CET 00:00:00 - 08/03/2009

كلمه ورد غطاها

"تعرف تعيش في شيكارة؟!" سؤال مباشر وصريح جداً سألهوني صديقي صاحب محل الحدايد والبويات الكائن في منتصف شارع المحطة بالجيزة، وراح متنهد بصوت عالي وكمل كلامه كل ما أجي أطلع من الشيكارة زي ما يكون حد يخبطني على دماغي ويرجعني تاني جوة... وفي آخرها كمان وغمض عينه وهو بيبتسم بسخرية عيشة من أولها لآخرها في الجبس.
في الأول افتكرت إن موضوع الشيكارة دة له علاقة بمهنته في تجارة الحدايد والبويات أو بحد من العمال اللي بيجوا يشتروا من عنده شكاير جبس وزنك أو بيعرفوا منه أماكن بيع شكاير الأسمنت لزوم شغل المعمار في مناطق الجيزة المختلفة، لكن على طول اكتشفت إن موضوع الشيكارة والعيشة اللي في الجبس دة منهج  وأسلوب حياة متكامل، وواضح إن صاحبنا غرقان فيه ومش عارف يفلفص وإن شعار "العبارة في الشيكارة" مش بس إعلان لشركة أسمنت إنما مثل يحتذى به.
واتعدل في قعدته جوة المحل بتاعه وقال أنا بحقد جداً على "إيمان البحر درويش" ولما لقاني مش فاهم وبان جداً على ملامحي الاستغراب الجامد من العلاقة بين الشكارة والأسمنت والجبس والطرب، طبعاً غير إن مستوى الأغاني في مصر "شك"، فقال إن "إيمان" قدر في أغنية من أغانيه يعلن عن رفضه الحياة على الهامش ووقف وهو بيناول زبون علبة بويه ربع كيلو وفرخ سنفرة كبير، دة كمان قال بكل صراحة أنو مش هايفضل عايش ومش عايش، وبص لي وضحك تاني بسخرية وقال لي: يا بخته.
بصيت له ورحت ماشي وأنا بفكر في كلامه وسألت نفسي ليه الناس محبطة بالطريقة دي، الموضوع مايخصش صديقي دة بس، دة يخص الناس اللي بعرفهم فعلاً معظمهم عايش جوة الشيكارة وسواء أرتفع سعر الأسمنت أو نزل هما زي ما هما جوة الشيكارة، أغلبهم قاعد في آخرها مستقر ودول ماعندهمش أي قلق، حياتهم ماشية على منهج سقراط "لا أستطيع السقوط فأنا في القاع"، والباقي بيحاول وبيناضل يمكن يقدر يخرج من الشيكارة وإذا ماكانوش جواها هيكونوا زي صاحبنا ما قال في الجبس، شعب تقريباً كله عايش على الهامش، عايش ومش عايش.
وعند محطة المترو طلعت السلالم ولاقيت زحمة جامدة على شباك التذاكر، على طول وقفت في الطابور وقدامي ناس كتير منهم واحد بيقول لصاحبه من فضلك أقطع لي تذكرة مش أنا قطعت لك أمبارح، الدور عليك يا عم، رد عليه منين، بس ماتقلقش أكيد هيحصل في يوم حين ميسرة، افتكرت الفيلم الجميل اللي كسر الدنيا (حين ميسرة) وكان فيه مشهد لعمرو عبد الجليل بيصطاد سمك وبيقول لصاحبه: يوم أحداث الأمن المركزي الحكومة نزلت الشارع "بالدبدبات" –يقصد الدبابات- وعملت "حزق تجول" –حظر تجول- نزلت أنا وأخوك –الكلام لازال لعمرو- نشوف إيه حكاية "حزق التجول" دة، وقعدنا نلف وندور طول النهار ومحدش كلمنا وآخر اليوم رجعنا تاني من غير ما حد يشوفنا، وقفل الفنان الجميل عمرو عبد الجليل حواره في المشهد بسؤال هز مشاعر كل الناس اللي شافت الفيلم "هو للدرجة دي إحنا مش باينين؟!".
نفس الحكاية بالظبط "الحياة جوة شيكارة" مقفولة بختم الشعار "العبارة في الشيكارة" وفجأة اللي واقف ورايا خبطني على كتفي وقال يا للا يا أستاذ دورك، فأخرجت جنيه فكة وقلت لموظف المترو بدون شعور "أديني شيكارة". 

 

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٧ صوت عدد التعليقات: ٦ تعليق