بقلم : محبة مترى
قد يمر البعض منا بتجربة قاسية في فترة من فترات حياته وخاصة فترة الطفولة تترك لديه ذكريات مؤلمة وتسبب ندوبا وجروحا وألما في نفسه لمدة طويلة,وتظل مكبوتة داخله تحاصره وتلاحقه مؤثرة فى مشاعره ونظرته تجاه نفسه وعلاقته بالله والآخرين وقد تسبب له مع الوقت الاكتئاب وأعاقة نفسية شديدة ومعاناة قد تظل معه مدى الحياة.
ومن هذه التجارب مثلا:
- أي اعتداء جسدى أو معنوي على الطفل.
- الاساءة الى الطفل وخاصة اذا كانت من أقرب الناس اليه مثل الوالدين أو معلمه.
- وجود أب مدمن للخمر أو المخدرات.
- وفاة أحد الوالدين فى سن مبكرة.
- انحراف أحد الوالدين.
- أساليب التربية الخاطئة والتى قد تتأرجح بين التزمت الشديد أو التدليل الزائد أو التفرقة بين الأخوة او الدكتاتورية والتحكم.
- تعرض الطفل لحادث مؤلم وخاصة أذا فقد فيه احد والديه أواحبائه.
والغريب أن من يتعرض لأحد هذه الذكريات المؤلمة غالبا مايخفيها بداخله فى سرداب الأعماق رافضا أن يعترف بمعاناته ولسان حاله قائلا كيف أكون مؤمنا وفى نفس الوقت مكتئبا فالايمان ضد الاكتئاب , وهو مبدأ غير صحيح فى بعض الاحيان فأحيانا مايكون الشخص مؤمنا ويمارس الاسرار الكنسية ولكنه يعاني داخليا , ومن منا لم يمر بلحظة من لحظات الاكتئاب من قبل؟
" لماذا انت منحنية يانفسي" ( مز 42:5)
" يا الهي نفسي منحنية داخلي " ( مز 42:6)
" لماذا انت منحنية ........ ترجي الله لاني بعد احمده خلاص وجهي والهي"( مز 43:5)
او هل سمعت ماقاله ايليا: " يارب خذ نفسي مني " (1 مل 19: 4)
او يونان " يارب خذ نفسي مني لان موتي خير من حياتي " ( يونان 4:3)
او ايوب " ليته هلك اليوم الذي ولدت فيه"( ايوب 3:3)
او هل سمعت كلمات الرب يسوع في البستان حين كان يخوض الجهاد الاليم وهو يصلي: " نفسي حزينة جدا حتي الموت"
ومن أعراض معاناة من يتعرضون لتجارب قاسية فى طفولتهم:
*- تقليل قيمة الذات
وهو سلاح نفسى يستخدمه الشيطان ليجعل الانسان لديه شعور جارف بالنقص وتقليل قيمة الذات وعدم الكفاءة مما يقيد كثير من المؤمنين ويمنعهم من التمتع ببركات الله نتيجة احساسهم بعدم الكفاءة الذاتية.
وفي الحياة يظل هؤلاء الاشخاص مقيدين مجمدين في عمل او وظيفة اقل من قدراتهم ومثل صاحب الوزنة الواحدة الذي منعه الخوف من ان يستثمر وزنته بل دفنها في الارض للحفاظ عليها خوفا من رفض سيده له.
مثل ماحدث مع رامى وهوشاب فى العشرينات من عمره يعانى من انعدام ثقته بنفسه وعزلته وعدم قدرته على الاندماج في المجتمع ومواجهته, والسبب يرجع الى طفولته والى الطريقة الخاطئة لوالديه في تربيته فقد كانا يستخدمان معه أسلوب المقارنات والشروط :
أنت طيب يا رامى عندما...
نرجو ألا ترسب مثل سامر
هذا افضل ولكن....
لماذا شادى متفوق عنك دراسيا ودرجاته أعلى دائما
نحن نحبك عندما....أذا....ولكن....
وعندما حصل ذاتت مرة رامى على 80% فى اختبار آخر العام كم شعر بالأسى من والديه عندما انتقداه واتهماه بالأهمال فى الدراسة, بعدها حاول أن يبذل جهدا أكبر في العام التالي لارضائهما وكثف من فترات استذكاره وعمل جاهدا للحصول على درجات أعلى وبالفعل حصل على مجمع 90% فذهب سعيدا الى والديه فخورا بتقدمه يريهما النتيجة المشرفة فأبديا الامتعاض وأنباه على هذا المجموع الذى لايتناسب مع فترات استذكاره الطويلة, عندها قرر أن لا يضيع دقيقة واحدة بدون مذاكرة وفى العام الثالث حرم نفسه من كل الهوايات والألعاب وانكب على الدراسة ليل نهار وحدثت المعجزة وحصل شادى على مجموع 100% فلم يصدق نفسه وقفز فرحا لوالديه يبشرهما بالخبر السعيد....وكم صدم لرد فعلهما عندما امتعضا وقالا له واضح انك غششت من زميلك فليس هذا بمجهودك الشخصى!!!!!
حقا أنهما والدان يصعب ارضائهما تسببا لابنهما فى جروح نفسية مزمنة دون ان يشعرا.
وكذلك ماحدث مع نهي الأم الشابة التى تعاني من مشاكل مع زوجها وعدم توافق وكذلك تجد صعوبة في التعامل مع زملاء العمل بالرغم من ايمانها وخدمتها وصلاتها ولكن كانت دائما تشعر ان الله غير راضي عنها والسبب يرجع الي ابويها عندما كانا يدللان أختها الكبرى ويمتدحان جمالها أمام الاسرة والاصدقاء بينما يهملان الاشادة بها وشعورها بانها اقل جمالا بسبب حبوب الشباب التى كانت تغطى وجهها فى فترة المراهقة,فعاشت حياتها تشعر بانها غير مقبولة او محبوبة حتي من الله بالرغم من محبة زوجها واطفالها لها, وقد خاضت جهادا قويا لتصفح عما شعرت به من ظلم المقارنة والتمييز وكذلك لتتغلب علي شعور البغضه نحو اختها.
*- هوس الكمال
يرتبط بانتقاص قيمة الذات فيشعر الانسان دائما بنقصه وعدم صلاحه كما يجب وان اي عمل ينجزه يتخيل أنه لايتقنه فقد كان من الممكن ان ينجزه بصورة افضل فيظل يعاني من القلق والغضب والتزمت نتيجة الضمير المفرط فى الحساسية فيضع لنفسه مجموعة من الاوامر الذاتية والنواهي والقوانين التى تثقله لانه لن يستطيع ان ينفذها فيدور في دائرة مفرغة من الاكتئاب.
*-شفاء الجروح
1- تعتبر اول خطوة في علاج الاكتئاب نتيجة جروح تجارب حياتية سابقة هي قبولك لنفسك كما انت وتذكر محبة الله وانها ليست مرتكزة علي مشاعرك ولا اعمالك ولا علي محبتك ايضا .
" ولكن لنا هذا الكنز في اوان خزفيه ليكون فضل القوة لله لا منا . مكتئبين في كل شئ لكن غيريائسين مضطهدين لكن غير متروكين مطوحين لكن غير هالكين . لذلك لانفشل بل ون كان انساننا الخارج يفني فالداخل يتجدد يوما فيوما"(2 كورنثوس 4 : 7)
2- واجه مشكلتك بشجاعة وواجه تلك الذكرى المؤلمة الدفينه في اعماقك اعترف بها فى قرارة نفسك واشكر الله عليها لأنه قد سمح بها لحكمة ولخيرك أو ربما لخير شخص آخر , فلا تنسي قصة يوسف حين باعوه أخوته وغدروا به وتعرض لكل أنواع ألالم النفسي وعندما تقابل مع أخوته مرة أخري قال لهم انتم قصدتم لي شرا. اما الله فقصد به خيرا لكي يفعل كما اليوم. ليحيي شعبا كثيرا (تكوين 50 :20 ) .
3- أ تريد أن تبرأ ؟ أسال نفسك نفس السؤال الذي سأله الرب يسوع الي مريض بركة بيت حسدا المطروح منذ ثمانية وثلاثين سنة, فيجب ان يكون لديك اولا الآرادة والرغبة الحقيقية في الشفاء ثم تطلب من الله ان يمنحه لك ولاتلقى المسئولية على آخرين ...(تعالوا الي باجميع المتعبين والثقيلي الاحمال وانا اريحكم) .
4- اطلب مساعدة من آخرين مقربين لك موثوق بهم " اعترفوا بعضكم لبعض بالزلات وصلوا من اجل بعضكم لاجل بعض لكي تشفوا"( يعقوب 5: 16)
5- تحمل مسئوليتك فى المشكلة وكف عن الرثاء لنفسك لان الرثاء للنفس هو اول خطوة نحو هاوية الاكتئاب.
......أخى العزيز يا من تتألم وتعانى من مشاعرك الجريحة ثق أنك لست وحدك وثق أن الله يشعر بك ويطيب جراحك ويربت علي كتفك بمحبة وحنان ,سامح نفسك واصفح عنها كما غفر لك الله من قبل ولا تكن جلادا لنفسك بل تعامل مع نفسك بحنو واترك الروح القدس يعمل فيك وفى ضعفاتك وتذكر هذه الآية دائما " تكفيك نعمتى ، لأن قوتى في الضعف تكمل. فبكل سرور أفتخر بالحرى في ضعفاتى ، لكى تحل على قوة المسيح" (2 كورنثوس 12 : 9 )
....افرح وتمتع بنعمة الله ومحبته وعش حياتك شاكرا مترنما بكم صنع الله بك ورحمك. |