بقلم: منير بشاى – لوس أنجلوس
قد يبدو موضوع هذا المقال خروج عن الخط العام للقضايا الحقوقية القبطية التي تتصدر إهتمامنا في هذا الموقع، ولكن فى حقيقة الأمر أن هذا الموضوع يدخل فى صميم عملنا الحقوقى، إن قصورنا فى مجال التعامل مع الرأى المخالف وقبول الآخر كان له التأثير السلبى الكبير على العمل القبطي، وفي رأيي أنه إذا إستطعنا أن نتقن هذا الفن فإن هذا من شأنه أن يزيل الكثير من العوائق وأن يعطي عملنا أقوى دفعة نحو الأمام.
ومع أن هذه القضية تهم البشر جميعاً ولكن هذا المقال يتناول الموضوع فيما يتعلق بأقباط المهجر على وجه التحديد.
الإختلاف في الرأي شيء طبيعي
قيل أن الله عندما وزع الأرزاق لم يعجب أحد رزقه، ولكن عندما وزع العقول الكل أعجبه عقله، فمن الطبيعي أنه تكون هناك وجهات نظر مختلفة لأن تركيبة عقل كل منا مختلفة، وأيضاً خلفيته وبيئته... ومن هنا كانت الآراء مختلفة، هذا أمر طبيعي لا يجب أن ننزعج من أجله.
الإختلاف في الرأي يمكن أن يكون جميلاً
عندما تثار وجهات النظر المختلفة يتضح لنا أبعاداً جديدة للموضوع كنا غافلين عنها. فالإختلاف ليس دائما سلبياً بل يمكن أن تكون له نتائج إيجابية، فالشيء المتكرر قد يؤدي إلى الرتابة والملل أما الشيء المتنوع مثل الألوان في اللوحة الزيتية يضفي عليها جمالاً وانسجاماً. وحتى على مائدة الطعام تحتاج إلى أنواع مختلفة لتقديم الغذاء المتوازن بل والذي يعطي مذاقاً طيباً شهياً، فمع الأطعمة الحلوة نحتاج أحياناً إلى المخللات والتوابل اللاذعة الطعم لتفتح الشهية وتعطي توازناً للأطعمة الأخرى.
الإختلاف ليس هو المشكلة، فالإختلاف موجود وسيظل موجوداً طالما وجد الإنسان. ولكن المشكلة هي في إجادة فن التعامل مع الإختلافات أو بتعبير أدق كيف نختلف مع بعضنا ولا نحول هذا الخلاف إلى كراهية وخصام، كيف نختلف في الرأي ومع ذلك نحترم الواحد الآخر ونقبله كما هو ونستمر أصدقاء.
ظاهرة عدم قبول الآخر ربما تكون أكثر وضوحاً هنا بين أقباط المهجر، وذلك للإختلافات الكثيرة التي تفصل بين الناس نتيجة طبيعة الحياة في المجتمعات الجديدة.
قبل أن نترك بلدنا الأم كان الأقباط يمثلون طبقة متجانسة متقاربة، فإذا إستبعدنا قلة من الأقباط كانت باذخة الغنى نجد أن معظم الأقباط كانوا يمثلون الطبقة المتوسطة التي تحرص على تعليم أبنائها ولكنها لا تملك من الثروة إلا القليل. أما بعد الهجرة فقد تغيرت المعايير وإزدادت الفوارق بين الأقباط، وأصبح الكل في سباق للوصول إلى مستوى أعلى في مجتمع مفتوح متعدد الفرص. ومع الإختلافات إزدادت إحتمالات التباهي والتفاخر بما وصلوا إليه، الذي يترجم أحياناً بنوع السيارة التي تركبها ومستوى الفيلا التي تعيش فيها ومقدار الرصيد المالي الذي لديك. ومع هذه الإختلافات في المستويات إزدادت مأساة عدم قبول الآخر بل أحياناً رفض الآخر وتحقيره والترفع عليه، وصار الإحتياج ماساً إلى أن نتعلم ثقافة نقبل الآخرين الذين يختلفون عنا.
قبول الآخر المختلف في الرأي
من السذاجة أن نعتقد أننا في إمكاننا أن نجبر الآخرين على تبني أفكارنا، كل ما نستطيع أن نعمله هو أن نحاول إقناعهم بصحة رأينا، وفى نفس الوقت علينا أن نسمع لرأيهم فمن الجائز أن يكونوا هم على صواب، ومع الحوار الهادئ يجب أن نكون دائماً على إستعداد لتغيير رأينا وتبنى الرأى الآخر إذا إقتنعنا أنه على صواب. أما بعد تبادل وجهات النظر واكتشاف أنه ليس هناك أرضية مشتركة للإتفاق فالأمر يجب أن ينتهي على الخلاف في الرأي ولكن الإستمرار في الصداقة، وهذا من شأنه أن يعطى الفرص في المستقبل للوفاق، فالزمن كفيل أن يظهر الحقيقة والأيام أحياناً تقرب من وجهات النظر. أما القطيعة فإنها تغلق الأبواب على إمكانية التصالح والتعايش المشترك على أساس من الود والإحترام المتبادل.
قبول الآخر المختلف في المذهب
التعصب المذهبي سواء كان في الدين أو السياسة أو غيرها آفة من أفات العصر. والمتعصب هو مثل شخص يضع "عصابة" على عينيه حتى لا يرى وجهة نظر الآخر بل يرى رأيه ونفسه فقط، ومجموع من يشتركون في هذه يطلق عليهم "عصابة" لأنهم يؤيدون بعضهم بطريقة عمياء ولا يحاولون التفاهم مع الآخرين. وقد رأينا كيف تحول التعصب الدينى لدى بعض الناس إلى محاولات للإرهاب والتدمير والقتل، وأعتقد البعض أن الله يأمرهم بإرهاب الآخرين، بينما لو تفكر هؤلاء فى الأمر لأدركوا أن طبيعة الله هي محبة وأن الإله الذي يأمر بترميل النساء وتيتيم الأطفال وحرق الأشجار وتدمير البيوت والقضاء على الحضارة والرجوع بنا إلى الكهف... هذا الإله لا يمكن أن يكون إلهاً حقيقياً إنما هو من صنع خيال مريض ونفوس شريرة. وأن الحل هو أن تعيش وندع الآخرين يعيشون.
قبول الآخر المختلف في المستوى المالي
جئنا إلى أرض الفرص المفتوحة التي فيها إستطاع البعض ممن لديهم العقلية المالية أن ينجحوا ويصبحوا أثرياء. أما البعض الذين لا يجيدون هذا المهارة فاكتفوا بالوظيفة التي لا تقدم لهم سوى تلبية مطاليب الحياة الأساسية. وهكذا نتجت طبقات من الأثرياء وكذا طبقات من الفقراء، وأثرياء اليوم ليسوا بالضرورة هم أثرياء الأمس في مصر وكذا الفقراء ليسوا بالضرورة من كانوا فقراء في مصر. وقد سمعنا عن ملكة مصر السابقة "نازلى" زوجة الملك فؤاد وأم الملك فاروق وكيف تدهور الحال بها وهي تعيش في لوس أنجلوس لدرجة أنها كانت تتقاضى مساعدة من الدولة. والفقر ليس عيباً كما أن الغنى وحده لا يجب أن يعطينا منزلة أعلى من غيرنا، ولكن للأسف أن المجتمع لا يتعامل بهذه المثالية فيقال أن "من معه قرشاً يساوى قرشاً"، ولكن كمسيحيين يجب أن نعرف كيف نتعامل مع بعضنا بعضا رغم التفاوت الذي قد يكون بيننا من ناحية المال.
قبول الآخر المختلف في المستوى الإجتماعي
مع الإختلافات المالية أحياناً يكون هناك إختلاف في المستوى الإجتماعي، وأحيانا يكون هذا الإختلاف بعيداً عن المال. فالبعض ما يزالوا يتصرفون على أنهم من الطبقة الأرستقراطية حتى ولو لم يكونوا من الأغنياء، ويظهر هذا من طريقة كلامهم ومن طريقة لبسهم وكذا من نوعية ما يأكلون من الطعام وطريقة الإتيكيت التي يتبعونها على المائدة، وهم أحياناً يحتقرون من ليس على شاكلتهم ويعتبرونهم "بلدي" أما هم فيتصرفون كالخواجات الذين يؤمنون أن كل ما هو أجنبي متمدين وكل ما هو "مصري" فهو غير متحضر. هذه الطبقية مرض يعاني منه هؤلاء الناس. عليهم أن يدركوا أننا جميعا أولاد (تسعة) ومن أم واحدة وأب واحد هما حواء وآدم.
قبول الآخر المختلف في المستوى العلمي
المؤسسات العلمية في بلاد المهجر مفتوحة لكل مجتهد فليس هناك مشكلة كبيرة في المجموع كما يحدث في مصر أو مشكلة المصاريف في الجامعات الخاصة فهناك السلف المحدودة الفوائد والطويلة الأمد وكذا الوظائف الجانبية للطلبة التي تمكنهم من الصرف على أنفسهم أثناء الدراسة. ونتيجة لهذا نجح الكثيرون وحصلوا على الدرجات العلمية العالية وبالتالي على الوظائف المرموقة التي تدر على أصحابها المرتبات الضخمة. وظهرت طبقة المتعلمين التي أحياناً تفرز نفسها وتتعالى على الطبقات الأخرى مثل الحرفيين والموظفين البسطاء. هذا حاجز ينبغى أن نتخطاه ونحطمه حتى ما لا يفرق بين الناس.
وبعد... إن كان هناك مستقبل لجاليتنا القبطية لأن تنجح كجالية، وليس فقط كأفراد، فإن هذا يتوقف على مقدرتنا على تحطيم الحواجز التي تفرقنا ومد الجسور التي تجمعنا وتوحد صفوفنا.
فمن تفوق علماً أو مركزاً أو مالاً لا يجب أن يحتقر الآخرين الذين لم يصلوا إلى ما وصل هو إليه بل عليه أن يمد يده ليساعد غيره، أما من لم تساعده الظروف فعليه أن لا يحسد أويحقد على من وصل، بل عليه أن يشكر الله ناظراً إلى من هم دونه لأن من ينظر إلى من فوقه يتعب.
Mounir.Bishay@sbcglobal.net |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|