بقلم: د. وجيه رؤوف
من أكثر الأعمال جمالاً وواقعية للفنان الجميل العملاق الراحل "فؤاد المهندس" فيلم (أرض النفاق)، وإلى جانب الأداء الرائع لهذا الفنان الموهوب الذي جسّد شخصية الإنسان البسيط وما يعتريه من تغيرات والأثر الناتج من هذه التغييرات على الفرد والمجتمع كان هناك سيناريو رائع كُتب بدقة وشخّص حالة المجتمع وحالة الفرد أيضًا.
وفكرة الفيلم الخيالية بالطبع -وإن كانت تحمل من الواقع شيء كبير- أن هناك عالمًا كيميائيًا طيبًا ابتكر أقراص لكل شيء، فهناك أقراص الصراحة وهناك أقراص للشجاعة وأيضًا هناك أقراص للنفاق، فاتجه إليه فؤادنا -وأقصد هنا فؤاد المهندس- ليأخذ من تجاربه وأدويته وفعلاً استخدم هذه الأدوية تباعًا وحينما استخدم أقراص الصراحة خسر خسارة كبيرة حيث أنه صرح للجميع بكل آفاتهم وفسادهم ودواخلهم النفسية الداخلية والخارجية، وهنا أدرك أن الصراحة (يع) وحشة... مكروهة من الجميع حيث اضطرته هذا الصراحة إلى كشف حقيقة الجميع أمام أنفسهم وهذا ما لا يرضونه بالمرة، كما ساءت حالته أمام مديره حين صرح له بفساده علانية مما أدى بالمدير إلى فصله من العمل فخسر بذلك عمله وأكل عيشه بسبب صدقه وصراحته.
ولا يختلف ما جاء بالفيلم عن الواقع والحقيقة التي تحدث يوميًا وفي كل مجالات العمل حيث يصبح الصريح موضة قديمة مكروهة وليس لها سوق في هذه الأيام.
وحينما استخدم فؤادنا أقراص الشجاعة كسب كثيرًا من شجاعته في كسب قلوب العذارى اللواتي يفتتن بالقوة ومظاهرها لكنه خسر أيضًا في مجال الأسرة فاكتشف فؤادنا أن القوة ليست هي المراد وليست هي كل شيء فاتجه فؤادنا إلى حبوب النفاق.
ويا لهول ما أكتشف فأن حبوب النفاق دفعت الجميع للارتماء في أحضانه, فقد ارتمى في حضنه الجميع من إداريين في العمل ونساء في المجتمع إلى الساسة أيضًا، وأخيرًا ارتمى في حضنه الشعب من خلال النفاق والكذب ومن خلال غزو الانتخابات لمجلس الشعب.
حقيقة لقد تفوق الراحل فؤاد المهندس على نفسه في هذا الفيلم العملاق وقدّم لنا صورة حية لِما يحدث في المجتمع.
إلى هنا ونأخذ فاصل قصير، هل نحن هنا بمجال للنقد الفني والعمل السينمائي سواء بالنقد أو التأييد؟
بالطبع لا!! ولكنها مدخل إلى ما أريد قوله وهنا سأنتقل بكم مائة وثمانون درجة من مجال الفن بكل تحرره إلى مجال الدين بكل تحفظه، وشتان المقارنة ولكنني سأقربها في مجال الإيمان المسيحي.
وضع بولس الرسول قاعدة إيمانية بأنه صار مع اليهودي يهودي لكي يربح اليهودي ومع الأممي أممي لكي يربح الأممي وبهذا السلوك كسب الجميع، ولكن هذا السلوك لا يبنىَ على نفاق ولكنه يبنىَ على محبة بأن يوجّه حبه للجميع ويصلح ما بهم بمحبة ويوجه لهم النصيحة بمحبة لإصلاحهم، -وقد كان له ذلك ونجح في هذا حتى سميَّ بفيلسوف المسيحية-.
وبهذه الطريقة نهج قداسة البابا شنوده الثالث طريقه في التعاليم الكنسية وفي قيادة الكنيسة وقيادة شعب المسيح ووضع فيهم أن يكسبوا الكل ويحبوا الكل وهذه هي وصية الكنيسة والمسيحية في الأساس، ولكن للأسف فقد فهم البعض هذه الطريقة في القيادة خطأ واعتبروها نوعًا من النفاق واعتبروها تكليف رسمي لقداسة البابا بأن ينافقهم ولكن لا!! فقد ظهر هذا الفكر والفهم الخاطئ للبعض في التصريحات الأخيرة، فحينما سئُلَ قداسه البابا عن مشاكل دير أبو فانا ومشاكل الفتن الطائفية وعدد الأقباط وبرغم تحفظ قداسة البابا فقد كان يزن الكلام بميزان حساس وقد ترفق بهم كثيرًا فلم يعلن الحقيقة الجارحة بطريقة كارثية إلا أنه ثار الكثير من المتعصبين.
فلا وألف لا, كيف يجب أن يتكلم؟ كيف فتح فاه وتكلم؟ ومَن أعطاه حرية الكلام؟ فهل سكت كل هذا الزمان وجاء ليتكلم الآن؟
طبعًا جاء كل هذا نتيجة فهمهم الخاطئ لقداسة البابا لأنهم فهموا أنه ينافقهم ولم يفهموا أنه طيلة السنوات السابقة كان يسير بسياسة معينة هدفها محبة الجميع ولَم شمل الجميع تحت سماء المواطنة، ولكن للأسف فقد فهموا فكر الرجل بطريقه خاطئة وأرادوها أرض النفاق وأرادوا أن يُسكِتوه.
ولكن إلى هنا أقول قول المسيح لو سكت هو لنطقت الحجارة. أقول لهؤلاء الكُتّاب الذين فقدوا مصداقيتهم يا حسرتاه على هذا القلم الذي تكتبون به فقد كتبتم به شهادة تزوير التاريخ وكتبتم به شهادة ميلاد أرض النفاق على أيديكم. ولكنني أقولها لكم إن الكذب مالوش رجلين وأن الصدق منجي مش كدة وللا إيه؟! |