بقلم: عزت عزيز حبيب
كدت أكره حياتي بسبب التلوث الذي أصبح يفوق الوصف، فمنذ أولى لحظات خروجي من منزلي متجهًا لعملي أرى الذباب يتجمع على بقايا الطعام وزبالة جارتنا التي يئست أنا من كثرة إلحاحي عليها بعدم إلقاء هذه القاذورات، بل ويئست هي مني لأنها أحست أنني أكتم على أنفاسها!!
فقلت أقوم برش مادة كيماوية مطهرة أو قاتلة للحشرات الزاحفة أو الطائرة، وبالفعل اشتريت إحداها -رغم ارتفاع سعرها- وقمت برشها صباحًا عند خروجي وعلى الكميات الهائلة من الذباب، وفجأة سمعت صراخ من في منزل جارتي وعندها علمت أن زوجة ابنها -المريضة- تضايقت من رائحة هذا المبيد عذرتها في ذلك ووعدتها بأن لا أكرر ما وقعت فيه من خطأ!! ولكن بشرط أن لا يتكرر ما تفعله حماتها ويوميًا.. لكن بقي الحال علي ما هو عليه!!
وصدقوني أقوم أنا وأولادي بوضع أيادينا على أنوفنا ونغلق أفواهنا عند الخروج من منزلنا بسبب الكم الهائل من الذباب وبالأخص طبعًا في فصل الصيف!!
المرحلة الثانية في حكايتي مع التلوث تأتي عندما أقطع طريقي لعملي، وبعد حوالي مائة وخمسون متر تقريبًا من منزلي يكون مروري الجبري علي أحد المنازل والتي تصدر منه رائحة عفنة تفوق الوصف، وهذا طبيعي لأنها تصدر من منزل يستخدم كسلخانة خاصة!! أي والله سلخانة خاصة!!؟ ولا أترك لكم حرية تصور الرائحة الصادرة من هذا المنزل حتي لا تدعو على حضرتنا!!؟ وتستمر هذه الرائحة حتي يأذن الله لي بالإبتعاد عن هذا المنزل وبعشرين متر تقريبًا..
أما المرحلة الثالثة والقبل الأخيرة فتأتي بمروري بجوار مدرسة إبتدائية مشتركة -نعم مدرسة بيعلموا فيها النظافة للأطفال- وما أدراكم بما يوجد بجوار سور المدرسة هذه من كميات هائلة من الزبالة، بل رأيت بعيني -إللي راح يأكلهم الدود في يوم من الأيام- سيارة زبالة تلقي بمحتوياتها بجوار هذا السور، فلم أستطع تحمل ما رأيت وسألت العامل البسيط المغلوب علي أمره -على فكرة.. يتقاضى ثمانون جنيهًا شهرياً- سألته انت بترفع زبالة من المكان ولا بتفرغ من العربية؟
فقال لي يا أستاذ إحنا بنفرغ العربية لأن دي منطقة تجمع!!
فقلت له بارك الله فيكم!! انت مش عارف إن دي مدرسة وفيها أطفال وكمان فيه محلات تجارية تحيط بهذا كمان؟
قال وانا مالي دي أوامر عليا وأنا مليش دعوة!!
ولا تزال الأكوام مكانها وتتغير يوميًا!!
أما المرحلة الأخيرة والحزينة من رحلتي اليومية هي بالقرب من مكان عملي، حيث تخرج علينا وفي تمام الساعة السادسة والنصف من مساء كل يوم سيارة تابعة لوزارة الصحة -المصرية طبعًا- وهي سيارة ربع نقل لونها أحمر وعلى ظهرها موتور له فوهة تدفع للخلف كميات هائلة من الغازات الناتجة عن أحتراق مواد كيماوية، ويمسك أحد العمال بالموتور الموضوع على ظهر السيارة في الوقت الذي يضع هذا العامل كمامة ضخمة على أنفه، وطبعًا الأطفال الصغار يجرون فرحين خلف السيارة وكل هذا بحجة قتل الحشرات الطائرة، ويوميًا -أي والله يوميًا- لا تتصوروا ماذا يفعل الناس عند مرور السيارة المدمرة هذه، صدقوني الجميع يكمموا أنوفهم لمدة طويلة ويا ويلهم وكتمة نفسهم لو السيارة هذه أبطأت في السير قليلاً! فتجد من يسقط من الناس على الأرض وبالأخص من هو مريض بأي مرض صدري أو أولئك الذين يعانون من مرض حساسية الصدر، وقمت بتصوير كل هذا بالفيديو ومرسل للموقع (الأقباط متحدون) نسخة من هذا الفيديو وشكوت لكل الجهات المعنية من أصغر موظف بشئون البيئة ببلدتي حتى أنني أرسلت فيديو لمنظمة الصحة العالمية يصور هذه الجريمة التي تتكرر يوميًا في بلدتي، ولكن غالبًا الجميع مخدرون وتائهون ومغيبون أو حائرون ماذا يفعلون..
ولا تزال الجريمة تتكرر يوميًا.. والكلام ليكم طبعًا، ولأنني شوية موسوس ومش بأثق في أي مسئول حكومي قمت سألت ليه هما بيرشوا كل يوم المادة المدمرة دي؟ وهل فعلاً خايفين على صحة الناس من الحشرات الطائرة؟ طيب أنا مش باشوف حشرات خالص!! يمكن هما عينهم أنصح من عيني؟؟
المهم.. عرفت وعن طريق واحد أخبث مني شوية إن البهوات إللي موكل لهم رش هذه المادة بيستفيدوا!!
بيستفيدوا كيف يعني؟ هل كل واحد بياخد زجاجة آخر اليوم يبلبعها هو والأسرة بتاعته؟؟
فقال لا طبعًا والكلام ليكم برضه راجيًا أن لا يصل كلامي هذا لأي مسئول!! عارفين السر إيه؟؟
- يا عمي قول وريحنا قطعت مصارينا معاك.
- طبعًا الخلطة بتاعة المواد اللي بيرشوها فيها مواد كيماوية غالية فالبهوات بيخنصروا منها.
- يعني بالحداقه كده بيلهفوها، يعني بالعربي كده بياخدوا نصفها ويكملوا الباقي بالكيروسين!!؟؟ وطبعًا بيبيعوها لبائعي المبيدات لكن الله أعلم هل بيوردوا ثمنها للخزينة ولا لأ.. الله أعلم!!
هذه هي حكايتي مع التلوث من ساعة خروجي من منزلي حتى عودتي مساءًا..
فهل بعد ده كله أفرح أنا لما حد يقول لي روح يا بني ربنا يطول في عمرك؟؟
عمر مين إللي ها يطول والناس لا تعرف شيئًا عن النظافة؟
عمر مين اللي يطول والمعلم إياه شغال دبيح في بيته وبيوكل الناس اللحم الوقيع؟؟
عمر مين اللي يطول ووزارة الصحة بتدمرنا بمواد كيماوية بحجة قتل الناموس والحشرات الغير مرئية بالعين المجردة؟
عمر مين اللي ها يطول والحكومة كاتمه علي نفسنا ليل نهار؟
كفايه بقي علشان أنا مروح وأنتم كمان روحوا ربنا يطول في عمركم ويكفينا ويكفيكم شر الحكومة ووزارة الصحة على وجه الخصوص. |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|