بقلم: أماني موسي
أفجعني بالأمس مثلما أفجع الكثيرين خبر وفاة "محمد علاء حسني مبارك" حفيد سيادة الرئيس وانتقاله من دنيانا وهو لازال صغير في عمر الزهور، وكلنا يعرف –وخاصة الأباء- كم أن الضنا غالي، فهم فلذة أكباد والديهم يمشون على الأرض، يرون فيهم أنفسهم وامتدادهم في هذه الحياة، يحلمون معهم ولهم بأفضل مستقبل ويتمنون لهم تحقيق ما لم يستطع الأباء تحقيقه، تربطهم بهم ذكريات وتفاصيل دقيقة تجعل فراقهم بالسفر مثلاً أو الزواج أمر صعب وتجعل فراقهم بالموت أمرًا شديد المرارة والألم.
ولذا صُدم معظم المصريين بالخبر، حيث الكل يعي كم أن الفراق من أقسى وأمر التجارب الإنسانية التي تعتصر بقلب المرء ألمًا وحزنًا وحيث أن الموت والمرض وتلك الأشياء القدرية التي تفوق طبيعة البشر نقف أمامها في صمت وهيبة عاجزين عن فعل شيء لأن أمر الله قد نفذ وليس علينا سوى تقبله.
ولكن الغريب والمثير للأسى حقًا ليس هو الموت والفقدان لشخص عزيز بقدر ما هو موت الإنسانية وفقدان الأحاسيس الطبيعية للبشر الأسوياء، إذ لم يكن موقف جميع المصريين يتسم بالإنسانية (العادية جدًا) بمشاطرة الحزانى لمشاعرهم وطلب الرحمة للفقيد بل كان هناك قطاع ليس بقليل منهم يرددون عبارات شامتة في الحدث يعف لساني عن ذكرها وعقلي حتى عن التفكر بها.
ومن ثم نجد أن خلف هذا الحدث المؤلم والمحزن كانت هناك دلالات:
*فتجد أن المصريين كانوا منقسمين لفريقين مختلفين بالرأي ولكن يجمعهم بالنهاية أنهم تحدثوا جميعًا بصفة الإله الذي يتدبر أمر الكون والخلائق، فأخذ كل فريق منهم يرى الحدث ويصنفه وفق ميوله.
-فالفريق الأول: يمثل ذلك الإله الشرير المنتقم من العباد، وأن ما حدث هو انتقام السماء وما إلى ذلك من تفسيرات خرافية واهية خالية من أبسط درجات الإنسانية.
-أما الفريق الثاني: يمثل ذلك الإله الطيب الذي أعد جناته لاستقبال واستضافة الموتى، ورأوا أن ما حدث هو مصاب أليم وأن الموت الفجائي له ثواب وخير مضاعف غير الموت الذي يتم بعلم مسبق!!
وبالطبع نتمنى للابن الراحل النياح لروحه الملائكية وأن يسكنه الله فسيح جناته، ولكن السؤال هنا هو..... إلى متى نتخلى عن إنسانيتنا ورحمتنا متقمصين دور الإله ومحاكمة البشر ومعرفة مصائرهم بالجنة أو النار!، ومعرفة أسباب حدوث التجارب المؤلمة؟! وكأننا دخلنا في علم الله جل جلاله وعرفنا ما يدور بفكره بعد جلسة مطولة معه للنقاش حول الأمر والاستقرار على قرار بدخول هذا الجنة وذاك النار؟!!
ولكني أقول لأولئك الذين أطلقوا تفسيرات سلبية على الحدث أنكم تدّعون زورًا أنكم تعرفون الله وتعرفون طرقه وأفكاره وهي ما أبعدها عن عقلنا ومداركنا كبشر، فلو توصلنا كبشر لمعرفة طرق الله وحكمته وتفكيره لما أصبح هو إله مقتدر ومتعالي ولا بتنا نحن بشر ضعاف، إذ صرنا فاحصين ومفسرين لأفعاله –وهذا ما يصعب عمله مع بشر مثلنا، فما بالك بالله ذاته؟-.
*وبقدر دهشتي من تلك النغمة الانتقامية البغيضة لدى البعض تجاه هذا الحدث المحزن لكن سرعان ما زالت تلك الدهشة، إذ أن البعض من قادة الفكر ومثقفي ذلك الشعب يجيدون استخدام تلك النبرة الانتقامية في العديد من الأحداث فلا عجب أن يتبعهم العامة في طريقة التفكير، كالذين رآوا أن أنفلونزا الخنازير انتقام الله من الغرب الكافر وكذا الذين يرون العمليات الانتحارية وسط مجموعة من المدنيين هي جهاد وانتقام لصالح الضعفاء والفريق الآخر من مثقفي تلك الأمة لا يكتفي فقط باستخدام النغمة الانتقامية الشامتة ولكن يحرضون على القتل كمقدم أحد البرامج الحوارية على قناة دريم والذي قال نصًا (فلتُذبح الخنازير إنقاذًا لحياة المصريين وهناك أناسًا يستحقون الذبح كذلك وهم مَن يستخدمون الألغام الطائفية لذبح الوطن)!!
بالنهاية أتمنى لأسرة الرئيس وأم الطفل الراحل أن يهبهم الرب العزاء ويلمس قلوبهم بلمسة حانية فيزيل عنها تلال الحزن وجبال الألم. |