بقلم: محمود الزهيري
أنفلونزا الخنازير, وأنفلونزا الطيور، وأنفلونزا الكاريزما والمثقفين، وأنفلونزا الوصايات السياسية والدينية, وهذه الأخيرة من أخطر أنواع الإنفلونزا التي يصل ضررها لحد القتل وإراقة الدماء.
لا أدري!! كيف لإنسان يدعي أنه ينتسب لإنسانية آدم وحواء ويبتعد عن المشترك الإنساني في بلدان الطغيان والفساد والإستبداد والقتل، ومن ثم يذهب بعقله المريض الواهن ليريد أن يقيم إيمان الناس أو كفرهم ويصطنع من المساطر الإيمانية أو المقاسات الكفرية، لينصب من ذاته إله ويجعل الأغيار في الدين أو المعتقد شياطين أو أبالسة من حقه عليهم هدايتهم والعودة بهم لمقاسات مساطر الإيمان وإبعادهم عن الكفر؟!!
ولا أدري!! كيف تتحول المؤسسات والهيئات والنقابات إلي دور ومنابر للإيمان الديني، وتبتعد عن أداء الدور المؤسساتي أو المهني أو النقابي، بالرغم من فشلها الشنيع في القيام بدورها تجاه المواطنين المنتسبين لتلك الهيئات والنقابات والمؤسسات، وبالرغم من ذلك تريد أن تنجح في ربط الناس بالسلاسل وسحبهم إلى الجنة الآجلة الغير موجودة على أرض الناس، متناسين فشلهم في صناعة الجنة الآنية علي أرض الواقع المعاش!!
جميع المرضى بالأنفلونزا الدينية والأيديولوجية على أتم الإستعداد للوقوف على نصب مذبح العقل ومذبح الحرية ومذبح حرية الرأي بل ومذبح الجز من الرقبة، فهذه المذابح تبدأ إفتتاحياتها بإسم الله وبإسم الأنبياء والمرسلين وبإسم كتب الله المقدسة، حتى يكون القتل أو الذبح حلالاً مباحاً، فالذبح بإسم الله والقتل بإسم الله، في كل الأحوال يكون بالتوقيع نيابة عن الله، وبالنيابة أو بالوكالة عن أنبياء ورسل الله، ولا أدري كيف يستسيغ إنسان كائناً من كان أن يعطي لذاته المتورمة بمركبات النقص المرضية المتضخمة أن يوقع نيابة عن الله أو أنبياء ورسل الله، في حالة من حالات الوصاية المجرمة والكافرة بالإنسان، والمدعية بالباطل الإيمان بالله وكتبه ورسله!!؟
حينما تعود المجتمعات بإدعاءات حماية الدين وحماية الثوابت الدينية أو المقدسات الدينية، أو تعود المجتمعات بإدعاءات حماية الثوابت والمقدسات الوطنية، فهذه العودة ليس لها إلا معنى واحد أن هذه المجتمعات مجتمعات مريضة نفسياً ومحطمة إجتماعياً ومهترئة إقتصادياً، والحالة الدينية لديها يغلب عليها طابع النفاق ليصل الأمر بها إلي الإتجار بالدين ذاته ليكون الربح الحاصل منه يكون فوائض مادية تخدم علي السلطات الدينية، التي تخدم بدورها على سلطات الطغيان السياسي الحاكمة.
وهذه دائماً تؤمن بأن المجتمعات لا بد وأن تكون عبارة عن مجموعات بشرية متراصة من السوقة والدهماء والجهلاء، ليكونوا في نهاية الأمر عبارة عن جمهور/شعب، وليس مجتمع منظم يمكن أن ينتج هيئاته ومؤسساته ويديرها بطريقة ديمقراطية على بساط من المصارحة والمكاشفة والشفافية، حتي وإن كانت هذه الهيئات والمؤسسات لا دينية أو وثنية ومخالفة للديانات الإبراهيمية الثلاث، ما دامت منظومة الدساتير والقوانين يتم تفعيلها علي أساس من إحترام الإنسان لذاته، وتفعيل الحقوق والواجبات بالتساوي بين أبناء تلك المجتمعات.
أما أنظمة الطغيان فإنها تريد للمجتمعات أن تكون شعب/جمهور من السوقة والدهماء والمغيبين، حتى يكون لهم بالمرصاد أصحاب الوصايات الدينية من ذيول الحكام وخصيانهم (الأغوات)، أو من أصحاب الوصايات السياسية السافلة المجرمة التي لا تتورع أن تكون أدوات من أدوات القتل والطغيان والإفساد في كافة المجالات الحياتية الإنسانية والطبيعية.
إن المجرمين من أصحاب الوصايات الدينية أو الوصايات السياسية على علم تام بأن الشعوب والجماهير حينما يراد لها أن تتحول إلى سوقة ودهماء وجهلاء -وما أكثرهم-، فلن ينفع معهم سياسة ولا ديمقراطية ولا حريات ولا حقوق إنسان، وإنما في هذا التوقيت المتوالي والمستمر لن ينفع معهم إلا أن يتم حكمهم بمفاهيم دينية مصنوعة بمقياس مساطر الإستبداد والفساد والطغيان، وما أصحاب الوصايات الدينية والسياسية إلا تلك الأدوات لسلطات القتل والطغيان والإفساد، والتي تذيع على الشعب/الجمهور بأنهم يمتلكوا صحيح الدين، ويبتغوا الحفاظ على الثوابت الدينية والمقدسات الدينية، أو الثوابت والمقدسات الوطنية، والتي لا نعلم عنها من جعلها ثوابت وبمفهوم من أصبحت هذه ثوابت.
الحملات الشنيعة ضد الأغيار في الدين قديمة قدم المصلحة، وتلك الحملات قائمة بين الأغيار في الدين الواحد من حيث المذهب أو الفرقة بل وقامت الحملات الشنيعة بين المنتمين للجماعة الواحدة، والتي تصل لحد التكفير أوالتجهيل في أبسط الحالات، ولحد الذبح أو القتل وتفعيل نظرية الإستحلال للدماء والأموال والممتلكات فيما بينهم، والغالب في الأمر أن الجميع يدعون أنهم يمتلكون صحيح الدين ويحافظوا علي ثوابته ومقدساته، وأنهم جميعاً معهم أقلام من الله، وأنبيائه ورسله ليوقعوا بها نيابة عن الله، وعن أنبيائه ورسله.
الكوارث لم تأتِ إلا ممن يعتصم بمفاهيم الأديان وليس بالأديان والعنصريات منتجات تمثل فرز طائفي من منتجات مفاهيم المنتسبين للأديان، والبغض والكراهيات والقتل والسفك وإراقة الدماء تمثل قمة الجرائم الإنسانية التي تنهي حياة الإنسان وتحتقر وجوده وتذدريه، وكأن الأديان السماوية مراد لها أن تكون أدوات للقتل والإذدراء والتحقير للإنسان الذي أراد رب الناس أن يكونوا مكرمين لا مهانين، حتى لو كانوا كافرين لهذا الرب أو الإله، أو رافضين لفكرة وجوده!!
فمن ذا الذي يمتلك صحيح الدين؟، وماهو دوره المتوجب عليه القيام به تجاه البشر مؤمنيهم وغير مؤمنيهم بإله السماء أو آلهة الأرض؟
ومن ذا الذي يكون حقيق به أن يكون نائباً أو وكيلاً عن الله؟، ومن ذا الذي فوضه الله بذلك؟
إنها لعبة المصلحة، وسيناريو الوصاية، ومسلسل عرض المفاهيم التي تخدم على أنظمة الطغيان والفساد والقتل والإستبداد!!
وإذا غابت عن ساحة الشعوب والجماهير، تحولت بالفعل المشروط بذلك إلى مجتمعات تكون من حقها أن تنتج ما تريد من مفاهيم وأفكار ورؤى وتصورات، بل وهيئات ومؤسسات دينية أو مدنية بعيداً عن وصاية سلطات الفساد والإستبداد والقتل والطغيان، لأن الحاكم في المسألة سيكون للدستور والقانون، بتفعيلهما لمنطوق نظرية الحقوق والواجبات المواطنية، والبعيدة عن الوصايات الدينية المجرمة، وفي هذا الوقت لا يوجد من لص أو نصاب دعي يبتغي المصلحة لذاته، ويدعي أنه يمتلك صحيح الدين وصحيح مفاهيمه.
أذكركم بقضايا الخلافات العقيدية والمذهبية بين الشيعة والسنة، وبين فرق الشيعة والشيعة، وفرق السنة والسنة، وبين مذاهب السنة ومذاهب الشيعة، والإحتراب العقيدي والمذهبي بين الطوائف والفرق والمذاهب داخل الدين الواحد بل والمذهب الواحد، والجماعة الواحدة، بل والقضايا الخاصة بتكفير القرآنيين، ناهيكم عن قضايا المسيحيين والنظر إليها، فما بالكم بقضايا البهائيين؟!!
فمن ذا الذي يمتلك صحيح الدين؟!!
ومن منكم مع الإنسان والمشترك الإنساني؟!!
محمود الزهيري
mahmoudelzohery@yahoo.com |