بقلم: منير بشاي
تم الحدث الكبير الذي ترقبه العالم عامةً والعالم الإسلامي على وجه الخصوص، ألقى الرئيس الأمريكي أوباما خطابه الشهير للعالم الإسلامي الذي وعد به أثناء حملته الانتخابية. أستعرض عضلاته الخطابية التي لا يباريه فيها أحد وتكلم كثيرًا على مدى ما يقرب من ساعة يستعرض التاريخ ويحلل المشاكل ويقترح الحلول، ولكن هل يصنع هذا الخطاب المعجزة ويحقق الهدف في إيجاد نوع من التصالح والعيش المشترك بين المتخاصمين؟ هذه أمور يصعب التكهن بها الآن وإن كنّا جميعًا نأمل أن تحدث.
ولكن إن كان هناك إنسان في مكان سلطة يحمل الصلاحيات التي تؤهله للحصول على أكبر فرصة للنجاح في هذه المهمة الصعبة فهو باراك حسين أوباما، فهو ربما الرئيس الأمريكي الوحيد في تاريخ أمريكا الذي يمكن للعالم الإسلامي أن يقبله ويستمع له، فأصوله الإفريقية والإسلامية ونشأته في العالم الإسلامي، كل هذه الأمور تعطيه جاذبية خاصة عند المسلمين وتؤهله إلى أن يقوم بعملية التقريب بين جميع الأطراف وعسى أن يؤدي هذا إلى نتائج ملموسة ويتخطىَ مرحلة الكلام المنمق الجميل ويترجم إلى الواقع المعاش.
ببراعة حاول أوباما أن يتكلم إلى جميع الأطراف ويغطي كل الزوايا ويتكلم بلغة السامعين مستعملاً لغة العرب واصطلاحاتهم ومقتبسًا من القرآن، قال كل ما يريد أن يسمعه العرب والمسلمون وأفاض في ذكر إنجازات المسلمين وإسهاماتهم في تقدم الإنسانية وأمتنع بحرص عن ذكر أي نقد لهم سواء في التاريخ القديم أو الحاضر وعندما أضطر إلى مطالبة العالم الإسلامي بتغيير نهجهم العنيف أرجع هذا إلى قلة من المتطرفين لا يمثلون الدين الإسلامي أو مجموع المسلمين.
كان هذا هو المتوقع من خطابه كرجل دبلوماسي لبق يحاول كسب الطرف الآخر إلى صفه، لذلك فمع تحفظنا على بعض الحقائق التي أشار إليها ومدى تطابقها مع حوادث التاريخ ولكن ليس هنا المجال لنقدها أو إفساد ما يحاول الرجل عمله من تحقيق السلام الذي هو دون شك هدفنا جميعًا.
تكلم أوباما بطلاقة لسان رائعة غير ملتزم بنص مكتوب وعرض موضوعه من جوانب سبعة تتناول: العنف – القضية الإسرائيلية الفلسطينية – حقوق ومسئوليات حيازة الطاقة النووية – الحريات الدينية – حقوق المرأة – وأخيرًا التنمية الاقتصادية.
أشار أوباما في حديثه إلى كل أطراف الصراع من العرب واليهود والفلسطينيين وتطرق إلى العلاقة بين السُنّة والشيعة وتكلم عن المسيحية والإسلام مقتبسًا من النصوص المقدسة للعقيدتين. وانتهى إلى قمة أمنيته في أن تصبح أورشليم المكان الذي يجمع أتباع الثلاثة أديان الإبراهيمية وهي اليهودية والمسيحية والإسلام في سلام، بل وأشار أيضًا إلى قصة الإسراء والمعراج التي ذكرت المصادر الإسلامية أنها كانت ملتقى نبي الإسلام مع موسى والمسيح.
ولكن كقبطي أعترف بأنني دققت النظر في الخطاب عسى أن أجد شيئًا يخصنا كأقباط وحتى هذا لم يخيب الرئيس أوباما أملنا فيه فجاء ذكر كلمة الأقباط بالاسم وهذا نص ما قاله:
The richness of religious diversity must held – whether it is for Maronites in Lebanon or the Copts in Egypt.
وهذه ترجمته:
الإثراء الناتج عن التنوع الديني يجب الحفاظ عليه –سواء كان هذا في الموارنة بلبنان أو الأقباط بمصر-، ولا يسعني هنا إلا التعبير عن عظيم الامتنان لهذه اللافتة الكريمة وأعتقد أن الرئيس أوباما هو أول رئيس أمريكي يعترف بهذا الاسم في خطاب علني عالمي.
وللأقباط أن يهنئون أنفسهم بأن عملهم بدأ يظهر الثمار ولكن هي البداية والطريق أمامنا شاق وطويل فلا أظن أن قوات القمع ستستسلم بسهولة ولا بد من الاستمرار.
ومع ذلك فلا أخفي أنني لي تحفظ في مغزى ما أشار إليه الذي قرأته من هذا التصريح هو أن الرئيس أوباما ينصح العالم الإسلامي بالإبقاء على الوجود المسيحي في مصر ولبنان وهنا جميل ولكن التحفظ هو على السبب الذي ذكره لضرورة الإبقاء على الوجود المسيحي الذي هو طبقًا لما ذكره "لأن وجودهم يسبب إثراء للمنطقة بسبب التنوع الديني الذي يقدموه" ونتفق معه على أن هذا سبب وجيه نشكره على إثارته ولكن في اعتقادي أنه ليس كل الأسباب وليس أهم الأسباب.
فالأقباط لا يستمدون شرعية بقائهم نتيجة ما يقدموه للعالم الإسلامي من إثراء ناتج من التنوع الديني. الأقباط ليسوا طبقًا من المشهيات على مائدة المسلمين وليسوا قطعة من الديكور لتجميل أثاثهم. أقباط مصر لا يجب أن يعتمدوا في بقائهم على إرضاء أحد لأنهم هم شركاء في ملكية هذا البلد وكأناس مستقلين في الرأي والمصير ليس عليهم أن يستعطفوا أحدًا ليبقوا أو يقدموا أي مقابل ثمنًا لهذا الحق.
لو كان بقاء الأقباط في مصر يعتمد على رضا العالم الإسلامي عن ما يقدم الأقباط لهم لكان فناء الأقباط أيضًا يمكن أن يحدث نتيجة عدم رضاهم لما يقدمون، وبالتالي يمكن أن يأتي يوم يقولون فيه للأقباط: لقد قررنا أننا لا نحتاج إلى التنوع الديني الذي تقدموه فيما بعد، فمع الإسلام لا نحتاج إلى دين آخر لأن من يبتغي غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وبالتالي قد قررنا الاستغناء عن هذا الإثراء الذي تقدمونه. نشكركم على خدماتكم أثناء وجودكم في وسطنا والآن يمكنكم أن ترحلوا (بدون مطرود).
أقباط مصر يا سادة يحملون اسم مصر وبدونهم فإن مصر لا تكون مصر. هم ليسوا ضيوفًا أو زائرين ستنتهي مدة زيارتهم ويرحلوا، هم أصحاب البلد الأصليون وعلى الآخرين أن يتعودوا على الوجود القبطي لأن الأقباط لن يفرطوا في بلدهم طالما بقيَّ قبطي واحد ينبض بالحياة على وجه الأرض.
Mounir.bishay@sbcglobal.net |