بقلم: هاني دانيال
لا شك في أن خطاب الرئيس الأمريكي من القاهرة يحتاج لدراسة عميقة للتعرف على مدلول الخطاب وما يمكن القيام به لتعديل الظروف الراهنة وتغيير الخريطة السياسية بمنطقة الشرق الأوسط، خاصة وأن أوباما انتهج لغة هادئة تختلف كثيرًا عن سلفه بوش، مؤكدًا على أن الديمقراطية والمساواة من القيم العليا وأن الولايات المتحدة لن تتدخل في شئون الآخرين ولكنها لن تعطي ظهرها للأنظمة المستبدة والتي تصل للحُكم دون إرادة شعبها.
وبدلاً من دراسة الخطاب والبدء في تطبيقه عمليًا سارعت وزارة الخارجية بالاعتراض على ما ورد بخطاب أوباما من اعتبار الأقباط كأقلية عددية في مصر بل زاد المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية بأن الأقباط في مصر يختلفون عن الموارنة في لبنان!
وحسب نص الخطاب قال أوباما" بعض المسلمين يرفضون إيمان الآخر وعقيدته رغم أن تنوع الديانات أمر مهم ويجب قبوله سواء للموارنة في لبنان أو الأقباط في مصر والاختلاف بين الدين الواحد مثل السُنّة والشيعة يمكن أن تقود لأعمال خطيرة، ولكن علينا أن نؤمن بحرية الاعتقاد وفي أمريكا هناك قوانين للتبرع الخيري منعت المسلمين من ممارسة شعائرهم مثل فريضة الزكاة وسنحاول التعامل مع هذا الأمر.
وفي أوربا هناك تقييد لحرية الدين والشعائر وهذا أمر غير مقبول وعلينا أن نستفيد من الإيمان والدين في التقريب بيننا، ونرحب بمبادرة الحوار الديني ودور تركيا الريادي في حوار الحضارات لأن هذا يكد الجسور بين الشعوب سواء كان هذا في جهود مكافحة الملاريا في أفريقيا أو غيرها".
وهو ما يتضح جليًا بأن الأقباط في مصر لم يتحدث عنهم باعتبارهم أقلية وإنما تحدث عن التنوع والثراء الديني وأهمية احترام حرية الآخر وعقيدته، وإن كان طرح الأقباط في مصر والموارنة في لبنان فهذا بسبب التراجع المسيحي في منطقة الشرق الأوسط وأن هناك دراسات عديدة أكدت بشكل كبير أن تعداد المسيحيين في الشرق الأوسط يتناقص.
وأرجع الباحثون ذلك إلى التوترات الطائفية والعرقية والقضايا السياسية ومن ثم هدف أوباما إلى لفت النظر إلى الحفاظ على حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية لغير المسلمين بدلاً من تناقص أعداد المسيحيين في المنطقة، مستشهدًا بأكبر تجمعات للأقباط في مصر ولبنان.
ويبدو أن الحكومة المصرية تسير وفقًا لمبداأ "اللي على راسه بطحة" فذهبت سريعًا لترفض ما قاله أوباما من منظور أن الأقباط في مصر ليسوا أقلية وإنما يتمتعون بكافة حقوق المواطنة، رغم أن هناك شواهد عديدة تؤكد وجود معوقات أمام بناء وترميم الكنائس وكذلك معوقات أمام تغيير الدين.
بل زادت الحكومة خطئها بالتأكيد على أن أقباط مصر ليسوا أقلية مثل الموارنة رغم أن الموارنة ليسوا أقلية من الأساس بل ما ينطبق عليهم في لبنان ينطبق على الأقباط، فالاثنان مواطنين يتمتعون بكافة حقوق المواطنة على الورق بينما الواقع المُعاش مختلف عن ذلك تمامًا!
أعتقد أنه من الضروري أن ترد الحكومة على مثل هذه الخطابات بتعديل للقوانين والتأكيد على حقوق المواطنة فعليًا بدلاً من أسلوب الاعتراض والرفض والشجب دون أسباب مقنعة! |