بقلم: عزيز الحاج
في يوم المرأة العالمي تتزاحم الصور والوقائع والشواهد اليومية الصارخة والمثيرة عن مدى العنف والظلم اللاحقين بالمرأة، على مدى القرون ولحد يومنا.
لقد سبق لنا التعريف بمجلد وثائقي فرنسي صدر قبل سنوات تحت عنوان "الكتاب الأسود عن المرأة"، حيث الشهادات عن أوضاع المرأة التي لا تطاق في مختلف البلدان والقارات مع اختلافات في الدرجات، وحيث نجد أبشع أنواع الظلم والتمييز في المجتمعات العربية والإسلامية، وبالأخص تلك الواقعة تحت كابوس الأنظمة الشمولية الإسلامية، بل أيضا أينما تطغي أنواع التعصب الديني الإسلامي في الشارع، أي في دول لا يحكمها الإسلام السياسي ولكن حكوماتها ترضخ لضغوط الإسلاميين في ميدان الأحوال الشخصية.
فلننظر إلى مأساة دارفور التي هي اليوم من محاور الاهتمام الدولي. إن عصابات الجنجويد البشيرية عملت وتعمل كل أنواع الجرائم بأهل دارفور، وخصوصا النساء، حيث اغتصابهن بالآلاف. لننظر كيف يقطع البشير اليوم الطعام والدواء عن مليوني شخص، غالبتهم أطفال ونساء، فلا يهتز الضمير العربي والإسلامي، إلا ما ندر، فتهب الجامعة والمؤتمر الإسلامي وما يدعى بالمؤتمر القومي لتقف مع الحاكم السوداني، متضامنة معه دون أية مبالاة إنسانيا بأكثر من ربع مليون قتيل، وعشرات آلاف الجرحى والنساء المغتصبات والمهجرين والفارين من الجحيم. أما رئيس مجلس الشورى الإيراني، علي لاريجاني، فلا يتردد عن شد الرحال للخرطوم ليعلن تضامنه، وليدين قرار المحكمة الجزائية الدولية باعتباره ضد الإسلام والمسلمين!! يظهر أن إيران تتوهم أن أحدا لا يعرف عما يدور داخل إيران نفسها من جرائم الباسيديج، ومطاردة النساء بوجه خاص، وتعريضهن للضرب والسجن، وحتى للإعدام أحيانا؛ وكل ذلك تطبيقا لذلك النوع من الدين الذي يدين به أمثال البشير وخامنئي والقاعدة والقرضاوي ومقتدى الصدر!
في العراق، يمر العام الدولي على المرأة العراقية وهي محرومة من حقوق وحرية كانت تتمتع بها حتى في أربعينات القرن الماضي.
لقد حصلت المرأة العراقية سابقا على كثير من الحقوق بفضل نضالهن ونضال الأحزاب والقوى الوطنية التقدمية والعلمانية، وتتوج ذلك بقانون الأحوال الشخصية رقم ١٨٨ لعام ١٩٥٩ في عهد الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم، الذي حقق للمرأة ولأول مرة الكثير من الحقوق، ولكن المرأة تعرضت لسلسلة من المحن والآلام والظلم منذ نهاية السبعينات بسبب حملات القمع الوحشية، وثم حروب صدام المتتالية. المرأة هي التي تحملت النصيب الأكبر بسبب تلك السياسات والمغامرات، بفقدان الزوج أو الولد، والابن، وترمل مئات الآلاف منهن، وما حدث بعد حرب الكويت مما سمي ب"الحملة الإيمانية" وتعرض المرأة لأنواع جديدة من الاضطهاد، كانت من أكثرها وحشية جرائم فدائيي صدام بقطع رؤوس نساء واتهامهن زورا بالفاحشة، ثم تعليق رؤوسهن على عتبات دورهن.
والآن، كم من خطوات اتخذت بعد صدام لتصحيح تلك الأوضاع، والارتفاع بالمرأة ورفع المظالم عنها؟
إن ما تحقق هو القليل القليل، فقد فرضت المليشيات والقاعدة على المرأة، ومنذ اليوم الأول من التحرير، قيودا جديدة، ورغم أن الدستور يخصص للنائبات نسبة لا بأس به من المقاعد، ورغم تشكيل وزارة لشؤون المرأة، فإن الدستور استباح قانون الأحوال الشخصية السابق، وفرض أحكام الشريعة، كما دخلت البرلمان نسبة غير قليلة من نائبات يؤمن أن الرجل قوام على المرأة، وأن الحجاب فرض ديني حتى على الصغيرات؛ وبالمناسبة فقد جاء وزير التربية في العام الماضي لباريس ففرض الحجاب على التلميذات الصغيرات في المدرسة العراقية كأمر وزاري.
لقد لخصت السيدة الدملوجي أمس تلخيصا دقيقا لأحوال المرأة العراقية، وبينت أن وزارة شؤون المرأة لا تجد العون من الحكومة، لا ماليا ولا تشريعيا، وأن ثمة أوامر إدارية تتخذ لتزيد من سوء الوضع. أما الأرامل، فقد كتبنا مؤخرا عن مأساتهن المركبة والمضاعفة.
إن على السيد المالكي، كرئيس للوزراء، مسئولية خاصة لتعديل أوضاع المرأة رغم ضغوط الأحزاب الإسلامية التي تشكل الحكومة ومنها حزبه، وإن القوى الديمقراطية والوطنية المتفتحة لها مسؤوليتها هي الأخرى في الوقوف الحازم مع نضال الناشطات وتنظيماتهن.
إننا في هذه المناسبة نحيي المرأة العراقية، ونتمنى أن ترتفع عنها سيوف التمييز الديني والذكوري، وأن تمارس حقوقها بحرية، على الأقل كما كانت الأوضاع في الخمسينات، ولاسيما في عهد ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨.
|
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|