أعمدة المواطنة
أعمدة حرية العقيدة
يُعرف الطبيب بلقب "الحكيم" لأنه يتصرف بحكمة، فقبل أن يعالج مريضه يقوم بتشخيص المرض ليقف على الداء حينئذ يصف الدواء وأيضًا يقوم المهندس بتحديد نقاط الضعف في الأعمدة الخرسانية ثم يقوم بدعمها فتظل ثابتة قوية رصينة.
من هنا عزيزي القارئ فبالكشف على أعمدة المواطنة وُجد أن عامود حرية العقيدة به شروخ من الانقسامات والتمييز أضعفته فبات واهيا مهددا بانهيار المواطنة بل انهيار الكيان المصري بأكمله، وقد قال السيد المسيح له المجد في هذا "كل مملكة منقسمة على ذاتها تخرب" (مت 12 : 25) (لو 11 : 17) فالمواطن هو وحدة بناء الوطن والمواطنة هي المادة الأسمنتية التي تربط المواطنين ببعضهم مُثبتة إياهم في الكيان الوطني، فهل نقف مكتوفي الأيدي؟ هل نتخذ مقاعدًا أمام هذه الدراما الكئيبة؟؟ كلا.. إن أي مصري شريف مولع بحب الوطن ممتزج بولائه لمصر يأبى أن ينهار وطنه وتضيع هيبته بين سائر الأوطان لذلك فعلينا دعم حرية العقيدة بتثبيت أعمدة حرية العقيدة.
إن حرية العقيدة متلازمة مع حرية التعبير، هذا ما أكده الأستاذ الدكتور فتحي سرور رئيس مجلس الشعب على أحد مواقع الإنترنت، وعلى هذا أحبائي القراء فإن إطلاق الحرية للعقيدة هو إعلان عن دخولنا درب حرية الرأي المؤدي إلى قمة الديمقراطية والديمقراطية الحقيقية تلد مواطنين موالين لوطنهم.. مواطنين مبدعين في عملهم.. مواطنين نامين في إنتاجهم.. مواطنين أقوياء في وطن قوي يفرض احترامه وهيبته على سائر أوطان المسكونة.
رجوعًا إلى ما قاله فضيلة المفتي عن حرية المعتقد، فقد أكد فضيلته أن الإسلام كفل حرية العقيدة إذ لا إكراه في الدين أي أن أي فكر مخالف لما أقره فضيلة المفتي هو فكر خارج عن الدين غريب عنه مرفوض منه.. ومن هنا يأتي دور الأزهر الشريف ودار الإفتاء في دعم حرية العقيدة، فهما مصدر التعاليم الدينية في مصر وحفاظًا على المواطنة والمواطنين وأمنهم يتحتم عليهما إدانة كل مَن ينادي بكراهية النصارى وبرفض أي تحريض على المساس بكنائسهم وممتلكاتهم تنفيذا لتعليم القرآن " ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن" (العنكبوت 46 ).
أطالب الأزهر أن يعقد دورات تعليمية دورية للأئمة والوعاظ والخطباء لتفسير القرآن تفسيرًا سليمًا مستنيرًا بعيدًا عن الاجتهادات الشخصية المُغرضة، يجب على الأزهر الشريف تأكيد أن النصارى ليسوا كفارًا حيث أكد القرآن في الآية نفسها "وقولوا آمنّا بالذي أُنزل إلينا وإليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن لهم مسلمون"، فما يقوله بعض الخطباء أمثال زغلول النجار وإمام مسجد عزبة عاطف عين شمس وغيرهم من الذين يجتهدون في تفسير القرآن دون علم ودراسة هو خروج عن تعاليم القرآن نفسه.
يجب على الأزهر الشريف أن يشدد و يُلزم الدعاة بتنفيذ أوامر القرآن بدقة واستنارة، يجب أن ُيمنع هواة الخطابة ومُحبي المال والشهرة من بث سمومهم الهادفة إلى تمزيق نسيج الأمة بسيف الكراهية والتمييز وعلى رأسهم "محمد عمارة" و"زغلول النجار" و"أبو إسلام" فهم ينادون بتعاليم هادمة مخالفة للإسلام مسيئين له مُقدمين إياه كدين يحث على الكراهية وسفك الدماء.
يجب على الأزهر الشريف أن يقف وقفة صلبة أمام التطرف والإرهاب، يجب أن يقف وقفة مستنيرة صادقة مؤكدًا أن النصارى مؤمنون ف "إلهنا و إلهكم واحد" ومن ثم فلهم حرية المعتقد وممارسة الشعائر، يجب عل الأزهر الشريف أن يقف إلى جانب المتنصرين تنفيذًا لقول القرآن في ص (البقرة : 256) "لا إ كراه في الدين" وخاصة أنهم انتقلوا إلى دين يعبد "إلهنا وإلهكم واحد".
إن حروب الردة شُنت وقانون الردة سُن في عهد الخلفاء لمن ترك الإسلام وأرتد إلى عبادة الأصنام أما المتنصرين فالأمر يختلف فهم انتقلوا من دين إلى دين آخر إلههما واحد "إلهنا وإلهكم واحد" ودليلاً على هذا فكما أوصى الله في الإسلام بحرية العقيدة هكذا أوصى بها في المسيحية حيث قال السيد المسيح "هأنذا واقف على الباب أقرع إن سمع أحد صوتي وفتح الباب أدخل إليه" (رؤ 3 : 20) مؤكدًا أن الله لا يفرض ذاته على البشر في الإسلام وفي المسيحية، إني أرى أن حل هذه المشكلة المزمنة مسكنه جنبات الأزهر المنير ومصدره عقول و قلوب علمائه المستنيرين.
نأتي لنقطة أخرى هامة ينبغي ألا يتجاهلها الأزهر ألا وهي الدستور.. فإني لا أتفق مع مَن ينادي بحذف المادة الثانية منه والخاصة بأن الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع، فبناءًا على ما تقدم من أوامر القرآن بحرية العقيدة وتأكيد القرآن أن النصارى مؤمنون بالله الواحد وأنهم "أقرب الناس مودة للذين آمنوا" (المائدة : 82) وبناءًا على تأكيد فضيلة المفتي للإعلامي "عمرو أديب" أن الإسلام كفل حرية العقيدة للجميع.. فإني أُطالب الأزهر ودار الإفتاء أن يُرسخا تعاليم الإسلام في الدستور بتفعيل حرية المعتقد المنصوص عليها في الإسلام والدستور.. أطالب بتفعيل حرية المعتقد في بناء الكنائس.. في حماية ممتلكات وأرواح النصارى.. في اعتلاءهم المناصب القيادية.. في معاملة المتنصرين شأنهم شأن المتأسلمين حيث تُصدر لهم البطاقات الجديدة دون تعنت ودون داعي للجوء للقضاء.. في ترسيخ أحقيتهم في الميراث.
إن على الأزهر ودار الإفتاء مسئولية جسيمة في دعم أعمدة حرية العقيدة في مصر وجبر ما تكسر منها وعلاج ما اعتلت به، حينئذ تُحسب مصر مع الدول الديمقراطية الراقية مرتقية إلى عنان الحضارة السامية.. مُلقية عنها الأفكار والعادات البالية.
إن دور الأزهر الشريف ودار الإفتاء في تفعيل حرية العقيدة ليكتمل بدعمه من السلطات العليا دور خاص ومسئولية جسيمة تلقيها حرية العقيدة على كاهل الإعلام بكل وسائله، فإذا كانت تعاليم الأزهر المستنيرة هي الدماء التي تغذي حرية المعتقد فإن وسائل الإعلام هي الشرايين التي تحمله إلى قلبها الواهي وأية تجلطات تمنع تلك الدماء من سريانها تولد ما يُسمى بالاحتقان الطائفي، وعلى هذا فلابد من عناصر متنورة مستنيرة تسري هذه الدماء من خلالها دون عوائق أو جلطات لنحمي حرية المعتقد من الذبحة والأزمات، كما يلزم التدخل بقسطرة ودعامة الفكر المستنير لبعض العناصر الإعلامية المصابة بتجلط دماء حرية العقيدة داخلهم ليصبحوا شرايين صالحة لتغذية ودعم أعمدة حرية العقيدة.
وهنا أرسل تحية تقدير واحترام لإعلاميين تسلحوا بالحق وتمنعوا بدرع الجرأة وتزينوا بعقول مستنيرة وخرجوا يبحثون عن أعمدة يقيمون عليها حرية العقيدة لتقوية أعمدة المواطنة.. تحية للإعلامي اللبيب عمرو أديب والمتنور محترف النقاش معتز الدمرداش وزميليهما جمال الهدايت إلى الفكر المستنير.
هؤلاء قادوا حملة مضيئة للفكر المستنير مطالبين بنزع التجلطات المعرقلة لدماء حرية المعتقد واضعين نصب أعينهم دعم أعمدة المواطنة المصرية.
أحبائي أود أن أعود إلى أساس المواطنة الرصين الذي وضعه أحد زعماء مصر المستنيرون وهو "الدين لله و الوطن للجميع" لقد مرت عليه السنون وانتقل من جيل إلى جيل وظل أساسًا لا يتزعزع يعلن أن حرية العقيدة جزء لا يتجزأ من المواطنة المصرية وعامود من أقوى أعمدة المواطنة.
Atefgpm2006@yahoo.com |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|