سبل حصار الفكر الطائفي والتيار التكفيري وترسيخ دولة المواطنة المدنية
الاختلاف في العقيدة لا يغير من وحدة العنصر والدم والوجدان المشترك
على المسلمين المصريين حماية الكنائس مثلما يحمون المساجد ويدافعون عنها
كتبت: ميرفت عياد
ليس من قبيل المبالغة القول بأن الوحدة الوطنية المصرية كانت أساس توحيد مصر قبل أكثر من خمسة آلاف سنة، حين أقام المصريون- رغم تعدد معتقداتهم - أول دولة مركزية وأمة واحدة موحدة في التاريخ الإنساني على يد الملك "مينا" عام 3200 ق.م. وأن قبول واحترام الآخر- المختلف دينيًا - كان ركيزة الوحدة بين الصعيد والدلتا وهو المعروف تاريخيًا باسم "وحدة القطرين" أو "وحدة الأرضين"، حيث سُمح ببناء معابد آلهة كل من سكان الصعيد، وسكان الدلتا على أرض الآخر، بعدها عرف المصريون "الإله الواحد" وعرفوا بأمة التوحيد الأولى في التاريخ الإنسانى، هذا ما أكده "شعيب عبد الفتاح" في الدراسة التي تقع تحت عنوان "الوحدة الوطنية المصرية ونسيج الأمة الواحدة"، والتي قامت بإصدارها الهيئة العامة للاستعلامات.
مصر مهد الديانات
ويشير شعيب إلى أن مصر جاءها "إبراهيم" -أبو الأنبياء- و"يوسف الصديق" ومن بعده الأسباط اليهود الاثنى عشر، وولد على أرضها "موسى" النبي، ثم جاءتها العائلة المقدسة وقت أن كان عمر السيد المسيح عامان، وقد مرت العائلة بثلاثة مواقع فى شمال سيناء وثمانية عشر موقعًا في وادى النيل ودلتاه، وزارت وادي النطرون في الصحراء الغربية، وجبل الطير في الصحراء الشرقية، وعبرت المجرى الرئيسي لنهر النيل أربع مرات. بعد ذلك دخل مصر "مرقس الرسول" عام 43م، وأسس أول مدرسة لاهوتية مسيحية بالإسكندرية، ثم قدمت مصر "الرهبنة" هدية منها إلى العالم المسيحي، فالرهبنة تقليد مصري أصيل ويعد الأنبا أنطونيوس - المصري الجنسية - أبو الرهبنة في العالم، وفي عام 642م فتحت مصر أبوابها أمام الدين الإسلامي الذي كفل حرية العقيدة وحرمة الدين، حيث أجمع كل المؤرخين المصريين المسلمين الأوائل على وحدة النسيج المصري الواحد، ووصفوا أقباط مصر بأنهم أكرم الأعاجم وأسمحهم يدًا وأفضلهم عنصرًا.
الفكر الطائفي والتيار التكفيري
وتؤكد الدراسة على أن الاحتلال الإنجليزي لمصر عام 1882م اتبع ما يسمى سياسة "فرق تسُد"بين المسلمين والأقباط، وبدأت بالفعل إرهاصات تحويل الأقباط من (ملة دينية) إلى أقلية دينية وسياسية، وفشل الإنجليز في تحقيق ذلك كما فشل الفرنسيون من قبل، وصارت "المواطنة" قرين الدولة المدنية في مصر الحديثة، حيث التف المصريون حول قادتهم الوطنيين بعد قرون من الانطواء تحت القيادات الدينية وكانت كتابات الطهطاوي التنويرية وتلاميذه هي بدايات مفهوم المواطنة في مصر، كما رسخ الأستاذ الإمام محمد عبده فكرة دولة المواطنة المدنية حين أصدر فتواه الفاصلة، والتي تعد من أهم أحكامه على الإطلاق حين قال علمت أن ليس فى الإسلام سلطة دينية سوى الموعظة الحسنة والتغيير من الشر"، وكانت هذه الفتوى بمثابة الحصار المبكر للفكر الطائفي والتيار التكفيري، وجاءت ثورة 1919 ضد الاحتلال الإنجليزي لتمثل أزهى أحقاب الوحدة الوطنية والمواطنة والدولة المدنية ودولة الأمة المصرية، أمة عمادها أن الاختلاف في العقيدة لا يغير من وحدة العنصر والدم والوجدان المشترك.
التكامل والاندماج الاجتماعي
ويوضح الباحث أن التاريخ لا ينسى أن الأقباط أنفسهم هم الذين رفضوا مبدأ التمثيل النسبي في دستور 1923، مثلما رفضوا من قبل حماية قيصر روسيا لهم وحماية اللورد كرومر، وأن قبطيًا مصريًا وهو "عريان يوسف" تطوع لاغتيال رئيس الوزراء القبطي المرشح "يوسف وهبة" عندما خرج عن الجماعة الوطنية وإجماع الأمة المصرية، وقبل رئاسة الحكومة بوازع من الانجليز بينما كان سعد زغلول ورفاقه في المنفى، خاصة وأن الكنيسة المصرية كانت قد اجتمعت وطالبت يوسف وهبه بعدم قبول رئاسة الحكومة وعدم التفاوض مع لجنة ملنر المعادية للوفد ولشعب مصر، ومن هنا يتضح أن الأقباط لا يشكلون أقلية عرقية أو سلالة إثنية أو لغوية، وهو الأمر الذي ميز الشعب المصري بدرجة عالية من التماسك أو التكامل أو الاندماج الاجتماعي.
حماية المساجد والكنائس
وعندما يأتي الحديث عن المفكر البارز دكتور "وليم سليمان قلادة"الملقب بفقيه نظرية المواطنة، نراه يربط بين الشعور بالانتماء وبين تمتع المواطن بجميع حقوق المواطنة سواء كانت هذه الحقوق مدنية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، وتأتي كلمة البابا شنودة "إن مصر ليست وطنًا نعيش فيه، بل وطن يعيش فينا" كأيقونة مسيحية تجسد في مثال مبهر نسيج مصر الواحد وعنصرها النقي الأصيل، كما كان الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب معبرًا بنقاء خالص عن تلك الروح المصرية السامية في قوله أن على المسلمين المصريين حماية الكنائس مثلما يحمون المساجد ويدافعون عنها. |