CET 00:00:00 - 12/03/2009

مساحة رأي

بقلم: د. عاطف نوار
عندما خرج علينا رسام الكاريكاتير الدانمركي برسومه البذيئة الرامية للإساءة للرسول قامت الدنيا وتعالت الأصوات بضرورة محاكمته وكثرت النداءات بضرورة مقاطعة الدانمارك وسلع الدانمارك... خرجت المظاهرات تندد بالإساءة للإسلام ونبيه، مطالبة الدانمارك بتقديم الإعتذار للأمة الإسلامية لتضمد الجراح التي أدمتها هذه الرسوم الساخرة.
أدعوك عزيزي القارئ لنفكر معاً فكراً مستنيراً... من الذي يسيء للإسلام؟.
أولاً دعنا نفسر معا ماهي السخرية؟ وماهي الإساءة؟ ومن الذي يمثل خطورة علي الإسلام؟...
أما السخرية فهي محاولة من شخص تافه سفيه يشعر بالدونية للتقليل من شأن شخص آخر له منزلة سامية بعدها يسعد السفيه وقد شفي من دونيته وحقارته.. هذا ماحدث في الدانمارك سخرية لشخص تافه من شخص كريم لم تهتز كرامته ولا هيبته أمام هذا الصعلوك.
أما الإساءة فهي المساس بكينونة ومبادئ الشخص المُساء إليه... ليس بالقول بل بالفعل.. ليس برسوم كاريكاتيرية تافهة... بل الأمر غير ذلك وأكبر من ذلك..
إن الإسلام تعرض في الآونة الأخيرة لإساءات عديدة وقاسية مسّت مبادئه وشككت في تعاليمه السامية..
من الذي أساء للدين وكيف؟
بكل أسف أعزائي... إن مصدر هذه الإساءة هم بعض من ابنائه الذين حادوا عن طريق الحق وسلكوا طريقاً آخر بعيداً عما ينادى به متخذين منه ستاراً لتحقيق أهدافهم المادية ومظلة تخفي تحتها أطماعهم فكان التعصب الأعمي مناهج تدينهم… والمتعصب يعصب عينيه ويصم أذنه فلا يرى الآخر ولا يسمع صوته ولا يحترم معتقده بل يوهم نفسه أن من خالفه في دينه فهو كافر وكأن الكون خلق فقط لهذا المعصوب المسكين.
إنقسم المتعصبون إلى إرهابيين عسكريين يقتلون ويفجرون ويبيدون ويحرقون, وإرهابيين مدنيين يظلمون ويسلبون الآخرين حقوق المواطنة في بلدان عدة، والغريب أن حجة هذا المتعصب هي أنهم يدافعون عن دين الله ضد الكفرة.. أيحتاج الله عز وجل لأحد ليدافع عنه؟ ألا يعلم هذا المسكين أن هناك أديان سماوية أخرى غير الإسلام عليه أن يحترمها ويحترم معتنيقها؟، ألا يعي هذا المسكين أنه يعيش في مجتمع يحتاج إلى عقل وجهد كل من فيه مسلم وغير مسلم لكي يزدهر  يتقدم ؟، ألم يتعلم هذا المسكين أن الإسلام حث على حب الآخرين والتعاون معهم؟، ألم يقرأ هذا المسكين في التاريخ كيف عاش المسلم جنباً إلى جنب أخيه المسيحي في مصر والعراق وأمريكا وإنجلترا وغيرها متكاتفين في مواجهة الصعاب والتحديات وكيف تخطوها وانتصروا عليها؟، ألم يرى هذا المسكين ما حدث في ثورة 1919 في مصر نتاج إلتحام عنصري الأمة؟.. لقد وقفوا معا كقلعة حصينة أردت قوى الإحتلال أرضاً وفرضت إرادة الأمة على بريطانيا العظمي.. ألم تذكر أيها المسكين والدك وزميله المسيحي عندما انتكسوا سوياً في 67 وعندما انتصروا معاً في 73؟..
انظر عزيزي ما حدث من نجاحات رفعت اسم بلدنا الحبيبة مصر.. لقد تقاسمها بطرس غالي وأحمد زويل في أمريكا.. مجدي يعقوب في لندن.. نجيب محفوظ في مصر.. لقد رفع هؤلاء اسم مصر مسلميها ومسيحيها وكانوا و ما زالوا صورة مضيئة لبلدهم و دينهم.
إن التعصب قادك إلى العنف والكراهية... تقتل وتنهب وتسلب حقوق الآخرين ودون أن تدري أصبحت صورة سيئة للإسلام... لقد أرسيت صورة للإسلام أنه دين الإرهاب والقتل والمسلمين هم أدواته.. لقد شوهت صورة الإسلام بهذه الأعمال...
عزيزي المتعصب أليست هذه إساءة بالغة للإسلام؟ أليست إساءة للمسلمين أن ينبذهم العالم أجمع خوفاً منهم ومن أعمالهم الإرهابية؟
لم يحث الإسلام على هذه الأفعال بل نادى بالموعظة الحسنة والحب للآخرين فلماذا تشوه صورته...
...إن الرسام الدانمركي عبّر عن تلك الصورة التي رسمتها أنت داخله... إن الله عز وجل اسمه السلام.. والمسلم هو من سلم الناس من يده ولسانه.. فهل جهاد المسلم في سبيل الله يكون بالكراهية المؤدية إلى قتل الناس وإهدار دمهم وهدم ممتلاكتهم وحرق أماكن عبادتهم وسلب حقوقهم؟..
عزيزى إن الجهاد في سبيل الله عز وجل يكون بالموعظة الحسنة... وتقديم الدين بأسلوب يحبه الناس ويجتذب قلوبهم... الجهاد في سبيل الله هو أن تجمع النفوس في دين الله بالحب.. تقدم لهم الدين في صورة سمحاء... هذا إن كنت تهدف إلي الجهاد الحق في سبيل الله... أما إذا كنت تبتغي السلطة والمال فالأمر إذاً لا يمت للدين بصلة.
أدعوك عزيزي أن تراجع هدفك ومنهجك... أن تشحذ عقلك وحججك للدعوة.... أن تطرح سيفك وقنبلتك ومدفعك جانباً... أن تحب الناس على إختلاف أديانهم... أن تطرح الكراهية لهم بعيداً... أن توجه ما أعطاك الله من مال لتعليم الشباب كيف يجتذبون الناس بالحب والإقناع... أن تدربهم على فن النقاش والإقناع و ليس فن القتال للفتك بهم... أن تراعي الله في إخوانك البشر..
د. عاطف نوار - كندا
bolapavly@yahoo.com

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٤ صوت عدد التعليقات: ٢ تعليق