بقلم: فاطمة ناعوت
اعتدنا، منذ قانون الطوارئ، أن نذمَّ جهاز الأمن المصريّ بسبب الممارسات الخشنة التى يرتكبها رجالُه ضدّ المواطنين، أبرياءَ ومتهمين، اتكاءً على: ١- أبدية قانون الطوارئ، ٢- جهل المواطن بحقوقه، ٣- قلّة حيلته وهوانه على حكومته، لو علِم حقوقه. اعتدنا على تشكّى الناس من جبروت رجال الشرطة، وعلى مقالات مرفوعة إلى وزير الداخلية تطالبه بتحجيم سلطانهم وتقليص صلاحياتهم التى يسيئون استخدامها فى ترويع المواطنين، بدلَ أن يأمّنوهم، وفق التعريف الأولى لوظيفتهم: رجال «أمن»! تبدّل الأمرُ إلى النقيض بين عشيةٍ وضحاها، فى واقعة العمرانية! فجأةً، وجدنا الشعبَ متعاطفًا جدًّا مع رجال الأمن! وتحولوا، بليلٍ، إلى ضحايا مساكين مغلوبين على أمرهم!!
مشهورٌ عن المسيحية أنها دينُ التسامح، واليهودية دينُ العنف، ويفاخرُ الإسلامُ بأنه وسطٌ بين مُفرطيْن: التشدد والتسامح. يقول إنجيل متّى: «أحبّوا أعداءكم. بارِكوا مُبغضيكم. وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم.» وأنا حضرتُ العديد من القداسات والصلوات وسمعتُ بأذنيّ مثل هذه الدعوات: «نُصلّى من أجل إخواننا أصحاب الديانات الأخرى، ليحيوا عمقَ إيمانهم، حسبَ قصد الله. نصلّى من أجل كل مَن يمارس العنف باسم الدين، ليكتشف غِنا وعظمة حب الله. نُصلّى من أجل كلّ إنسان فى الكون والعالم ليحيا عمقَ دعوته كمخلوق على صورة الله ومثاله».
والسؤال: ما الذى دفع أبناء تلك العقيدة التى اتخذت من المحبة ناموسًا لا يحيد، حتى حين يتعلّق الأمرُ بالأعداء والمُبغضين واللاعنين، إلى أن يغضبوا ويثوروا؟ ما الذى أخرج أولئك المتسامحين عن تسامحهم؟ هم الذين علمتهم عقيدتُهم أن يصلّوا حتى للغلاظ القلب؟ علّهم يكتشفون حُنوَّ السماء، فيصيبهم بعضٌ منه. ما الذى دفع الأقباط المسالمين إلى العنف فى أحداث العمرانية؟ إنه فيْضُ الكيل. ونفادُ الصبر.
خاب ظنهم فى العدالة فى أحداث الكشح ٩٨-٩٩، وكنيسة مار جرجس بالإسكندرية ٢٠٠٥، وقدّاس الجمعة العظيمة ٢٠٠٦، وفرشوط ٢٠١٠، ثم نجع حمادى يوم عيدهم! تلك الأحداث التى آلت جميعُها إلى مُختلّ عقليّ أو ما شابه. تراكُم الشعور بالظلم وغيابُ الحقوق يراكم الاحتقانَ الذى ينفجر فى ثورة. ففعلوا ما يفعله الناسُ حين تغيب دولة القانون. أسألُ: لماذا نسى المصريون وثيقةَ الخط الهمايونى العثماني، إلا قليلا؟ نسوا كلَّ بنوده العادلة التى أعادت لأقباط مصر بعضَ حقوق مواطنتهم التى أهدرها الفتحُ العربى عام ٦٤٠، ولم يتذكّروا منه إلا البندَ العنصريَّ الوحيد الذى يُلزم بموافقة سيادية عُليا من رأس الدولة شخصيًّا لترخيص بناء كنيسة أو حتى ترميمها! لماذا التباطؤ فى سنّ قانون موحّد لبناء دور العبادة فى مصر؟
ما الفرق، معجميًّا وفلسفيًّا ووجوديًّا، بين مفردتَى: «مسجد»، و«كنيسة»؟ بما أن كليهما: مكانٌ يتوجّه فيه الإنسانُ إلى خالق الكون، ليقرّ بآدميته أمام ألوهية ربّه. بينما يتم بناء الأول، المسجد، بكل ترحاب وفرح، ويُعفى بانيه من الضرائب، ولو أنشأ زاويةً صغيرة تحت ناطحة سحاب! فإن بناء الثانى، الكنيسة، لا يتم إلا بتعقيدات لا حصر لها وبعُسر فى مولده، وغم يعلو الوجوهَ، كأنما هى مُفاعلٌ نووى سيضرب بإشعاعاته القاتلة فى قلوب المواطنين!
سؤال آخر: كم نسبة البنايات القانونية المرخصة فى العمرانية فى مقابل العشوائيات الأهلية غير المرخصة؟ ولأى سبب استيقظ فجأة تنفيذُ القانون بكل فورته، كأننا فى سويسرا، لمكافحة بناية فى العمرانية لا ترخيص لها، وسط مئات البنايات لم يسمع أصحابها من قبل كلمة رخصة بناء؟ وهل سيُخلّد شهيدا العمرانية القبطيان فى الضمير العام، مثلما خُلِّد خالد سعيد شهيد الشرطة؟
سؤال أخير: لماذا التلكؤ فى استكمال بناء الكنيسة الوحيدة بمدينة الرحاب فى مقابل سبعة مساجد أنيقة، صعدت فى لمح البصر؟ أيها المصريون، أقول لكم ما قاله رامي: «وقال فى تاريخه المجيدِ/ يا دولةَ الظلمِ انمحى وبيدي». نحتاجُ بالفعل أن نكون أكثر طيبةً، أكثر عدلاً، أكثر حبًّا، أكثر جمالا، إن كنّا حقًّا مسلمين. إنها دار عبادة يا ناااس!
fatma_naoot@hotmail.com |