أنا من جيل المنفلوطي ونزار قباني وكروان حيران وجفنه علم الغزل, وعزة جمالك فين. أنا من جيل جدول الضرب والخطابات الزرقاء بالقلم الشيفرز الأزرق, أبث الورق لوعتي واشتياقي وحنيني. أنا من الجيل الذي غنت له اسمهان: انما أهل الغزل.. كلما خافوا الملل.. أنعشوه بالقبل.
أنا من الجيل الذي يردد مع أم كلثوم( كرامتي فوق قلبي), لا أحب التوجع وإظهار السقم والنحول والسهر لاستميل حبك مثلما كان يفعل الشاعر بدر شاكر السياب, نصف وزني كبرياء.. وأدوس علي قلبي لو نزف من جرح في هذا الكبرياء! لا أعرف لغةSMS لأني لا أملك براعة اختزال مشاعري في كلمات أبوح فيها لآله, اذنك وحدها خلقت لتتلقف همسي الحنون وشوقي المتوهج ورعشة لهفتي.
وأنا يا زهرة حياتي, لم أجلس في مقاعد المتفرجين بعد ولن أجلس في قهوة النشاط حيث ثرثرة روادها من العجائز وأرباب المعاشات, مازلت ـ مهما مضي قطار العمر ـ أعبر بالقلم والعدسة عن بلدي التي أعطتني ومهما ذقت منها المرارة والألم فأنا أنتمي لها كانتمائي العضوي بأمي, ولا أقف في مدينة( نعم) ولست من هواة تستيف الأوراق وهز الرءوس بلا اقتناع, ومن( يفهم) لا يحزن!
يحملني الشوق علي جناحه لك وأفكر في نفس الوقت بالطاعون المتربص لنا, والجراد المتأهب لاختراق حدودنا.. تماما مثل جراد آخر لو فتحنا معابرنا!
يختنق شوقي إليك وأفيق من أحلامي العذبة علي كوارث تهبط علي الوطن, تعذبت حبيبتي عندما قلت لي( أنت لست زعيما فاشتري دماغك).
أنا لست بزعيم, وبيني وبين الزعامة ـ سيدتي ـ فراسخ من الأميال, ولكني أفهم( الوطن) فهما متواضعا, انه الأهل والأصدقاء والبيوت والبراري ولحظات نثر البذور وموعد الحصاد, والأطفال والصبايا والعجائز والمعمل والمصنع وإمام المسجد وكاهن الكنيسة والمثقف والأمي ورجل السياسة والقيادة. هذا الوطن, عندما يتعرض للأخطار, ننسي كل شيء, إلا هو, وكيف اشتري دماغي وفي الفيوم قري لا تشرب حتي مية الحنفية, وتشرب من ماء الترع؟! هل أجلس فوق كرسي هزاز مجعوصا وأهز أكتافي بلا مبالاة؟ ان العاطفة( كل) لا يتجزأ, ومادام قلبي ينشطر نصفين لو تم بيننا فراق, فإن نفس القلب يتعذب لمجاعة في دارفور, أو فيضان اجتاح قرية في الهند.
تنتشلني الحوادث والأحداث من لهفة تسكن قلبي وعقلي وتنشط سيناريوهات مخك أن في الأمر( امرأة) أخري خطفت اهتمامي, لا امرأة أخري ولا اهتمام آخر, ولكن تأملات تصيبني لعنتها وتحجب عني لذات الحياة, تأملات تعترض طريقي وتجعلني أري الأشواك الدامية ولا أري الورود, نتقابل وتحكين لي كيف نمت أمس و(دموعك علي مخدتك.. دموع؟ هل مازالت لهذه الكلمة وجود في القاموس؟ هل مازالت مخدتك ترتوي بنبع حبك؟ أخجل من سرد تأملاتي وقد تتهمين حبي بالقصور وتكرهين البلد ومشكلات البلد التي أدخلتني( الحجر العاطفي) في ميناء حياتك بحثا عن فيروس( العام) الذي التهم( الخاص), انت علي حق في ابلاغك عني سلطات الميناء, فالعام يلتهم الخاص! أنا مازلت سيدتي مسكونا بحبك وأشاركك حتي الملل ومازلت مهموما بقضاياك الصغيرة,, اهتمامي بك بنفس طويل يتعدي مرحلة الاعجاب ويدخل مرحلة المسئولية عنك ولكن لا تظني أن العام يأخذني منك, أنا لم أرث عن أبي مالا, يدار بآخرين وعندي فسحة من الوقت والفراغ, انت تكرهين الرجل العاطل مهما كانت ثروته, صحيح ان المرأة تحب( الثروة) ولكن هناك ثروة غير هدمية لا تموت.. تسكن العقول, أنا أحافظ ـ سيدتي ـ
علي مشوار العمر, أحميه من الاندثار في بلد يؤمن بالصوت العالي والصراخ والالحاح, تقولين( لم تعد تغار) واقول أنا لا أغار من رجل آخر, ان لقلبك الفصيح بوصلة ترشدك, أنا أغار من أفكارك حتي أحلام يقظتك, أنا أحمل ربابة واتغني بحبك وعطائك تحت شباك بيتك! التقينا علي موجة فهم واحدة, ومطلوب منك ـ كامرأة واعية ـ الإدراك أن العام عندي هو الخاص والخاص عندي هو العام, لي عينان تريان وأذنان تسمعان, لست معزولا عن الحياة ولا نعيش في صحراء, عيون الآخرين وآذانهم هي الجحيم, الشحاتين يدعون لك في سيارتك( ربنا يخليلك البيه) فإذا تجاهلت الأمر( دعوا علي البيه), الشارع مفترس والناس أكثر افتراسا, الهمسات تصاب بسكتة دماغية وكلمات الحب تسقط في صخب الزحام, ما عاد زمن الروقان يسمح لنا بالدفء والحلم وعناق الأصابع إلا قليلا, في غفلة من العيون, لحظات مسروقة!
حبيبتي: أنا لم أعتزل الغرام ولست ضالعا حزبيا يستهلكني الحزب! أنا فقط معني ببلدي وبلدك أيضا, ساعديني علي الشفاء من تأملاتي!
*نقلاً عن جريدة الأهرام |