CET 00:00:00 - 27/06/2009

مساحة رأي

بقلم: سوزان قسطندي
يوأنن (بالقبطية)، يوأنس (باليونانية)، يوحنا (بالعربية).. واللسان القبطى المعرب  ينطق الإسم يحنس أو حنس أو أبو حنس أو حنا..
لمحة عن حياة القديس يوحنا القصير:
وُلد يوحنا سنة 339م ببلدة طيبة بالصعيد من عائلة فقيرة، وكان أبواه تقيين جدًا وكان له أخ أكبر صار فيما بعد راهبًا فاضلاً أيضاً.
شعر يوحنا بالدعوة السماوية وهو فى الثامنة عشره من عمره فقام لفوره وذهب إلى الأنبا بموا القمص ببرية شيهيت ورجاه أن يتخذه تلميذاً له، وإذ رأى الأنبا بموا حداثة سنه طلب منه التريث لعله لا يحتمل الجهاد وشقاء الحياة النسكية ولكن يوحنا أجابه أنه على إستعداد لطاعة معلمه فى كل ما يقول. صلى الأنبا بموا وصام ثلاثة أيام قبل أن يقبله، فظهر له ملاك الرب وأخبره أن يوحنا سيصير أباً لجماعة كثيرة وسيخلص كثيرون بسببه.

كان يوحنا مطيعاً لأبيه الروحى فى رضا وسكون، ودرب يوحنا نفسه أن يمسك لسانه وبطنه وقلبه من أجل محبته لله، وارتبطت أصوامه ونسكياته بصلواته فكان دائم الصلاة فى مغارة تحت الأرض وكان مشغولاً على الدوام بالتأمل فى الله.
حدث أن أراد الأنبا بموا أن يمتحن تلميذه يوحنا، فدفع إليه غصناً يابساً وأمره أن يغرسه ويسقيه كل يوم بجرّة ماء، وكان الماء بعيداً عنهما، فكان يمضى فى العشية ويجئ فى الغد، وبعد ثلاث سنين إخضرّ الغصن وأعطى ثمرة، فجاء بها إلى الشيخ، الذى جاء بها إلى الكنيسة وقال للإخوة: "خذوا كلوا من ثمرة الطاعة".

وقد قضى يوحنا فى خدمة معلمه أثناء مرضه إثنتى عشر سنة إحتمل خلالها الكثير من الأتعاب دون أن يسمع منه كلمة شكر، فلما حانت ساعة إنتقال الأب بموا جمع الإخوة وأمسك بيد تلميذه وبارك عليه قائلاً "هذا ملاك وليس إنسان"، وأوصاه أن يسكن فى المكان الذى غرس فيه الشجرة - المعروفة بإسمه، وقد صار هذا المكان فيما بعد ديراً بإسم الأنبا يحنس القصير، وظلت تلك الشجرة قائمة بدير الأنبا يحنس القصير ببرية شيهيت حتى وقت قريب وقيل أنها كانت موجودة إلى عام 1921م أو بعد ذلك.
بعد نياحة الأنبا بموا عاش الأنبا يحنس مع الأنبا بيشوى بضعة سنوات (قبل أن يعتزل الأنبا بيشوى فى مغارة على مقربة من دير الأنبا مقاريوس الكبير والذى صارت فيما بعد ديراً يحمل إسم الأنبا بيشوى)، وسيم قساً بيد البابا ثيئوفيلس حينما زار شيهيت.
كان القديس يوحنا القصير مترفقاً بالإخوة ولا سيما الخطاة منهم، وتبقى مساعدته للقديسة بائيسة على التوبة شهادة حية لإهتمام هذا الراهب المنشغل بالتأمل بالإلهيات بخلاص النفوس.

سأله الإخوة مرة  "يا أبانا هل يجب أن نقرأ المزامير كثيراً؟"، فأجابهم "إن الراهب لا تفيده القراءات والصلوات ما لم يكن متواضعاً محباً للفقراء والمساكين". وقيل أن يوحنا كان يحمل شيهيت كلها بتواضعه كما يحمل إنسان نقطة ماء على كفه، وبسبب تواضعه إجتذب قلوب الإخوة جميعاً لمحبته وطاعته، واختاره الآباء الشيوخ ليكون مرشداً للقديس أرسانيوس معلم أولاد الملوك.
تنيح القديس يحنس القصير بسلام عام 409م تقريباً عن عمر سبعين عاما.
ونقل جسده إلى جبل القلزم بجوار السويس، ثم أعاده الرهبان إلى دير أبى مقار، ثم إلى ديره حتى تخرّب فأعادوه مرة أخرى إلى دير أبى مقار ولا يزال محفوظاً مع أجساد الثلاث مقارات القديسين.
تحتفل الكنيسة بنياحته فى 20 بابة وبتذكار وصول جسده إلى شيهيت فى 29 مسرى.
أديرة تحمل إسمه: دير أنبا يحنس القصير ببرية شيهيت بوادى النطرون- دير أنبا يحنس القصير بجبل المقطم شرقى طرة-  دير أنبا يحنس القصير بجبل أنصنا بجوار ملوى.

المراجع:
بستان الرهبان- الطبعة الثانية
سيرة وأقوال يحنس القصير ببرية شيهيت- الراهب القمص سمعان السريانى 1981م

ربما كان يوحنا قصيراً فى قامته الجسديه ولكنه كان عظيماً فى إيمانه وفى محبته وفى إتضاعه وكبيراً فى قامته الروحيه..
هو إبن الأقصر بصعيد مصر وأب رهبان بشيهيت مصر.. هو إبن المصريين وأب للمصريين وفخر لكل المصريين..
فكيف يتجاهل ويتغافل ويتنكَّر ويتنصّل بعضاً من ساسة مصر لتاريخ مصر ولتراث مصر ؟! ولا سيما أنه تاريخ عَبِق ومشرِّف وتراث ثمين يجب أن يفخر به كل شعب مصر إذ يعطيه ثِقَلاً بين كل شعوب العالم !!

يعطينا هذا المصرى القصير فى القامة الجسدية درساً عظيماً فى الإيمان والرجاء والمحبة..
إذ لم يكن بالطبع هذا الراهب القديس من السذاجة بحيث يطيع معلمه "طاعة عمياء" بلا هدف !!
ولكنه بروح الإيمان أدرك أن "الغير مستطاع عند الناس مستطاع عند الله".. نحن نفلح الأرض ونحرثها ونزرع البذار ونسقيها، ولكن الذى ينمى هو الله الخالق والقادر على كل شئ فهو المانح للحياة.. بالإيمان نحيا.
 يعطينا درساً فى الرجاء بالرب.. لا يجب أن نخاف أو نفشل أو نيأس، فقط نجتهد ونعمل والثمر يأتينا من الرب.. بالرجاء نخلص.
 يعطينا درساً فى المحبة والترفق بالخطاة والرحمة بالمرضى والفقراء والمساكين ومساعدة التائهين والبائسين واليائسين، حتى يفرح الجميع معاً بنور الرب.. بالمحبة نفرح.

يعطينا هذا المصرى الأب الكبير فى القامة الروحية درسا عظيماً فى الطاعة والإتضاع..
الطاعة الهادفة لخلاص النفس.. إنكار الذات.. بذل الذات.. توبة حية وإعتراف بالخطأ وجهاد ضد الخطية.. حياة  الشركة والتعاون الإيجابى المثمر.. خضوع للترتيب وللنظام الجماعى العام برضى وطيب خاطر..
لا أنانية ولا فردية ولا تسلّط ولا تحكّم ولا تجبّر ولا كِبَرَ .. وأيضاً لا رياء ولا نفاق ولا كذب ولا خوف ولا صِغَر نفس ولا يأس.. إتزان نفسى وروحى هائل يضفى على الجسد أيضاً نشاطاً وصحة وحيوية.
نتعلم منك الكثير والكثير يا قديسنا الحبيب يوحنا القصير..
مبارك أنت من الرب..
بارك على أولادك وصلى من أجلنا أمام عرش النعمة الذى أنت واقف أمامه.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٧ صوت عدد التعليقات: ١٣ تعليق