واقعة مدرس إمبابة الذى تم القبض عليه مؤخراً متهماً بمواقعة طالبات فى مدرسة ثانوية، وتصويرهن بهاتفه المحمول، وتسجيله مشاهد إباحية له ولهن على إسطوانة مدمجة تولى توزيعها على الجميع فى الحى الشعبى - حادثة مخزية ومخجلة تُثير الأسى على ما وصلت إليه الاخلاق أو ما انحدرت إليه، فى وسط مفترض أنه وسط تعليم وتربية وأخلاق وقيم وبنات هن أقرب عمرياً إلى الأطفال،
وإذا كان هذا المدرس مختلاً عقلياً أو نفسياً أو جسدياً فما الذى يمكن أن يدفع ثمانى عشرة طالبة إلى الارتمـاء فـى أحضانه وممارسة أفعال شائنة معه دون أن تتراجع واحدة أو ترفض أو تحكى لأهلها أو تبلغ عنه أو حتى تصرخ وتجرى؟ يقول المدرس المتهم : إنه كان يبدأ مع الواحدة منهم بالتحرش ولمس أجزاء حساسة ويتطور الأمر مع مرور الوقت لإقامة علاقة جنسية، هكذا وببساطة يتحدث هذا النذل، تحرش وتمادٍ ينتهى إلى علاقة جنسية فى مبنى ملحق بالمدرسة، وفى شقة خاصة به، وأيضاً فى منازلهن.
وعلى الرغم من أن تلك الواقعة ليست هى الأولى فى مدارس البنات التى يشهد بعضها تحرشاً وهتكاً للأعراض امتد حتى طال بنات فى عمر السبع سنوات، وقد حدث ذلك منذ أيام ونشرته الصحف، وأخرى من مشرفين وأفراد أمن فى مدارس أخرى، وتسلق أسوار من تلاميذ مدارس مجاورة لمدارس البنات ومطاردتهن فى الفناء، وقطع طرق ومعاكسات صفيقة ومطاردات وملاحقات وألفاظ بذيئة تحاصر طالبات المدارس فى أماكن أخرى معروفة ومحددة خاصة فى العاصمة،
إلا أن تلك الواقعة بالذات التى يبدو أنها كانت تتم بالتراضى بين المتهم وتلميذات يدركن ما يفعلن رغم صغر سنهن، إلا أنهن أكبر من الأطفال وأكثر وعياً وفهماً وتقديراً لما يمكن أن يصل بهن إليه هذا الطريق الشائك، إنما تشير فى النهاية إلى أخطاء من جهات عدة أراها.
يأتى على رأس القائمة هذا النظام التعليمى السائد الذى جعل التعليم خارج المدرسة وليس داخلها، تعليم يعلم التلاميذ فى بيوت المدرسين وفى مراكز الدروس الخصوصية وفى حجرات السفرة والصالون ومنازل الناس، يجمع الطلبة أو الطالبات فى المدرسة من أجل نسب الغياب والحضور والاتفاق على سعر الدروس الخصوصية ومجاملات امتحانات نصف وآخر السنة، لا مدرسة بالمعنى الحقيقى ولا تحصيل ولا تربية بل انهيار كامل وشامل للعمود الفقرى للمواطن وهو التعليم والفهم والإدراك والتكوين الأول الذى يبقى معه طوال الحياة ويميزه عن غيره، وكان هذا التعليم يميزنا عن غيرنا فى المنطقة كلها لكنه ذهب ولم يعد.
ثم يأتى هذا التهاون من جانب الإدارات التعليمية تجاه المختلين نفسياً وأخلاقياً من المشاركين فى العملية التعليمية، ومنهم على سبيل المثال وليس الحصر هذا المدرس المتهم فى إمبابة، كان يعمل فى مدرسة للبنات وبسبب سلوكه السيئ مع طالبات نقلته الإدارة إلى مدرسة للبنين، بمعنى أن الإدارة التعليمية كانت تعلم بسوء سلوكه وبتدهور أخلاقه وبدلاً من أن تمنعه من التدريس ومن الاختلاط بالتلاميذ، بنات وأولادا، نقلته معززاً مكرماً إلى مدرسة للبنين، فقط لا غير، لم تقدمه للتحقيق ولم تعاقبه ولم تطرده بل كرمته بالانتقال إلى مدرسة أخرى، وكّرم هو نفسه بالامتناع عن التعامل مع الذكور - كما يقول -
ومن هنا نصل إلى العامل الثالث وهو الأهالى، الآباء والأمهات والأسر التى لم يلفت نظرها قط أنها تتعامل مع مدرس يرفض التعامل مع الذكور، لا يعطى لهم دروساً خصوصية، يختار فقط البنات، شىء غريب ومريب كان يجب أن يلفت النظر ويثير الشك ويستدعى البحث عن السبب، لكن أحداً من أهالى البنات لم يكلف خاطره ويبحث ويتأكد حتى يطمئن قلبه على ابنته، كان يكفى أن يدفع لها ثمن الدرس الخصوصى الذى ربما استقطعه من قوته وقوت عائلته لكنه لم يستقطع ساعة من وقته كى يبحث عن ابنته أين تذهب ومع من ولماذا تبقى وحدها معه.
ونأتى إلى فضائيات الكليبات الفاضحة وقنوات المشاهد العارية وإلى المواقع الإباحية على شبكة الإنترنت التى تطارد الجميع وتلهب خيال الصغار الذين لم يتكون لدى بعضهم بعد وازع قوى دينى وتربوى وأخلاقى يحول بينهم وبين هذا العالم المدمر، ومع التكرار يستحب البعض التجربة وسيجد من يدفعه إليها كما حدث فى هذه الواقعة الأخيرة.
وفى النهاية فإن مدارس البيوت والشقق الخاصة والاختلاء بالبنات فى غيبة من الأهل ومن الأخلاق ومن الضمير لن تجلب إلا هذه المصائب.
نقلا عن المصري اليوم |