بقلم: د. فوزي هرمينا
بعد الغوص في أحشاء وقاع المجتمع المصري للبحث والدراسة والاستقصاء العلمي وجد أنه يعاني ويقاسي من مرض مزمن وخطير وخبيث أيضًا ألا وهو مرض أنفلونزا الفساد، وفيروس هذا المرض الخطير يتحور ويتمحور بطريقة رهيبة أشد فتكًا وخطرًا من أنفلونزا الطيور وأنفلونزا الخنازير.. لدرجة صعوبة ملاحقته وعلاجه وهنا مكمن المشكلة والخطورة.
ومن الأعراض المرضية لمرض أنفلونزا الفساد:
*تبوء المناصب القيادية لغير الكفاءات:
حيث يتولى المسئولين مواقعهم ومناصبهم القيادية ليس بالكفاءة العلمية وحدها أو بانتخابات حرة ونزيهة وإنما عن طريق الواسطة والمحسوبية ونتيجة لذلك طُمرت كل الكفاءات المرموقة والمحترمة لصالح البدون! وفي هذه الحالة العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة من السوق.
فهل تتوقع من وكيل نيابة حاصل على أدنى الدرجات العلمية وسلك الطرق الملتوية لتعيينه وكيل نيابة على حساب زملائه النابهين والمتفوقين في تحقيق العدل!
كلا وألف كلا... وقس على ذلك في كل الأماكن الحساسة والمهمة وحتى العادية للأسف...، حتى التغيير الذي نأمله ونحلم به والذي يأتي بعد عناء شديد وولادة متعثرة وقيصرية للأسف يكون التغيير للأسوأ.
** التعليم العام والعالي والفني:
للأسف أصبح التعليم مشتل من مشاتل التجهيل العام وليس التعليم، وكذلك لتخريج القتلة والإرهابيين، مناهج بدائية ومتخلفة تكرس الحفظ والطاعة العمياء وبعيدة كل البعد عن الفكر الابتكاري وتنمية ملكات النقد والتفكير العلمي السليم.
تعليم ديني أزهري رافض للآخر من سن الطفولة إلى تعليم عام تحت إشراف وزارة للأسف لا تعطي تربية ولا تعليم! وكذلك تعليم خاص منفصل عن واقع المجتمع المصري ولذلك الفرقة والانقسام للأسف تبدأ من سن الطفولة في المجتمع المصري حسب الانتماءات والقناعات التي تعلمها الطفل من الصغر، فالتعليم الديني لا يعترف بالعام ولا التعليم الخاص يعترف بكفاءة التعليم العام وأصبح التعليم المصري غير متناسق وكل نوع من هذا التعليم منفصل تمامًا عن الآخر ونافيًا وطاردًا له.
*الإعلام:
سواء المسموع والمقروء للأسف يقذف صديد فكري في آذان ووجوه مستمعيه ومشاهديه فأصبح يهدد كل حواضر العالم بدون استثناء، فهو إعلام منافق ونرجسي ولا توجد للحقيقة مكان فيه، إعلام موجّه وغير حر
وبالوقت القصير متلقي هذا الإعلام يصير ساذج التفكير وساذج التصديق.
ونتيجة لهذا التعليم المتخلف والإعلام الذي أصبح إعلان عن الفساد والتخلف والتعصب والجهل أصبحنا الدولة الأولى المُصدّرة للإرهاب عالميًا! دول كانت معنا مثل الهند تصدر برمجيات والهاي تكنولوجي وكذلك سلاح متطور وغزت الفضاء ونحن مازلنا في عصر الكهف ولا نجيد إلا فن وزراعة الكوسة وما أدراك والكوسة!
حيث قال الشاعر:
يا مصر يا بلدنا يا عجيبة.. فيكي حاجة محيراني
تزرع القمح في سنين.. تطلع الكوسة في ثواني
هذه بعض وليس كل أعراض مرض الفساد وأنفلونزا الفساد
ما العمل وما العلاج؟
يوجد علاج قصير المدى وعلاج طويل المدى.
العلاج قصير المدى: عن طريق إعمال القانون المدني وسيادته على الخفير والوزير كذلك الشفافية وحرية تداول المعلومات، المكاشفة ولا رقابة، ولا سلطان على العقل إلا العقل نفسه.
العلاج طويل المدى: عن طريق التخطيط العلمي السليم ووضع الخطط الزمنية العلمية الصحيحة وليست التلفيقية، كما نستورد خبراء في مجال كرة القدم لماذا لا نستورد خبراء في جميع المجالات الأخرى سواء الاقتصادي أو السياسي أو التعليمي!
ولنا في اليابان بعد تدميرها في الحرب العالمية وضربها بالقنبلة الذرية مثال.. فاستوردت علماء من بريطانيا لتطوير مرفق السكة الحديد حيث الكفاءة البريطانية في هذا المجال في ذلك الوقت واستوردت خبراء للتعليم من أمريكا وخبراء ألمان في الصناعة وخبراء فرنسيين في الموضة والحريات والفكر وخبراء من إيطاليا لبناء القصور ودور الأوبرا.
فلماذا لا نقتدي بهذه الدول التي سبقتنا سريعًا في هذا المضمار؟
ونتيجة تحور وتمحور وتكلس فيروس أنفلونزا الفساد فهل نحن في احتياج إلى كونسولتو دولي عالمي لإنقاذنا من هذا الفيروس اللعين أم ماذا يا هذا؟ |