بقلم: مجدي ملاك
اختيار مصر نائب لرئيس المجلس الدولي لحقوق الإنسان التابع للجمعية العامة للأمم المتحدة هو اختيار يثير العديد من علامات الاستفهام حول طبيعة هذا الاختيار ومعايير الاختيار في حد ذاتها، فقد سبق وقد تم اختيار مصر لعضوية المجلس منذ عامين وهو اختيار كان عليه أيضًا العديد من علامات الاستفهام التي لم نستطع أن نفهمها، وحين نحاول رصد المؤشرات التي يمكن تعطي لمصر تلك الأولوية في اختيارها نائب لرئيس المجلس الدولي لحقوق الإنسان سنجد أن معظم تلك المؤشرات سلبية.
بمعنى أن الدولة المصرية لم تستطع أن تحقق ما يساعد على تحسين صورتها في مجال حقوق الإنسان ومن ثم اعتماد اختيارها لهذا المنصب المفترض أن تكون هناك معايير محددة له، فسجل مصر في الشرطة حدث ولا حرج فالتعذيب للمواطنين داخل الأقسام يعرفه الجميع ويعلم به علم اليقين وزير الداخلية نفسه والمجلس القومي لحقوق الإنسان الذي يقتصر دوره على كتابة تقارير انجازات الحكومة بديلاً عن حكومة الدكتور نظيف، والمطاردة المستمرة للمدونين وتضيق الخناق عليهم أمر يعرفه كل صاحب قلم حر، قيام الأمن بدور سلبي في الحوادث الطائفية التي تجري من وقت لأخر هو أيضًا أمر يحسب على الدولة والنظام المصري وليس لصالحه خاصة أن أحدث الإحصائيات الخاصة بالتوتر الطائفي تقول أن ما شهدته مصر في خلال العشر سنوات الأخيرة من حوادث طائفية يفوق ما شهدته البلاد في تاريخها كله، وهو ما يشير إلى عدم قدرة النظام على استخدام سلطاته من أجل إعمال الشفافية ومبادئ حقوق الإنسان.
وإذا كان هذا على صعيد التوترات الأمنية، فتطبيق مصر لحقوق الإنسان في عدد من المجالات الأخرى شهد فشل كبير، فلم تستطع الحكومة المصرية المساواة بين المواطنين في الحصول على الوظائف بناء على مبدأ التنافسية بل كانت المعايير غير إنسانية وفى كثير من الأحيان يتم التمييز بين الأفراد على أساس الدين أو الملة.
وقضية الحرية الدينية لا تبتعد كثيرًا عن مجمل الأوضاع الحقوقية التي تعاني فيها مصر من قصور واضح، فقضية العائدين للمسيحية وأحقيتهم في الحصول على بطاقة للرقم القومي بعد العودة للمسيحية حق ما زال مسلوب، ومازال القضاء يرفض عطاء هذا الحق كجزء أصيل من حرية الاعتقاد التي نص عليها الدستور في المادة 46 من الدستور المصري، كما أن حق تغيير الدين من الإسلام للمسيحية أمر مازال ممنوع الاقتراب منه وعلى ما يبدو وطبقًا لحيثيات الحكم الصادرة في قضية الأستاذ ماهر الجوهري فأن تلك القضية لا تنتهي بالسهولة التي يمكن أن يتوقعها أحد، كما أنها في الأغلب ستنتهي لصالح مَن يؤمنون بعد الحق في تغيير الديانة من الإسلام إلى المسيحية استنادًا على مواد جاءت بالدستور المصري وتعطل معه باقي المواد الأخرى.
الشيعة المضطهدين في مصر والذي يتم القبض عليهم من حين لآخر كان أخرها القبض على 300 من الشيعة وحجزهم أكثر من أربعة شهور دون تقديمهم للمحاكمة دليل صارخ أيضًا على انتهاك ليس فقط حقوق الإنسان ولكن كل المواثيق والأعراف الدولية بالإضافة إلى التضييق عليهم في ممارسة شعائرهم الدينية وهو ما يعطي مؤشر على الانغلاق وعدم التسامح الديني الموجود داخل مصر فيما يتعلق بحرية اختيار العقيدة والمذهب كما نص عليه في الدستور المصري.
وإذا كان هذا يتعلق بالأشياء المحسوسة فهناك جوانب حقوقية أخرى غير محسوسة ولكن عليها علامات استفهام كبيرة بالنسبة للواقع المصري، فالحق في الحرية والحق في التعليم الجيد والمشرب الجيد كلها من أساسيات حقوق الإنسان التي تفتقد لها مصر بشهادة وزرائها أنفسهم، ومن ثم فالمعايير التي يجب أن تتوافر في البلد التي يمكن أن تحتل ذلك المنصب هي معايير غائبة تمامًا عن الواقع المصري ومن هنا تكون علامة الاستفهام الكبيرة حول اختيار مصر لهذا المنصب ولعل ما نشر في جريدة "النيوز ويك" منذ شهر تقريبًا والذي أشارت فيه أن اختيار مصر يدل على وجود خلل إداري كبير في منظومة الأمم المتحدة هو أكبر دليل على وجود عيوب في الكيفية التي يتم بها اختيار الأعضاء ورؤساء اللجان في تلك المنظمة التي يفترض أن تنتفي منها صفة التوازنات لصالح صفة حق الفرد.
فحينما تم إنشاء الأمم المتحدة في عام 1945 كان الهدف منها إعطاء دور أكبر في الدفاع عن الفرد الذي عانىَ من الحروب والقتل والدمار في حربين عالميتين، كما أنه عندما تم إنشاء الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة مثل المجلس القومي لحقوق الإنسان كانت تهدف بالأساس إلى مساعدة الأمم المتحدة في تحقيق رسالتها نحو الفرد وليس العكس.
المشكلة الكبيرة في ذلك الاختيار أن الدكتور بطرس غالي في حوار له اليوم بالأهرام أخذ يحتفي باختيار مصر لهذا المنصب على الرغم من يقينه الداخلي أن مصر لا تستحقه، وعلى الرغم من يقينه أيضًا أن حجم الانتهاكات التي تتعلق بحقوق الإنسان داخل مصر هي أكبر مما يتم رصده بمراحل وهو ما يعني أنه إذا أردنا أن نكون متسقين مع أنفسنا، فكان على الدكتور بطرس غالي أن لا يحتفي باختيار مصر وكان عليه أن يعترف إن هناك دول كانت هي الأولى بذلك الاختيار حتى تقوم مصر بعدد من الإجراءات التي من شأنها أن تعمل على جعل مصر مؤهلة بشكل حقيقي لهذا المنصب.
وذلك يمكن أن نقول في النهاية أن هناك من أعطى ما يملك لمن لا يستحق، والقول بأن هذا الاختيار ربما يشجع مصر على اتخاذ خطوات جادة نحو تصحيح أوضاع حقوق الإنسان هو قول غير صحيح فلا يمكن أن نعطي للسارق مفتاح الخزنة ونقول إن هذا ربما يساعده على تعلم الأمانة، بل يجب عليه أن يتعلم الأمانة ويصلح من ذاته قبل أن نأتمنه على الأموال وبالمثل ينطبق الحال على مصر فيجب أن تصلح من ذاتها حتى يمكن أن تكون مؤهلة ذلك المنصب الذي لا تستحقه من وجهة نظري. |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|