بقلم: منير بشاي - لوس أنجلوس
شهد النصف الثاني من القرن الماضي ظاهرة غريبة على الأقباط، فلأول مرة في تاريخهم يهاجر العدد الكبير منهم بلدهم مصر، وكان ذلك هربًا من أوضاع دينية أو إقتصادية أو سياسية قاسية، وسعيًا نحو حياة أكثر إستقرارًا وحرية وإزدهارًا لهم ولأبنائهم، ويقدر عدد من هاجروا من الأقباط حتى الآن بحوالي ۲ مليون نسمة أي بنسبة تقترب من ۲۰% من تعدادهم، ولأن المناخ الديموقراطي في البلاد التي هاجروا لها يسمح بحرية التعبير فمن الطبيعي أن يستغل الأقباط في المهجر مناخ الحرية هذا ليتكلموا عن القضايا التي تشغل أفكارهم ومنها طبعًا الظروف في مصر التي إضطرتهم للهجرة، والتي يعانى منها بقية إخوتهم الذين ما يزالوا يعيشوا هناك والذين لا يستطيعوا أو لا يرغبوا في الهجرة.
هذا الصوت الصارخ الذي يكشف ما يجري في مصر من ممارسات كان له ردود فعل من الدولة وجهازها الإعلامي فشنوا حملتهم المسعورة للتشكيك في مصداقية أقباط المهجر ونعتهم بأبشنع الكلمات، وقد كتبت مرة مقال بعنوان: دفاعًا عن أقباط المهجر لأرد فيه عليهم، ولكن مثل هذا الهجوم متوقع ومفهوم ولا أظن أنه سيتوقف يومًا وهو لا يؤثر فينا كثيرًا.
ولكن الغريب أن يظهر من بين أقباط الداخل أنفسهم من يردد نفس هذه الإتهامات، بعضهم يفعل هذا عن حسن نية لأنهم يصدقوا ما يسمعون، والبعض الآخر يفعلها عن سوء نية لأنهم ببسطة يعملون لحساب النظام ويرتزقون من مأساة أخوتهم، النقد الذي يأتي من الخونة يمكن إحتماله أما النقد الذي يأتى من المخلصين فهو أصعب شيء على النفس فهو جروح دامية مؤلمة نعانيها من أحبائنا الذين نعمل من أجلهم وكنا ننتظر منهم التأييد وإذ بنا بدلاً من هذا نتلقى كلمات هي أشبه بالطعنات.
ولذلك قصدت أن أكتب لأصحح بعض المفاهيم المغلوطة التي تتردد على ألسنة هؤلاء الأحباء وأضع بعض النقاط على الحروف لعلها توضح بعض الحقائق الغامضة عليهم بالنسبة لهذه الجماعة المثيرة للجدل المسماة أقباط المهجر حيث أنني (ولا مؤاخذة) واحد منهم على مدى نحو أربعة عقود.
* أقباط المهجر هم أنفسهم أقباط الداخل.
لا يوجد هناك في علم الأجناس جنس خاص إسمه أقباط المهجر، أقباط المهجر هم أنفسهم (بلحمهم وشحمهم) أقباط الداخل، نفس الجينات والصفات والبصمات والميزات والعيوب، الفارق هو الوجود الجغرافي فقط وحتى هذا لم يحدث إلا منذ فترة وجيزة.
* أقباط المهجر ليسو أعلى مرتبة من أقباط الداخل (ولا أدنى).
هم ليسوا أكثر علمًا أوثقافة أو تحضرًا أو ذكاء، وليسو جميعًا أغنى من أقباط الداخل فمنهم الأغنياء ومعظمهم متوسطي الدخل وقليل منهم فقراء، ولكنهم بصفة عامة ناجحون ماليًا وعلميًا ومهنيًا، وربما السبب في ذلك أنه أتيحت لهم فرصة عادلة ليظهروا مواهبهم وكفاءتهم فنجحوا حتى أنهم أصبحوا في أمريكا ثاني أكبر الأقليات نجاحًا متفوقين في ذلك على جاليات أخرى تواجدت في أمريكا قبلهم بمئات السنين، وهذا النجاح كان يمكن أنه يحققه أي قبطي آخر أعطيت له نفس هذه الفرصة.
* أقباط المهجر ليسو أوصياء على أقباط الداخل.
يخطئ من يظن أن أقباط المهجر يحاولوا تنصيب أنفسهم في موضع يفرضوا إرادتهم على أقباط الداخل أو أنهم يريدوا أن يسيطروا عليهم، وقد حز في نفسى أن أقرأ ما كتبه بعض الأحباء من أقباط الداخل يسخرون فيه من إخوتهم أقباط الخارج ويتهمونهم بمحاولة التعالي والسيطرة على أقباط الداخل، بل هناك من نادى بضرورة التخلص من سيطرة أقباط الخارج وتكوين قيادات من الداخل بدلاً منهم، وكأن هناك قوة عسكربة إستعمارية خارجية تحاول فرض هيمنتها على أقباط الداخل. أما إذا كان هناك محاولة لإنشاء قيادات داخلية فهذا هو اليوم الذي كنا ننتظره وقد جف حلقنا في محاولة حث أقباط الداخل أن ينهضوا ويعلنوا عن إرادتهم ويطالبوا بحقوقهم (إقرأ مقالى في هذا الموضوع بعنوان: أقباط الداخل أين أنتم؟). وفي أكثر من مرة دعوتهم أن يدخلوا المعترك السياسي ويستخدموا قوتهم الإنتخابية لمصلحتهم. وأعلم أن هناك قادة نشطين في مصر وأتمنى أن يظهر المزيد مثلهم فبدون أقباط الداخل لا يمكن نجاح أي عمل. العمل أساسًا هو عملهم وهم وحدهم الذين سيجنون نتائج هذا العمل، وما نحن إلا عامل مساعد وسينتهى دورنا عندما نعلم أن الحل أصبح في الطريق، وحبذا لو تركنا جميعًا عقدة الرئاسات جانبًا لنصبح مجرد خدام للشعب كما قال السيد المسيح: من يريد فيكم أن يكون أولاً فيكون آخر الكل وخادمًا للكل (مرقس ٩:٣٥).
* أقباط المهجر ليسو أولياء أمور أقباط الداخل.
أقباط الخارج لم ينتخبهم أحد للتفاوض نيابة عن أقباط الداخل، وأي حل للقضية القبطية ينبغي أن يكون نابعًا من أقباط الداخل ويحوز قبولهم لأنهم وحدهم المعنيون به. أقباط المهجر ليسو طرفًا في النزاع ولكنهم مجرد قوة ضاغطة مساعدة، وهم ويقومون بهذا لأنهم لهم مصلحة شخصية فقد مروا بنفس هذه الظروف وكانت هي السبب في أن يهاجروا أرض أبائهم وأجدادهم، وأيضًا لأنهم لهم الحق في الدفاع عن أخوتهم الغير قادرين على أن يعبروا عن آلامهم نظرا لظروف القهر التي يعيشوا فيها، وهذا إلى أن يكتشف أقباط الداخل صوتهم فيستطيعوا التعبير بحرية عن أنفسهم ويكون هناك إستجابة من السلطات لشكواهم. أما نحن فليس لنا مصلحة في الإستمرار في الإحتجاج، ونتمنى أن تحل القضية سريعًا فنتفرغ لمصالحنا وإهتمامتنا الشخصية الكثيرة، ويزول عن كاهلنا هذا العبء الكبير.
* أقباط المهجر لا يملكون عصا سحرية لحل المشكلة القبطية.
المشاكل الحقوقية تحتاج إلى صبر ومثابرة وإستمرارية مع الكثير من العرق والدموع، ليس هناك وصفة سحرية سريعة لحل المشكلة، والذين يسخرون من أقباط المهجر ويتهكمون عليهم متسائلين: أين نتائج كفاحكم الطويل يا أقباط المهجر؟ هم سذج سياسيًا ولا يفهمون طبيعة العمل السياسي. أقباط المهجر لا يملكون سوى سلاح الضغط والذي يقابله طبعًا ضغط مقابل من جهة السلطات وأيضًا من جهة الأقباط الذين يعملون لصالح الحكومة والضغط الأقوى هو الذي يغلب. فبدلاً من التهكم والإهانة تعالوا بنا نتكاتف سويًا من أجل ضغوط قوية مؤثرة وإلا فالأمور لن تتغير والمعاناة ستستمر ولا يوجد من نلومه سوى أنفسنا.
هل نستطيع أن نعمل معا في إنسجام وتناغم؟. أم أنه مقدر لنا أن نتناحر ونتنافر ونضيع وقتنا الثمين في النقد الهدام؟ ليتنا نقدر مسئولية الكلمة ونعرف كيف نستعمل لساننا للبنيان وليس للتجريح. أما من لا يستطيع ضبط لسانه فربما يكون الأفضل له أن يصمت فالصمت في هذه الحالة أبلغ من الكلام، وأكثر نفعًا.
Mounir.bishay@sbcglobal.net |