CET 00:00:00 - 16/06/2009

مساحة رأي

باحث: صبري الباجا
 تتصاعد أصوات مطالبة  بـ ( منح ) الأقباط المسيحيين  كوته ( حصة في  مقاعد مجلسي الشعب  والشوري ) إسـوة بما تم منحه من مقاعد للـ ( المرأة ) ، وعلي الرغم من أن اللعبة السياسية من وراء تخصيص مقاعد للمرأة في البرلمان  ـــ وليس مقاعد في المترو ـــ  معروفة ومرتبطة بظرف سياسى خاص لا يخفي عن أي راصد لمستقبل الحياة السياسية في مصر ، يصدر القرار فيه بنفس طريقة زيادة  دعم بعض محدودي الدخل والمهمشين ببعض مواد البقالة علي البطاقة التموينية  ، أو بأسلوب قريب من أسلوب تحديد العلاوة الاجتماعية للموظفين وليس بهدف تنشيط الحياة السياسية للمرأة كما يزعق  أركان النظام والحزب .

 الهدف من  الإجراء  تحديدا  هـو زيادة  أعداد مقاعـد الحزب الوطني  حيث ستكون جميع النساء من أعضاء المجلس القومي للمرأة، وهو ما يحقق إرضاء لرغبات شخصية من ناحية و تحسبا  لمواجهة ضغوط خارجية خاصة بنزاهة وحيدة الانتخابات القادمة قد تؤدي الي تقلص مقاعـد الحزب الوطني في البرلمان و الذي يسعي النظام لأن تكون مهمته الأساسية تسمية ( رئيس مصر ) القادم  من ناحية آخري  ، وبعدها .. لا حاجة للبرلمان بأكمـله فضلا عـن المرأة ومقاعدها ! .

 و( للأسف  )  تتزايد الاقتراحات  المطالبة بتخصيص ( كوته ) مماثلة للمسيحيين ؟!  والأكثر أسفا كون هذه المطالب صادرة عن أقباط مسلمين وأقباط مسيحيين ؟؟!  ومن شخصيات  لها تواجدها الإعلامي في الشارع السياسي المصري  .!!

وبصرف النظر عن مدي سلامة ذلك الإجراء من الناحية القانونية والدستورية والتي فند عدم جوازها  فـقـهـاء القانون والدستور ، فإن الجانب المعني به في هذه الملاحظات من وجهة نظر  الباحث هو خطورة الانسياق  وراء مطالب تمثيل الأخوة المسيحيين  بمنحهم  ( كوته ) مماثلة للمرأة وبالقطع  هدف الباحث ليس الوقوف ضد مطالب مسيحية  ــ أحقيتهم ليس محل نقاش  ــ   وإنما بهدف رفض إعتبارهم ومعاملتهم علي أنهم  أقلية  تراضي ببعض المقاعد البرلمانية ، بينما الواجب تهيئة المناخ العام لمشاركتهم في الحياة السياسية من باب الموطنة الأوسع والأكثر عقلانية واحترام .

ويتطلع الباحث ـ من خلال هذا المنبر ـــ  الي مشاركة مجتمعية واسعة لإثراء المناقشة حـول الأثر المترتب علي المستقبل السياسي والاجتماعي لمصر من جراء إقرار سياســة ( مقاعد المنحــة  ) كبديل عن انتخابات ديموقراطية  نزيهة يتمتع فيها جميع المواطنين بفرص متساوية دون تمييز بسب الجنس او العقيد أو العرق   .

 طرح الأمر علي النحو السابق  يعني :   

 ـــ  استبدال الانتخابات الطبيعية بمقاعد ( منحة )   يخرج بالأخوة المسيحيين من كونهم شركاء في الوطن الي أقلية يصدر قرار بمنحها  بعض المقاعد في البرلمان ، ولا أظن أن مثل ذلك الإجراء هو ما يتطلعون اليه .

ـــ مثل هذا الإجراء  يعمق فكرة التمييز في المجتمع في الوقت الذي يتزايد فيه الاهتمام من مواطنين ومنظمات محلية ودولية لمحاربة فكرة  التمييز

ـــ  يهدم  تاريخ طويل من العلاقة العميقة بين الأقباط المسلمين والأقباط المسيحيين والتي لم تعرف في تاريخها  التفرقة خاصة فيما يتعلق بالشأن السياسي، ولعل من دارسي التاريخ من يتفضل باستعراض مدي التلاحم بين جناحي الأمة في الانتخابات البرلمانية  أو المشاركة السياسية بشكل عام وعلـي الأخص أثنـاء       (  ثورة   19 )  وما بعدها و علي غرار ما كتبه  الباحث  المتميزالأستاذ / سمير مرقص في بحثه الجاد :

( الأقباط والشريعة بين دستور الحركة الوطنية (1923) ودستور ولي الأمر (1971)

 وتعليقه علي هذه الفترة بالقول:

  ( فلقد عكست ثورة 1919 رغبة عامة في "تكوين الجماعة السياسية تكوينا مصريا، ومزج الأهالي في كيان سياسي واحد وإيجاد الصيغة الملائمة لتأكيد قوة التماسك القائمة بين الأهلين وعليه لم يكن غريبا أن يعتبر الباحثون ثورة 1919 "ثورة نموذج"، من حيث قدرتها علي استيعاب القوي الاجتماعية المختلفة وطرحها شعارات التف حولها الناس مثلت تعبيرا حيا لحاجة طالما اشتاق لبلوغها المصريون ) .

ـــ  يعمل هذا الإجراء  علي تعميق الفجوة بين قطبي الأمة، ويزيد من الشقاق السياسي وتحت ظروف الاحتقان السياسي والاجتماعي  السائد حاليا ستظهر ممارسات سلبية داخل البرلمان ذاته عند مناقشة القضايا المتعلقة بالأحوال الشخصية علي وجه الخصوص، وما زال ماثلا في الأذهان ذلك التصرف المشين الذي قام به عضو مجلس الشعب ( حزب وطني / فلاح ) تجاه الأستاذة ابتسام حبيب عضو مجلس الشعب أثناء إجتماع إحدي اللجان لمناقشة موضوع متعلق بالزواج العرفي في مصر والأحوال الشخصية ، عندما هب رافضا مشاركتها بالرأي لكونها مسيحية الديانة (!!!!!!!!)؟؟ ومن آسف لم يحال الي لجنة القيم  التي تنشط لمواجهة أخطاء أقل من ذلك بكثير !   ويتحسر المواطن منا علي فترة ( العشرينات من القرن الماضي عندما تبلور  فيها الإجماع حول  مواد الدستور الجديد  ( دستور 23 ) من قبل المشاركين في لجنة الدستور والتي مثل غير المسلمين  فيها قرابة الـ 20% من تشكيلها. كما أن المسيحيين لم يخرجوا عن إجماع الجماعة الوطنية .

ـ إذا ماكان التبرير المطروح وراء إقرار  تخصيص مقاعد للمرأة ، هو عدم نضج المجتمع سياسيا !! من ناحية ، وضعف النشاط السياسي للمرأة من ناحية أخري ( كما يردد السادة أعضاء الحزب الوطني )فإن مثل هذا التخصيص يزيد من من تعميق سلبية المجتمع تجاه المرأة ، بجانب زيادة السلبية والاتكالية لدي المرأة معتمدة علي الكوته أو ( الدعم المقرر ) لها ، وهو أمر لا يجب أن ينطلي علي الإخوة المسيحيين أو يوافقوا عليه  . 

سؤالي : هل من الأخوة الأقباط المسيحيين في مصر من ينتظر  أو يقبل أن يحصل علي مثل هذا الدعم ؟ أم الأفضل لهم خوض المعركة الانتخابية بصفتهم مواطنين ؟! وأيهم أقوي وأكرم ؟  دخولهم البرلمان  بقـــــوة  الاختيار الجماهيري الحر أم بنظام  ( منحة ولي الأمر ) ؟! علي حد تعبير الباحث الأستاذ/ سمير مرقص ؟!

  أعرف مسبقا الاعتراضات الموضوعية والوجيهة والتي ستصدر من الأخوة المسيحيين والمتعلقة :

ـ بالمناخ السياسي والاجتماعي وزيادة التطرف الديني لدي البعض والذي سينعكس سلبا علي أصوات الناخبين، وما قد يحدث من تلاسن  واحتكاكات  اثناء المعركة الانتخابية .. كل ذلك وارد ولكن لا يجب أن يكون البديل هو نظام الكوته التي يمنحها النظام ، ويستجديها البعض متنازلا عن أهليته واحقيته

البديل لنظام (  الكوته / المنحـة )  هو مشاركة فعالة تتمثل في  ( تقدم  أعداد من المسيحيين للانتخابات القادمة ) وويجب ألا يقع الجهد المطلوب لتحقيق ذلك  علي عاتق الأخوة المسيحيين وحدهم ، ولكن علي الأحزاب السياسية الواعية أن تتحمل مسؤليتها التاريخية بترشيح شخصيات مسيحية علي قوائمها، وتتولي حشد الدعم لها من الناخبين  المسلمين أولا، وهو محك سيثبت مدي جدارة  ووعي هذه الأحزاب من عدمه، وما زلت أراهن علي عدم تطرف أغلبية الأخوة المسلمين، وفي هذه التجربة المقترحة  ما ينفي عنهم وعن الدين الاسلامي الكثير مما شابه بسبب بعض المماراسات المتعصبة خاصة في الفترة الأخيرة . .

دعوني أيضا أن  أتوجهه الي جماعة الأخوان المسلمين ودعوتهـا بأن تضع ضمن قوامها الانتخابية  أسماء لشخصيات مسيحية في الانتخابات القادمة ، وهو الأمر الذي يمكن  من دحض فكرة التنافر بين الأخوان المسلمين والأخوة المسيحيين ، بجانب ما سيحققه ذلك من إزالة حالة الاحتقان وتقديم نموذج حقيقي لمعني المواطنة ، وتطبيق عملي لعبارة ( الدين لله والوطن للجميع ) ووضع اللبنات الأولي للدولة المدنية الحديثة التي يتطلع اليهاالجميع، ليس بخاف عن الجميع الأثار الاجتماعية والسياسية الي يمكن أن تترتب علي اتباع مثل هذه الخطوات

مرة آخري ياسـادة  

 الموطنـــة هي الحـــــــــل

 ولنعمل جميعا وبكل الوسائل علي إقامة دولة مدنية حديثة ديموقراطية قائمة علي أساس المواطنه ، يتساوي فيها المواطنون بصرف النظرعن الجنس او العقيدة أو اللون أو العرق أو المذهب السياسي، ويتم فيها تداول السلطة بشكل سلمي وعن طريق صناديق الانتخابات النزيهة والمكفولة بضمانات محلية ودولية .

 وبدلا من يأخذنا كل مغامر أو طامع في السلطة الي أجندته الخاصة ، مستثمرا في ذلك أساليب الاستمالة والتحريض والفتنة أو المنح (  المؤقته  ) التي ستدمر الوطن ، وتفرق بين أبنائه ،  فلنتوحـد حول أجندة  وطنية ( أجنـدة حــدود  دنيـا ) قائمة علي أساس الدولة المدنية الحديثة والمواطنة، وليأتي من يشاء علي هذه الأجندة ..  فهل من مستجيب ؟! أرجــــو ذلك .

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١ صوت عدد التعليقات: ٢ تعليق