CET 00:00:00 - 22/06/2009

مساحة رأي

بقلم: هشام منور
إذا كانت الأزمة المالية العالمية لا تزال تلقي بظلالها على اقتصاديات الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، فإن الأزمة الاقتصادية التي بدأت بأزمة الرهن العقاري وشملت بعد ذلك انهيار أسواق المال في جميع أنحاء العالم بنسبة تعدّت 40% من قيمة هذه الأسواق في غضون ثلاثة أشهر فقط، ثم انهيار البنوك الكبرى في الغرب، وتدهور حركة الائتمان الدولية وانهيار أسعار بعض العملات الكبرى لم تلبث أن وصلت إلى ما كانت الحكومات تتخوف منه، وهو سوق العمل لتقذف بآلاف الشباب إلى جيش جرار (موجود أصلاً) من العاطلين عن العمل، والذين قد يكون بعضهم (القليل) محظوظًا جدًا إن كانت حكومته تتبنى سياسة معينة إزاء استيعاب العاطلين عن العمل أو على الأقل تعويضهم ماديًا ريثما يجدون عملاً جديدًا.
والحال أن ارتفاع معدلات البطالة بشكل دراماتيكي وخطير بدأ من موطن نشوء الأزمة الاقتصادية العالمية (الولايات المتحدة الأمريكية) فشهدت سوق العمل الأمريكي تسريحًا جماعيًا لآلاف العمال (بل مئات الآلاف) شهريًا، وامتد بعد ذلك ليشمل فناء الحديقة الخلفية للولايات المتحدة، دول أمريكا اللاتينية، إذ أعلنت اللجنة الاقتصادية العليا لأميركا اللاتينية والكاريبي والمعروفة اختصارًا (إيكلاك) فقدان ثلاثة ملايين شخص آخرين لوظائفهم في المناطق القروية جراء تداعيات الأزمة المالية العالمية الراهنة.

وحذّرت اللجنة من أن الأزمة المالية الحالية سوف تضيف ما بين 10 و15 مليون شخص إلى قوائم الفقراء، التي تضم تحتوي حاليًا على 190 مليون شخص في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية. وأنه من المتوقع أن تعاني كل من (المكسيك) و(كولومبيا) و(تشيلي) بالذات أكثر من غيرها من آثار الأزمة المالية إذ ارتفعت معدلات البطالة في هذه البلدان الثلاثة بنسبة تتراوح بين 1 و2% في شهري يناير وفبراير من العام الجاري مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.
كما ستشهد (البيرو) أيضًا زيادة في عدد العاطلين على الرغم من أنها لا تزال أكثر اقتصاديات أمريكا اللاتينية نشاطًا إلا أن اللجنة بينت أن كلاً من (البرازيل والأورغواي وفنزويلا) لديها إطارات عمل وظيفية مستقرة، وأن الأخيرتين ربما تشهدان نموًا في الوظائف بحسب توقعات المنظمة المعنية (إيكلاك).
فبعد أعوام من ارتفاع معدل الوظائف كان من المفترض أن تتراجع معدلات البطالة في أمريكا اللاتينية لتصل إلى 16.1 مليون شخص في عام 2008، إلا أن هذا الرقم مرشح ليصل إلى 19.3 مليون شخص في عام 2009 إذا ارتفع معدل البطالة من 7.5% إلى 9%.
أما في العالم العربي وفي ظل نقص كبير في بيانات سوق العمل في معظم الدول العربية فإن آثار ومنعكسات الأزمة المالية العالمية قد وصلت أمواجها إلى المنطقة. فقد حذرت (لجنة الصناعة) في مجلس الشعب المصري من مخاطر عجز السياسات الحكومية الراهنة عن احتواء تأثيرات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية على الصناعات الصغيرة والمتوسطة في مصر، وطالبت اللجنة الحكومة بسياسة أكثر فاعلية لإنقاذ أكثر من 3 ملايين مشروع على مستوى البلاد مهددة بالتعثر بسبب الأزمة.

وأنَّ الأزمة المالية العالمية سوف تؤدي أيضًا إلى رفع أرقام البطالة إلى مستويات مخيفة في (مصر)، وذكرت اللجنة أن مستوى البطالة في العالم بسبب الأزمة المالية وصل إلى مستوى 210 ملايين عاطل عن العمل، متركزين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وحدها.
ودعا التقرير الحكومة إلى الإفادة من تجارب بعض الدول في مجال مواجهة استفحال أرقام العاطلين عن العمل مثل (البرازيل) التي رفعت الأجور بنسبة 12% لحوالي 45 مليون عامل، واتخاذ كوريا الجنوبية قرارًا برد أموال الضرائب للممولين، والتي بلغت نسبتها 1% من إجمالي الدخل القومي، وتحويل العمالة المؤقتة إلى دائمة أو الاستفادة من تجارب بلدان أخرى مثل الولايات المتحدة وألمانيا والهند واليابان، التي قامت بتخفيض نسب الضرائب ودعم برامج الرعاية الاجتماعية.

كما بيّنت اللجنة الإجراءات المطلوبة من الحكومة المصريَّة لمواجهة آثار ومنعكسات الأزمة المالية على قطاع الصناعة المصري والتي طالت قطاعات اقتصادية رئيسية مثل السياحة والدعاية والإعلان، وكذلك صناعة البرمجيات والاتصالات.
ومن بين تلك الإجراءات إنشاء بنك متخصص لتمويل المشروعات المتعثرة ودعم الأجور والرواتب ودفع الحصص التأمينية المقررة على العاملين مع تغيير قانون المناقصات الحالي لإعطاء ميزاتٍ تفضيليةٍ للشركات الكبرى المتعاقدة مع الشركات الصغيرة والمتوسطة وحماية المشروعات الصغيرة والمتوسطة عن طريق تطوير نظم لحمايتها من الإفلاس وحمايتها من الإغراق، خاصة من السلع الصينية ودعم الحركة التعاونية.
وختم التقرير بالتحذير من أنَّ قطاع الصناعات التحويلية في مصر تراجعت معدلات نموه من 7.3%  في الربع الأول من العام 2007- 2008م، إلى مستوى 4.1%  في الفترة المماثلة من العام المالي 2008-2009م، وهو ما بات يستدعي تدخلاً مباشرًا وعاجلاً من الحكومة المصرية لمواجهة تداعيات انهيار هذا القطاع المهم من الاقتصاد المصري.

ويبدو أن تركيز جميع التقارير والبيانات العالمية على الإجراءات الاقتصادية الواجب اتخاذها من قبل الحكومات للحيلولة دون انهيار أسواق العمل لديها، لا تزال تغفل من حساباتها أهمية مشاركة العاملين أنفسهم في دعم قطاعات العمل التي ينتمون إليها في ظل الحصار الخانق الذي بات تعاني منه معظم قطاعات العمل في المنطقة والعالم، فيمكن على الأقل أن يتضامن العاملون في أي منشأة اقتصادية مع أرباب العمل الذي يواجهون مخاطر الإغلاق والإفلاس، والمساهمة في منع ذلك، أو تأخيره على الأقل، عن طريق التبرع بجزء من دخلهم الشهري أو ضغط النفقات النثرية ومصاريف الإنتاج والتقليل من الهدر لمساعدة تلك الشركات والقطاعات على مقاومة آثار الأزمة التي طالت الجميع، على أن يتم إعادتها من قبل أرباب العمل لاحقًا بعد تجاوز الأزمة، وهو أدنى ما يمكن تقديمه من قبل العاملين الشباب للحفاظ على استمرارية العمل، ريثما تصل المساعدات الحكومية أو يتم تجاوز الأزمة برمتها.

كاتب وباحث فلسطيني

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٤ صوت عدد التعليقات: ٠ تعليق