أنفلونزا الخنازير تعبير عن غضب الله علينا. ذلك ما اتفق عليه كثير من المصريين فى تفسير ظهور وباء الأنفلونزا الذى حملته مناقير وأجنحة الطيور ثم تولت الخنازير بعد ذلك فى نقله.
وهذا التفسير ليس جديداً علينا، فكثيراً ما يتم استدعاؤه فى مواجهة أى أزمة تهدد حياة الإنسان ويشعر أمامها بالعجز، حدث ذلك على سبيل المثال عندما واجهنا سلسلة الزلازل التى ضربت بلادنا منذ عام ١٩٩٢، فبعد أن زلزلت الأرض تحت أقدام المصريين فى أكتوبر ١٩٩٢ هرع الناس إلى المساجد لتمتلئ عن آخرها، وبادرت الكثير من الفتيات إلى ارتداء الحجاب، وكان لسان حال الناس أن العودة إلى الله هى الطريق للنجاة من غضبه.
وقد ظل الناس على هذا النحو حتى تعودوا على الموضوع فعاد كل إلى مكانه! وصدق الله العظيم إذ يقول «وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلمّا كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون».
والمثير فى الأمر أن الناس فى موضوع أنفلونزا الخنازير يلقون بالتبعة على الحكومة، فهى السبب فى غضب الله علينا بما يتخذه مسؤولوها من قرارات يعذبون بها المواطن وينغّصون عليه حياته، أما هو فبرىء من هذا الغضب الربانى براءة الذئب من دم ابن يعقوب.
ولكن أحداً من المواطنين لم يسأل نفسه: وهل عقاب الأنفلونزا يتفشى بين المسؤولين أم بين أفراد الشعب من المغلوبين على أمرهم؟ فالملاحظ أن الحكومة نشيطة جداً هذه المرة فى التعامل مع موضوع الخنازير لا من أجل حماية الناس، ولكن من أجل حماية نفسها، فالوباء لن « يعتق» أحداً، خصوصاً بعد الشائعة الطريفة التى راجت حول أن الرئيس الأمريكى «أوباما»- وهو بالمناسبة لا يعذب شعبه- أصيب بالمرض بفعل احتكاكه بأحد المسؤولين المكسيكيين الذى وافته المنية متأثراً بأنفلونزا الخنازير.
هنا تحرك المسؤولون الحكوميون بعد أن استوعبوا أن الوباء الجديد ليس خاصاً بالشعوب، بل يمكن أن يطالهم شخصياً!
لقد هاجت الحكومة وقامت بذبح عدد من الخنازير- دون تعويض مجز- مما أدى إلى غضب أصحابها، وفى الوقت نفسه سمحت بتهريب قطعان منها، ونقل قطعان أخرى إلى الحزام الصحراوى بعيداً عن القاهرة، فى مشهد يذكرنى بمسرحية «تخاريف» للفنان محمد صبحى عندما كان حاكماً لدولة « أنتيكا» ووجد فى درج مكتبه قنبلة موقوتة فناولها لوزير داخليته الذى لم يدر ماذا يفعل بها ووقف فى مكانه، فما كان من الحاكم إلا أن قال له «ارميها ع الشعب».
فالحكومة تريد أن تلقى بقنبلة الخنازير على الشعب بعيداً عنها، ومن هنا كان قرار الدكتور نظيف، رئيس الوزراء، بإنشاء مزارع نموذجية لتربية الخنازير خارج الكتلة السكانية، أو بعبارة أخرى خارج نطاق القاهرة الكبرى، حيث يعيش المسؤولون وأسرهم.
يبدو- إذن- أن المسؤولين واثقون فى قدرتهم على حماية أنفسهم من غضب الله ليحل فقط على الشعب، لذلك فحديث البعض عن أن هذا الوباء هو غضب من الله علينا بسبب الحكومة يحتاج إلى إعادة نظر، لأن الوباء فى الأساس موجه إلينا، أما المسؤولون فيعرفون كيف يحمون أنفسهم منه.
وإذا صح أن وجود هذا الوباء يرتبط بغضب الله علينا، فإن حكمته، تعالى، تقتضى أن يشعر الناس بالغضب على من يعذبهم بقراراته ويهينهم بسياساته.
فالله تعالى يغضب علينا لكى نغضب نحن على من يظلمنا. ففتنة الأزمة لا تصيب الذين ظلموا بصورة خاصة، بل تصيب أيضاً الساكتين عن الظلم، والقرآن الكريم يقول «واتقوا قتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب». فالعقاب لا يقع على المسؤول عن الظلم فقط بل يشمل أيضاً الساكت عنه، و«الساكت عن الحق شيطان أخرس»
فالظلم الذى يؤدى إلى غضب الله هو ثقافة مجتمع تراضى فيه طرفان هما الظالم والمظلوم باستمرار أسباب الفساد والإهدار والإذلال التى يقوم بها سادة هذا المجتمع ضد المظلومين الراضين عن أحوالهم والذين يكتفون بإلقاء المسؤولية على الكبار الذين يعيثون فى الأرض فساداً. فالله تعالى يغضب ويعاقب عندما يظهر الفساد.
وحكمة الغضب والعقاب هنا هى دفع الناس إلى العودة إلى حقيقة الاستقامة فى الحياة، بالمعنى العام لكلمة استقامة، والله تعالى يقول «ظهر الفساد فى البر والبحر بما كسبت أيدى الناس ليذيقهم بعض الذى عملوا لعلهم يرجعون». فأصل غضب الله على البشر هو المجموع الساكت عن التغيير وليس مجرد فساد السادة الكبار.
ويبرر البعض السكوت عن الظلم بالخوف من بطش الظالمين. فالناس تستطيع التعايش بسهولة مع موضوع غضب الله، فى حين أنها ترفض فى كل الأحوال أن تقع تحت طائلة غضب المسؤول. ويفسر الناس هذا التناقض - بمنتهى اللطف والظرف- حين يقولون إن الله تعالى يرحم عباده، لكن العباد لا يرحم بعضهم بعضاً!
وقد يكون لهذا المنطق وجاهته بالطبع، لكن يبقى أن نفهم أن الاستسلام لظلم إنسان- أى إنسان- يؤدى إلى أعلى درجات الغضب الإلهى «أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين».
فمن واجب من يفهم المعنى الحقيقى لغضب الله ألا يخشى فى الله أحداً.إن اللجوء إلى السماء بالدعاء والرجاء يرتبط بأخذ الأسباب على الأرض، بل إن الأخذ بالأسباب فى مواجهة أى أزمة لا يحتاج بعد ذلك إلى الدعاء إلى الله، لأن الله مطلع على ما يفعله الناس، ولأنه إله قادر يعلم «خائنة الأعين وما تخفى الصدور» فعلينا أن نلجأ إليه ونحن موقنون تماماً بأنه يعلم ما فى صدورنا،
لذلك فمخطئ أشد الخطأ من « ينصب» على نفسه بالدعاء إلى الله برفع مقته وغضبه عنه، فى حين أنه غارق حتى أذنيه مرة فى ظلم الآخرين، ومرة بالرضاء عن ظلم الآخرين له. فمصيبتنا من عند أنفسنا، ولا خلاص منها إلا بأيدينا.
وقى الله هذا الشعب الطيب شر الجوائح والنوائح والقبائح، وشر نفسه قبل هذا وذاك!
نقلا عن المصري اليوم |