كتب: عماد توماس
قال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، أن السلطات المصرية وعدت بأنه سيُتاح للمجتمع المدني المصري مراقبة الانتخابات دون الحاجة لمراقبين دوليين. لكن للأسف فإن استبعاد مندوبي المعارضة والمراقبين المستقلين على نطاق واسع من دخول لجان الانتخابات، بالإضافة إلى تقارير العنف والتزوير، كل ذلك يوحي بأن المواطنين لم يتمكنوا من المشاركة في انتخابات حرة.
وأكدت المنظمة في بيان صادر عنها -حصل "الأقباط متحدون" على نسخة منه- إن انتخابات مجلس الشعب المصري التي عُقدت يوم الأحد الماضي، تشوبها تقارير عن منع مؤيدي المعارضة من دخول اللجان الانتخابية والتعرض لأعمال العنف. وقد ظهرت تقارير بمخالفات لا حصر لها، منها أعمال اعتقال ومضايقات بحق الصحفيين، وحرمان مندوبي مرشحي المعارضة من دخول 30 لجنة انتخابية زارتها هيومن رايتس ووتش في شتى أنحاء مصر، مع انتشار ادعاءات كثيرة بأعمال تزوير لأصوات الناخبين.
وقابلت هيومن رايتس ووتش مندوبي مرشحي معارضة مستقلين خارج أغلب اللجان الانتخابية التي زارتها. وقد أفادوا بأنه في الأغلبية العظمى من الحالات منع مسئولو الأمن المندوبين من الدخول إلى اللجان الانتخابية في حالة عدم وجود خاتم الشرطة على توكيل الشهر العقاري الذي يوكلهم عن المرشحين، وفي حالات عديدة حتى رغم حيازتهم لهذا الختم الذي يتم ختمه في أقسام الشرطة.
وفي حدائق القبة، شرقيّ القاهرة، رفض قسم شرطة الحدائق ختم توكيلات مندوبي المرشح المستقل عمرو زكي. وبالنتيجة لم يتمكن أي من مندوبيه من دخول اللجان.
وفي الإسكندرية رصدت هيومن رايتس ووتش محاولة المرشح المستقل أسامة كمال دخول لجنة مصطفى كامل الانتخابية. أبعده المسئولون من على الباب وقالوا له إنه بحاجة لختم آخر من قسم الشرطة.
وكانت العديد من اللجان الانتخابية مُغلقة طوال عدّة ساعات على الأقل على مدار اليوم اليوم، في خرق لتعليمات وأحكام اللجنة العليا للانتخابات، التي أمرت بفتح اللجان بين الثامنة صباحاً إلى السابعة مساءً. وفي حي الدقي بالقاهرة، رصدت هيومن رايتس ووتش الأوضاع لدى مقر هدى شعراوي الانتخابي للنساء، الذي فتح في الساعة الثامنة صباحاً، لكن في التاسعة أبعد ضباط الأمن مندوبات المرشحين المستقلين بالقوة. في التاسعة والنصف صباحاً أغلقوا اللجنة، رغم وجود حشد كبير على الباب يطالبهم بفتح الأبواب. وقال ضباط أمن هناك لممثلي هيومن رايتس ووتش وأحد الصحفيين أن يكفوا عن التصوير وأمروهم بالابتعاد، دون إبداء أسباب لإغلاق أبواب اللجنة. وحوالي منتصف النهار، فُتحت الأبواب ثانية وبدئوا يسمحون بدخول الناس في بطء.
في كرموز بالإسكندرية قالت ناخبات كُن يعتزمن التصويت لمرشح الإخوان المسلمين الذي دخل الانتخابات بصفة مستقل - قلن إن الضباط منعوهن من دخول اللجنة. وفي مدينة سمنود التابعة للمحلة الكبرى، الغربية، قال مصطفى النشار، 44 عاماً، محامي ومتحدث باسم مرشح مستقل آخر هو سعد عصمت الحسيني، قال لـ هيومن رايتس ووتش إن مسئولي اللجنة وصلوا إلى لجنة انتخابات مدرسة السيدة زينب حوالي الساعة 8:30 صباحاً، بعد نصف ساعة من موعد فتح اللجنة المفترض، وأن ضباط شرطة كانوا معهم منعوا الناخبين من الدخول. وقال النشار: "عندما أوضحت لهم من أكون، سبّني أحد الضباط وضربني في كتفي وهو يقول: لا توجد انتخابات اليوم".
في تلك اللحظة بدأ الناخبون المنتظرون دخول لجنة السيدة زينب للسيدات في التدافع للدخول، وعلى حد زعم النشار فبعد أن دخل رأى صناديق اقتراع زجاجية داخلها بالفعل المئات من بطاقات الانتخاب، في علامة، على حد قوله، على تزوير الأصوات في وقت مبكر.
وقالت لـ هيومن رايتس ووتش شاهدة عيان طلبت عدم ذكر اسمها، إن حوالي الثالثة والنصف مساءً، في لجنة مدرسة السيدة عائشة، وهي لجنة أخرى للنساء في سمنود، قام ضباط شرطة ومعاونون لهم - وجميعهم في ثياب مدنية لكن يمكن رؤية أسلحتهم النارية - بدخول المدرسة من بابها الخلفي وطرد جميع مندوبات المرشحين، باستثناء مندوبات مرشحي الحزب الوطني - وعلى حد علمها فكل المندوبات المطرودات ينُبن عن مرشحين مستقلين.
وصادفت هيومن رايتس ووتش حالات أخرى أقدمت فيها مجموعات من الشباب وفي بعض الأحيان من النساء، على دخول اللجان بأعداد كبيرة في محاولة ظاهرة لمقاطعة عملية التصويت ولترهيب الناخبين المؤيدين لمرشحي المعارضة. أحمد نوح، المرشح عن حزب التجمع اليساري المعترف به قانوناً، أخبر هيومن رايتس ووتش من شبرا بابل التابعة للمحلة، محافظة الغربية، إن مندوبيه مُنعوا بدورهم من دخول اللجان.
وفي لجنة أم الأبطال الانتخابية في تلا، المنوفية، شمالي القاهرة، قالت بشاوات حامد، المحامية ومندوبة المرشح المستقل محمد أنور السادات، إنه في الحادية عشر صباحاً، بعد أن دخلت اللجنة بعد جدل طويل، قام المسئولون بطرد مندوبي المرشح المستقل المنتمي للإخوان المسلمين. من ثم دخلت حجرة رأت فيها رئيس اللجنة، على حد قولها، يغذي صندوق اقتراع ببطاقات تصويت، بنفسه.
وعندما زارت هيومن رايتس ووتش لجنة أم الأبطال قبل انتهاء التصويت في السابعة مساءً بقليل، كان العشرات من مؤيدي مرشح المعارضة يحاولون منع العاملين باللجنة من تحميل الصناديق على ظهر شاحنات، وكانوا يعتقدون أن تلك الصناديق مليئة بالبطاقات المزورة. في ذلك التوقيت تعرض الحشد لهجوم من مجموعة من عناصر الأمن المركزي في الزى الرسمي ومعهم العشرات من الشباب في ثياب مدنية وهم يلوحون بعصي طويلة. وقامت عربات مدرعة تابعة للأمن المركزي بمرافقة شاحنات صناديق الاقتراع إلى لجنة الفرز الرئيسية.
شاهدت هيومن رايتش ووتش في ذلك التوقيت طابوراً طويلاً من الرجال يحملون العصي يقتربون من المكان. عندما وصلوا إلى اللجنة، سمعت هيومن رايتس ووتش ضابطاً في زي رسمي يقول لهم: لم تعد هناك حاجة لكم" وأرسلهم إلى موقع آخر - في إشارة واضحة على أن الرجال في الثياب المدنية كانوا يتلقون توجيهات من الشرطة.
وفي لجنة الفرز في تلا، فرض المئات من قوات الأمن المركزي وشرطة مكافحة الشغب كردوناً أمنياً. وشاهدت هيومن رايتس ووتش داخل لجنة الفرز العشرات من عناصر الأمن في ثياب رسمية وعدد مماثل من الرجال في ثياب مدنية ما زالوا يحملون العصي. وفي تلك اللحظة لم يكن الفرز قد بدأ بعد.
تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى عدد من مؤيدي مرشحي المعارضة الذين سقطوا ضحايا عنف الانتخابات في سمنود بالمحلة. محمد عواض، 37 عاماً، مندوب عن المرشح المستقل عبد الحليم هلال، كان في لجنة مدرسة السادات الثانوية حوالي التاسعة والنصف صباحاً عندما دخل المدرسة عدد كبير من الشباب ومعهم سكاكين وسيوف، وأخرجوه هو وزميله، سيد إبراهيم محمد الوكيل، 47 عاماً، إلى فناء المدرسة. كان عواض مصاباً بجرح كبير في الطرف الأيسر من جبينه ومنطقة الجرح ملفوفة بالضمادات، التي قال إن تحتها جرح تسبب فيه سكين. وكان الوكيل مصاباً بجرح بطول ست بوصات في ساعده، وقال إنه أصيب به عندما رفع ذراعه ليحمي وجهه من ضربة موجهة إليه بعصا خشبية فيها مسامير. قال الرجلان لـ هيومن رايتس ووتش إنهم تعرفوا على بعض من هاجموهما ووصفاهم بأنهم من المجرمين ومسجلي الخطر وتجار المخدرات بالمنطقة. وزعما بأنهما تعرفا في فناء المدرسة على بعض الرجال الذين يعملون لصالح قسم المباحث الجنائية بوزارة الداخلية.
وقابلت هيومن رايتس ووتش مسئول للشرطة المحلية في سمنود. وعندما سألته عن تقارير العنف ضد مؤيدي المرشحين المستقلين، زعم المسئول إنه لا يعرف بأي من هذه الوقائع.
الهجمات على الصحفيين
قام ضباط الأمن بالقبض على 10 صحفيين على الأقل لفترات وجيزة، مع مضايقة والتضييق على العشرات من الصحفيين الآخرين في يوم الانتخابات. آدم مكاري من قناة الجزيرة الإنجليزية، قال لـ هيومن رايتس ووتش إن مسئولي اللجان الانتخابية منعوه من دخول ست لجان زارها رغم أن معه التصاريح المطلوبة.
المصور الصحفي باسم مرتضى من المصري اليوم قال لـ هيومن رايتس ووتش:
كنت في حلوان أقف في الشارع قبالة لجنة انتخابية التقط صوراً لحظة وصول خمسة أتوبيسات كبيرة ونزول مجموعة كبيرة من الموظفين منها ودخولهم اللجنة. بعد قليل رآني ضابط شرطة فاقترب وأمرني بالتوقف. أدخلني اللجنة معه وأخذ الكاميرا ومسح كل الصور. راح يستجوبني نحو 20 دقيقة وأخيراً تركني بعد أن أخبرني بأنه غير مسموح لي بالتقاط أية صور لما تبقى من اليوم.
وفي شبرا قبض الأمن على ياسمين فتحي، الصحفية بموقع الأهرام الإنجليزي، وتحفظوا عليها لمدة نصف ساعة. جانو شربل صحفي المصري اليوم (الطبعة الإنجليزية) قال لـ هيومن رايتس ووتش:
في المحلة، كنت أصور في الشارع ثم دخلت من بوابة قسم الشرطة. عندما دخلت أوقفني ضابط شرطة وراح يستجوبني نحو 20 دقيقة عمّن أكون وما الذي أغطيه. أخبروني أن عليّ مغادرة المحلة على الفور وأن أعود للقاهرة دون زيارة لجان الانتخابات الأخرى.
وقال جو ستورك: "الأدلة الواردة توحي بأن المسئولين المصريين بذلوا جهداً مركزاً من أجل منع مرشحي المعارضة من ممارسة حقوقهم أثناء عملية الاقتراع". |
|
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|