حدث فى جسم الوطن الغالى.  فراح الاعلام المصرى يهاجم أقباط المهجر ويصفهم بالخيانه والعماله وكأن هذا الاعلام لا يتصف بالخيانه أو العماله بل يتصف بقمة الوطنيه حين يقوم بالتعتيم على تلك الجرائم البشعه.  وبينما ينظر العالم بعين التقزز والاستهجان الى تلك المذابح يتصور القائمون على الاعلام أنهم أذكى أذكياء العالم.
ولم يقف الاعلام عند هذا الحد بل راح ثله من المتعصبين يهاجمون الدين المسيحى فى جهل ينم عن تفكير معتل وسقيم وينشر هؤلاء المتعصبون سمومهم فى الجرائد القوميه, كما أنهم يحرمون المسيحيين من الرد على هذه الترهات التى تنحدر الى مستوى الشرشحه الرخيصه, ويفصحون بذلك عن قلوب سوداء ملأها الحقد والشر.  مع ذلك يتصور القائمون على الاعلام أنهم أذكى أذكياء العالم وأن العالم لم ولن يعرف الحقائق.

إن تاريخ مصر العريق كما أنه مفعم بالروائع, كذلك مشحون بالمآسى والعالم ملم بهذا وذاك   مع ذلك فالدوله الوحيده التى تحرف هذا التاريخ هى مصر.  يحذفون تاريخ مصر القبطيه وتاريخ وحقائق الفتح العربى.  كنت آخذ فى المدرسه أنه عند الفتح العربى  كان المصريون يخيرون ثلاثة خيارات: الاسلام أو الجزيه أو القتل.    لا بأس فهو تاريخ ليس الا, إلا أنه تاريخ بما له وما عليه.  وكنت أتصور أن هذا التاريخ كان فى أيامنا فقط وأنه قد حرف فى مرحلة لاحقه.  فسألت ابنى الذى عاصر الثوره فأكد لى أنه أخذ نفس التاريخ.  وهذا أمر لا يد فيه لأى انسان معاصر, فهو تاريخ ليس الا والامور الآن قد استقرت فلا يوجد أى مبرر لأى تحريف.  ولكن ما لبث التاريخ أن حرف زاعمين أن الاقباط كانوا يتوافدون على الاسلام هربا من الاضطهاد البيزنطى.  هذا أيضا لا يهم فى القرن الواحد والعشرين, ولكن المهم هو الحقيقه وتحريف تلك الحقيقه التاريخيه.  فالتاريخ ليس ملكا لأحد يحرفه كما يشاء, ولكن التاريخ ملك للأجيال والحقيقه ملك للتاريخ.  كما أن العالم يعرف تلك الحقائق.  ولكن يتصور النظام أنه أذكى أذكياء العالم وأن التغيير والتحريف لن يعرفه أحد.

كذلك تم حذف الحقبه القبطيه والتى تمتد الى ستة قرون ونصف بما فيها من آداب وفنون وعلوم وثقافه ويتصورون أنهم يغيرون التاريخ بينما العالم يعرف الحقيقه.  ولكن هذا لا يهم لأن القائمين على العلم أذكى أذكياء العالم فهم يتصورون أن التحريف فن وثقافه وحذاقه.
لقد أغفل النظام وجود خمسة عشر مليونا من المسيحيين المصريين على الاقل  وسن بصوره تحكميه الماده الثانيه.  مع ذلك قبلنا.  ولكن العجيب أن الماده الثانيه التى تقول "الشريعه الاسلاميه هى المصدر الرئيسى للتشريع" واضحه وضوح الشمس لفظا ومعنى فى أنها تخاطب المشرع, مع ذلك يطبقها القضاه المتعصبون على هواهم دون رقيب أو حسيب علما بأن مهمة القضاء هو تطبيق القانون وليس تشريعه.  ويتصورون أن العالم غير ملم بتلك التجاوزات الخطيره لأنهم أذكى أذكياء العالم.
ولقد روى لى صديق وطنى مخلص أن أحد القضاه روى له أنه اذا مثل أمامه متهم مسيحى يصعب عليه أن يبرئه حتى لو كان بريئا فيحكم عليه على الأقل بستة أشهر حبس.  هذا هو ما وصل اليه الضمير القضائى الذى يفترض أن كل الضمائر أصبحت فى مستواه  المريض لأنه من أذكى أذكياء العالم.

لقد انتشر التعصب فى كل مناحى الحياه وأصبح  المسيحى مبعدا عن الوظائف العامه أو الوظائف ذات الدخل المرتفع مثل شركات البترول وذلك دون مراجعه من أىّ من المسئولين مما نشر التعصب وأصبح كل من يضطهد قبطيا يكون فى مأمن كامل وسلام تام.
مع ذلك لو كان لذلك التعصب أثرا طيبا على الاقتصاد المصرى أو الحياه الاجتماعيه المصريه أو المستويات الاخلاقيه, لقلنا أن لذلك التعصب ما يبرره.  ولكن أى انسان لا يحتاج الى جهد كبير ليرى مدى التدهور الذى تردت اليه مصر فى كل الانشطه وتدهور مستوى الانتاج كما وكيفا.  كما لا نحتاج الى كبير جهد لادراك أن التفتت والانقسام أصبح يستغرق جل الطاقه المصريه.
كنت قد قرأت مقالا قيما للأستاذ طارق حجى, ذلك الكاتب والمفكر الموهوب, يقول فيه أنه لا يوجد للحكومه المصريه مخطط لاضطهاد الاقباط ولكن موقفها السلبى يجعل هذا الاضطهاد وتيره يوميه تمارس فى كل مناحى الحياه.  وإنى لأول مره أختلف مع الاستاذ طارق ذلك أن سكوت الحكومه ليس الا موافقه على كل ما يحدث من اضطهادات وعدوان اصبح له صفة الرتابه بل وأصبح له صفة الالتزام لدى الكثير من المتطرفين.  فسلبيه الحكومه يجعلها شريكه بالموافقه.

وأيا ما كان تحليل موقف المحكومه أو تصويره فهو موقف سلبى لا يتفق مع رسالة أى حكومه أو حاكم أو مسئوليهما تجاه الشعب بكل فئاته وطوائفه.

أما موقف الحكومه تجاه الاخوان المسلمين فهو يتسم بخلوه من أى أسلوب من الاساليب العلميه.  حينما حاولوا تصفية الرئيس جمال عبد الناصر كان نصيبهم التعذيب غير الانسانى الذى لم يعرف حدودا أو نهايه.  كان الاسلوب السليم أن تمحى المفاهيم العدوانيه التى استقوها وذلك لا يتم الا باسلوب علمى.  فهؤلاء الشباب قد تم حشو عقولهم بثقافات عدوانيه متطرفه.  فلا ينفع الا أن تقابل الثقافات العدوانيه بثقافات مضاده تبين أن المواطن عليه التزام بالطاعه لاولى الامر وعليه التزام بحفظ أمن وسلام دولته.  ولو كان الرئيس عبد الناصر اتبع هذا الاسلوب أو المنهاج العلمى لكفى مصر سلسلة السلوكيات العدوانيه التى قام بها الاخوان المسلمون.  وهناك مثال حىّ ففى شرق الاردن يوجد حزب للاخوان المسلمين وهم يحترمون النظام والحكومه ويتعايشون فى سلام مع شريكه فى الوطن سواء كان مسلما أو مسيحيا.

أما فى عصر السادات فقد كان موقفه على النقيض تماما, فقد ترك لهم الحبل على الغارب, ولا بأس من عدوانهم على الكفار أصحاب محلات المجوهرات فانطلقوا كالثور الهائج وكان هو أول ضحاياهم.

أما فى النظام الحالى فهو أسلوب عجيب فهم يسمونهم جماعه محظوره, وفى نفس الوقت لهم ما شاءوا من أنشطه عدوانيه أو تكفيريه, وفى ذلك لنا عود حين نتكلم عن موقفهم من الحكومه وموقف الحكومه منهم وموقفهم من الشركاء فى الوطن.
والبقيه تأتى باذن الله.

Hannalaw10@gmail.com

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١٢ صوت عدد التعليقات: ١٦ تعليق