بقلم: هيام فاروق
كعادتي أذهب يوم الجمعة لزيارة والدتي.. الأحداث متكررة وملابسات اليوم غالبًا متكررة، ولكن ربما لأني بدأت أُخرج أفكاري على الورق فقد تستفزني بعض المواقف التي أريد أن أطرحها على حضراتكم لكي تستفزكم أيضًا.
أمام منزل والدتي يوجد جامع -كالعادة أمام كل منزل- ويشد انتباهي دائمًا قبل البدء في صلاة الجمعة أن إمام الجامع يبدأ في النداء إلى أصحاب السيارات بإزالة سياراتهم من الساحة المواجهة للجامع ويكرر نداءه عدة مرات متتالية ثم يتحول النداء إلى توسل، ثم إلى تذلل، ثم إلى بكاء وعويل.. إلى أن يتكرم ويتعطف المفتش كرومبو وشريكه سحس في حل لُغز أصحاب هذه السيارات إلى أن تخلو الساحة تمامًا من السيارات ويبدأ المصلون في فرش الحصائر وضبط الميكروفونات المتخصصة بالطرش العام في كل الاتجاهات.
لكم أن تتخيلوا أن هذه الأحداث تحدث كل جمعة بنفس الرتابة!!
تأملت!! ألهذا الحد وصلنا نحن المصريين إلى هذا الكم من البلادة والرتابة حتى في سائر أمور حياتنا؟ ألم يحدث هذا يا أحبائي في أمور عدة؟ تأملوا مثلاً مَن يسير في طريق من الطرق السريعة.. ألم تجدوا لافتات تقول أنك مُراقب (بالرادار)؟ (هدئ السرعة منطقة سكنية) (النقل يلتزم الجانب الأيمن) (سرعتك لا تزيد عن ؟؟؟) ومع ذلك ترى الحوادث تملأ الطرق السريعة نتيجة السرعة المذهلة، وترى عطلة المرور في بعض أجزاء الطريق نتيجة وقوف أصحاب السيارات المتجاوزة للسرعة لسحب رخصهم، وترى العديد من أساليب العِند للمواطن المصري الذي في سبيل هذا يدفع ثمن عِنده مقدمًا أو مؤخرًا.. المهم أن يشبع غِله ودوافعه العدوانية تجاه وطنه.
أيضًا ترى إعلانًا كبيرًا -في منطقة ما- يقول (ممنوع قطعيًا لصق الإعلانات) أليس هذا إعلان يا سادة؟
ترى لافتة في وسائل المواصلات تقول (ممنوع التدخين) وكأنهم يذكرون مَن عزف عن التدخين بالتدخين؟! وترى نفسك رغم وجود وتكرار هذه اللافتة وكأنك تصعد إلى مَدخَنة.. سبحان الله كأنه مكان لتعليمك وإتقانك للتدخين.
تسير بسيارتك في شوارع المحروسة وتجد لافتة (ممنوع الدخول) فتدخل، ولافتة أخرى تقول (ممنوع الوقوف قطعيًا) فتقف، ولافتة أخرى تقول (جراج خاص ممنوع الوقوف) فلا يحلو لك إلا هذا المكان وكأنه يقول لك أنظر هذا المكان الخالي.. لا تتركه أبدًا.
ترى أمامك مثلاً أوتوبيس مدارس مكتوب عليه من الخلف (وقوف متكرر) وإذ بك مع كل وقفة تثير آلة التنبيه المزعجة بسيارتك وتتعمد في السير وراءه وكأنك تتعمد مضايقة السائق ومَن حولك.
هناك أيضًا لافتات تشير إلى سلة مهملات موجودة على مقربة منك وبجانبها عبارة (حافظ على نظافة مدينتك) وكأنهم يذكروك بما تدفعه من فواتير النظافة وأجر عامل القمامة فإذ بك تريد أن تدفعهم أنت الثمن غالي بإلقائك لأي مهملات في وسط الشارع وعلى مرأىَ من الجميع وكأنك قدوة.. فيراك طفل مثلاً يسير في الشارع و كعادة الطفل المصري كالببغان يقلدك تمامًا.. ومن هنا أنشأنا جيل مبارك بالفعل من شعب مصري عريق.
إلى متى يا أحبائي سنظل هكذا دون أدنى علاقة بنا مع النظام والنظافة والضبط والربط؟
إلى متى ستظل حالة الفوضى تعم في مجتمعنا بحجة خفة دم المصريين وعشوائيتهم في بروتوكول حياتهم؟
أتمنى أن نكون قد تذوقنا طعم جميل لمظاهر النظافة والديكور الذي عم بعض شوارعنا في مناسبة زيارة الرئيس أوباما.. ومَن يعلم ربما تنتشر عدوى النظافة هذه على كل أحيائنا.
مع تحياتي للجميع |