بقلم : نشــأت عــدلى
من يغلب ويحفظ أعمالي إلى النهاية فسأعطيه سلطانا على الأمم
من يغلب فسأعطيه أن يجلس معي في عرشي
أه يا أبى ، قصيرة الأيام المملوئه بركة ومحبه مهما طالت ، وطويلة جداً أيام المشاحنات ، والمجادلات ، والاتهامات مهما قصُرت ، هكذا عشنا ، وسمعنا ، وتعلمنا.
وفى كل هذه الأيام ، سواء الطويلة أو القصيرة ، مازالت لنا نبراساً ومثلاً أعلى ، لقد علمّت جيلنا ، وأجيال سابقه لنا ، وأجيال قادمة لن نراها ، المحبة الحقيقية ، إنكار الذات ،كيف يكون لنا قلب كبير نحتمل به كل شيء ، ونصبر على كل شيء ، نصمت ولا نتكلم أو ندافع ، لكي يتكلم الله ويدافع ، الحق الذي بداخلك كان دائما يزعج الباطل ، ويحرك بواطن الشر فى قلوب محبيه ، كان تعليمك هو التعليم الأبائى الصحيح ، ولِما لا ، فديرك منذ قديم الأزل هو شعاع ونبراس لكل المتعطشين للمعرفة ، وهو المدرسة الحقيقية للرهبنة ، لأنك ياأبى أنت مؤسسها وراعيها بشهادة التاريخ الرهبانى القديم والحديث ، فديرك هو الوحيد الذي حافظ على التراث القديم للرهبنة الأصيلة مع الجيل الجديد ، ولكن هذا التعليم الصحيح لم يكن له مكان إلا فى قلوب محبي الحقيقة ، لأنه سيفسد أشياء كثيرة ، وسيفضح أقوال أباء العصر الحديث ، هم يقولوا ياأبى أن لكل عصر أبائه ، فآبائه الأيمان الأولين وأبطاله قد عفي عليهم الدهر ولكن لم ولن يغفي عنهم ، وأصبحت لنا أقوال أباء حديثه.
ولولا الخوف من مريديك وتلاميذك الذين يملؤا المسكونة ، لعصفوا بك وبأولادك شر عصفه ، ولكنهم أثروا السلامة ، نجحوا فى منع كتبك أن تكون فى مكتباتهم ، لكن لم يستطيعوا أن يمنعوها من المكتبات السرية لرجالهم ، كما لم يستطيعوا أن يمنعوها من قلوب وعقول كل الذين تعلموا محبة الله منها ، وليست هذه المعركة الوحيدة التى غلبت فيها بصمتك ، بل منذ بداية رهبنتك وأنت تُحارب ، وسلاحك ، الصمت والصلاة ، فمنذ عام 51 عندما تعبت عيناك ، ونزلت من دير الأنبا صموئيل حسب أوامر أبيك الروحي ، وذهبت لدير السريان تمت رسامتك قساً ، ولكنك أثرت الوحدة ، وخرجت للجبل للتوحد هناك ، ولكن دائما السيرة العطرة تلاحق صاحبها أينما حل ، فإذ برئيس الدير يرسل لك الرهبان الأحداث لكي يكونوا لك تلاميذ ، وتكون أنت الأب الروحي لهؤلاء الرهبان الجدد ، ولِما لا وقد أنعم الله عليك بمحبة طاغية للرهبنة ، واستنارة روحية عميقة ، وكتاب انطلاق الروح يشهد بهذه الاستنارة ولكن عدو الخير لا يهدأ ، وبدأت الحرب من رئيس الدير بوشاية أحد الرهبان حقداً على الروحانيات الغزيرة والعميقة ، فأثرت السلامة وتركت الدير راجعا لديرك الأصلي الذي ترهبنت فيه ، فإذ بتلاميذك قد سبقوك للدير دون علم منك ، فخضعت للأمر الواقع ، لأنك كنت تؤمن أن الرهبنة تلمذة .
وقد وُضِعَ عليك أن تكون معلما وأستاذ ًلكل هذا الجيل من الرهبان فقبلت بحب وأتضاع ، لأن الرهبنة كانت لك عشق ، غايتها الانفصال عن الكل والارتباط بالواحد فقط ، لم تكن لك أهداف أخرى سوى التمتع بحب الله ، ونشر هذا الحب ليكون الكل كما أنت ، لم تقصد أن تكون كاتبا ، أو مؤلفا ً، بل كان هدفك الأساسي هو تعليم الناس طقوس الكنيسة التي كانت معرفتها قليلة وكتبها شحيحة فى تلك الأيام ، وأن محبة الله تسكن القلوب ، هذه هي غايتك الأساسية ، فلم يكن هدفك هو حب الظهور ، أو أن تكون فى منصب ُتصِلح من خلاله الكنيسة ، لا ، لم يكن هذا ضمن خططك أو مخططاتك ، حتى الشهرة التي نالتها كتبك ، وتلاميذك الذين تعلموا منها وشربوا الإيمان الحقيقي لم يكن لها حساب عندك ، وعلى الرغم من قلة هذه الكتب نسبة إلى ُكتّاب آخرين ، ولكن حتى عناوين هذه الكتب محفوظة لكل تلاميذك ، فالكتابة عندك الهدف منها تعليم الشعب فقط ، والدليل على ذلك أن معظم الكتابات الموجودة الآن كُتبت أيام الريان ، أيام الوحدة الحقيقية ، فى الجبل المهجور ، الأيام المباركة بالنسبة لك، التي شربت فيها من نعمة الله بغزارة.
وهى أيضاً أيام شماتة وعزل بالنسبة لآخرين ، أيام أن كنت منسياً من كل الناس ، ِمن كل مَن أدعى أنهم تلاميذك ، مِن الذين غرزوا الخنجر بقوة فى ظهرك ، من كل أحبائك ، في ظل هذه الظروف ، أخرجت لنا أروع الكتب وأدسمها ، وبقد ر ما كنت منسياً في نظر أحبائك ، كنت معروفاً للكثيرين بسبب هذه الدرر، التي غيّرت مجرى كثير من القلوب المتحجرة ، كانت لك محبة لم نجدها فى قلب كل مدعى المحبة ، محبة صادقة صادرة من أعماق القلب ، فكانت هى المحرك لكل اتجاهاتك وكل كتاباتك ، كان لديك شعور جارف بكل المظلومين ، فى الوقت الذي كنت فيه أنت من أكثر المظلومين ، لكنك جزت كل ذلك دون أية أثار داخلية ، لأن داخلك مشغول بما هو أهم.
وفى سنة 69 استدعاك العظيم عند الله والناس البابا كيرلس السادس لتذهب إلى دير أبو مقار ومعك أبنائك الرهبان الذين خرجوا معك للريان ، ومعهم الذ ين اقتنيتهم للرب من الريان ، بهؤلاء بْدأت ، وَبدَأتّ الرحلة ، رحلة البناء ، للنفوس أولا ، والدير ثانيا ، ومع رحلة البناء بدَأت رحلة الحروب ، وكانت كل مرحله تقدمية سواء فى الكتابة أو العِمَارة ، كانت بالضرورة تتبعها محاربات كثيرة ، أحيانً خفية ، وظاهرة فى أحيان ٍ أخرى، وليتها كانت محاربة من عدو الخير إبليس ، ولكنها من أبنائك الذين علمتهم الأصول الرهبانية وأساسياتها ، ولكنك ياأبى لم تلتفت إلى هذا أو إلى ذاك .
ولكن أنظارك كانت موجهه إلى لله راعى الكل ، فأخرج الله لنا روائع النعمة الإلهية على يديك ، وكل حرب جديدة كانت تشتعل ضدك ، كانت هناك نفوس جديدة تنضم إليك فى صفوف المؤمنين ، مقاتلين معك بالصلاة ضدّ كل حروب عدو الخير، وهذه الحروب لم تأتى من فراغ ياأبى ، فكل ما كتبته وكأن عيناك مفتوحتان ، تكتب عما ستراه الكنيسة من صعاب ومشاكل ، لأن الله أنعم عليك باستنارة داخلية وتحليل دقيق لكل أمر من الأمور اللاهوتية
...
وإلى لقاء مع باعث النهضة الرهبانية وأبّ رهبان القرن العشرين وفصول من كتابة الكنيسة الخالدة |