بقلم: مجدي ملاك
لا أستطيع أن أفهم مبرر لكم الفتاوى التي تخرج حين يريد الساسة تمرير أمر ربما لا يمس الدين في شيء، ولكن يبدو أن الأمر يحتاج في كل مرة إلى فتوى دينية حتى يمكن مواجهة تيارات بعينها لديها مشاريع خاصة ورؤي تعارض تلك السياسات، ولكن يبدو لى في الأفق تساؤل هام وهو هل توريط الدين في السياسة هو الحل من أجل تمرير أمور تبدو بديهية وطبيعية بالنسبة لكل البشر باستثناء دول المنطقة؟، هل تحتاج مشاركة المرأة وتخصيص مقاعد لها في البرلمان لفتوى وفتاوى وحشد إعلامي وجماهيري ومقالات من هنا وهناك حتى نقنع الجميع بأهمية القرار؟، فنعم الأمر يحتاج إلى توعية ولكن هل يحتاج الأمر إلى فتوى دينية أيضًا؟، فلم تمر أيام على قرار تخصيص 64 مقعد للمرأة في البرلمان المصري حتى بدأنا نقرأ عن صدور فتاوي تشجع المرأة على التصويت والمشاركة في الانتخابات بإيجابية، وبالطبع ربما يسأل البعض وما وجه الاعتراض في هذا؟، والاعتراض الأساسي هنا هو في الحقيقة أننا نورط الدين في أمور سياسية، ليس الحل فيها هو رأي الدين بقدر ما يكمن الحل في تغيير ثقافة المجتمع.
والخوف من ذلك الأمر ينطلق من سبب رئيسي أن ترك الأمور المدنية والسياسية للفتاوى الدينية فيه خطر حقيقي على الدولة المدنية التي ننشدها، فالبعض يعتبر أن تشجيع بعض رجال الدين لأمور خاصة بمشاركة المرأة هو أمر إيجابي، ولكنى أعتقد في العكس، فانتظار رأي رجال الدين في أمور مدنية هو أمر غاية في الخطورة، فهل أصبحنا إلى هذا الحد عاجزين عن إقناع الشعب بأهمية مشاركة المرأة وبالتالي كان الحل هو إصدار فتوى؟، هل سيأتي بنا اليوم الذي نطلب فيه فتوى على كل شيء يخص أمورنا الحياتية والمدنية؟، وما الحاجة إلى فتوى هنا؟
توريط الدين في السياسة أمر له العديد من المساوئ على الأمد الطويل، يمكن أن نلخص تلك المساوئ في النقاط التالية:
أولاً: زيادة نفوذ رجال الدين في الحياة المدنية، وهو ما يعني تراجع الدولة المدنية لصالح الدولة الدينية التي تتغلغل بقوة داخل المجتمع المصري من خلال تيارات مختلفة بداية من رجال الدين في الدولة ونهاية بجماعة الإخوان المسلمين والجهاد وغيرها من الجماعات الأخرى التي تستخدم الدين لتورطه فيما هو سياسي.
ثانيًا: زيادة السلبية في المجتمع نتيجة اعتماد الشعب في مشاركته في الأمور السياسية على تلك الفتاوى التي تصدر، ومن ثم ينتظر الجميع إصدار فتوى حتى يشعر بإمكانية المشاركة الفعالة في الحياة السياسية ومن ثم إن لم تصدر تلك الفتاوى فلن يشارك الناس في الحياة السياسية بالشكل المطلوب والذي يعمل على تحقيق إرادة التغيير التي يُفترض أن القوى السياسية والإجتماعية تسعى إليها.
ثالثًا: إجهاض المشروع الثقافي القائم على زيادة وعي الأفراد من خلال التفكير الحر الذي يدفع الأفراد للتفكير في مصالحهم ليتخذوا قراراتهم بناء على المصالح، وليس بناء على الفتاوى الدينية، فالمفترض أن زيادة الوعي الثقافي يعمل ويصب بشكل تلقائي في مصلحة الدولة المدنية وتقليل دور الدولة الدينية أو على الأقل تقليل تأثير رجال الدين في الحياة السياسية.
رابعًا: إضعاف دور المجتمع المدني في الحياة السياسية، فالأحزاب السياسية والنقابات وأصحاب المصالح يفترض أن يكون لهم التأثير الأكبر في مجمل الحياة السياسية المصرية من خلال توجهات تلك الأحزاب ورؤيتها، ومن ثم فانتظار رأي رجال الدين تجاه بعض القضايا السياسية ربما يعمل على إضعاف ما تقوم به تلك الأحزاب تجاه خلق جيل جديد من الساسة والفاعلين السياسين في المجتمع من أجل التنشئة السياسية السليمة القائمة على المصلحة السياسية لا على الحرام والحلال.
خامسًا: تشويه صورة المجتمع على المستوى الدولي، فحين يعلم الجميع في الخارج ويقرأ أن مصر لا يسير فيها أمر دون فتوى دينية، فإن ذلك يساعد على تشويه صورة مصر في الخارج، حيث ينظر إلى مؤسساتها على أساس أنها مؤسسات صورية، وأن مصر بالأساس دولة دينية تعتمد في قراراتها على فتاوى دينية.
سادسًا: إضعاف النظام السياسي، فحين يعلم رجال الدين ويتأكد ان لهم الدور الأكبر في تمرير ما يريده النظام، فإن ذلك يعمل بشكل تلقائي على إضعاف النظام السياسي لصالح النظام الديني.
الأمر إذًا شديد التعقيد ونتائجه شديدة الخطورة على مستقبل الدولة المدنية التي نُطالب بها، ولذا فالأمر بلا شك يحتاج إلى وقفة فلا يكفي فقط أن نطالب بالدولة المدنية دون أن يصاحب ذلك تقليل لمظاهر الدولة الدينية، والأخطر في تلك العملية أن الدولة نفسها هي التي تقوم بذلك الأمر وتشجع عليه، فتوريط الديني فيما هو سياسي سيولد كارثة على المدى الطويل وستتمثل تلك الكارثة بلا شك في مجتمع الفتاوى الذي تسوده الفوضي والإتكالية. |