بقلم: مادونا شاكر
تلاحقت علينا منذ أيام كمية غير عادية من الأحداث المثيرة والتي يندى لها الجبين وتعتصر لها القلوب، حوادث وقضايا وهجمات شرسة يتعرض لها أقباط مصر دون أسباب واضحة ومنطقية تبرر حدوثها، وإذا حاولنا أن نجد لها تفسير يقبله العقل البشرى لا نجد سوى تفسير واحد لا ثانى له ألا وهو التعصب والعنصرية ومحاولة تجريد المواطن القبطي من أبسط حقوقه الشرعية الطبيعية وهو حق المواطنة المكفول لكل مصري.
ومن هذه الأحداث المثيرة هذا الأسبوع والتي أثارت شجوني بحق وأظهر فيها القضاء المصري مدى العنصرية والتمييز ضد الأقباط، الحكم الظالم والمجحف الذي صدر ببراءة جمال رستم قاتل الشاب يشوع جمال ناشد بقرية الطيبة محافظة المنيا وذلك في أولى جلسات المحاكمة دون حضور أهل القتيل ومحاميهم الدكتور إيهاب رمزي بدون سبب واضح ومفهوم.
وتعود أحداث هذه الجريمة البشعة إلى أول شهر أكتوبر عام 2008 عندما رفض صاحب مغلق خشب مسيحي أن يتم استخدام ألواح خشبية في الإعتداء على بعض مسلمي قريته في مشاجرة بينهم، فما كان من الأخوة المسلمين إلا أن هجموا على منازل الأقباط بالأسلحة النارية وأنابيب البوتاجاز بشكل جماعي بربري لا يمت للإنسانية بصلة، وأشعلوا النيران في المنازل والمسيحيين بداخلها حتى أنهم كانوا يغلقون الأبواب عليهم من أسفل حتى لا يحاولون الهروب، وهجموا على محلات الأقباط ومتاجرهم وحطموها تماماً حتى أن قوات الأمن لم تستطع الدخول إلى القرية إلا بعد ساعة من الإشتباك مع المسلمين بالأسلحة والقنابل المسيلة للدموع وفرض حظر التجول وتم القبض على أكثر من عشرين قبطي، ومن المؤسف أيضاً أن الوحدة الطبية بالقرية رفضت استقبال حالات المصابين من الأقباط خوفاً من بطش هؤلاء الإرهابيين، مما يؤكد مدى التعصب والحقد الموجه والمنظم ضد الأقباط بدون مبرر، ومن ضحايا الإعتداء الغاشم مصرع الشاب يشوع (28 عاماً، وحيد والديه) بطلق ناري بالرأس وإصابة ثلاثة آخرين بعاهات مستديمة، ولم يتلق والد يشوع العزاء فى ابنه وقتها، على أثر ذلك تم حبس القاتل جمال رستم 15 يوماً على ذمة التحقيق.
وفى يوم 8 / 4 / 2009 حمل عشرين شخص من أقباط القرية ومسلميها أكفانهم على أياديهم وطافوا بها القرية كلها وسط حشد كبير من سكان القرية وصل إلى 5 آلاف مواطن جاءوا لحضور هذا الصلح المبين، بحضور محافظ المنيا وكبار المسئولين من مجلسى الشعب والشورى ورجال الدين المسيحي ورجال الدين الإسلامي، إلى أن وصلوا إلى منزل والد القتيل جمال ناشد لتعقد جلسة عرفية مصطبية كالعادة والمعروفة بقعدات العرب، يتم فيها تقبل والد القتيل لأكفان أهل القاتل دليل على تسامحه لهم على أن ينتهى مسلسل الأخذ بالثأر، وبضغط جميع الأطراف عليه بقولهم مثلاً: (يا راجل عفى الله عما سلف، معلش حقك علينا ماكنش يقصد، عيل وغلط سامحه علشان خاطرنا ده برضه زي ابنك والصلح خير، ما يبقاش قلبك أسود كلنا نسيج واحد وبفتة وكستور كمان محدش واخد منها حاجة)، فيتم الصلح المبين بتنازل والد القتيل عن دم ابنه دون أي تعويضات مدنية وتنتهي القصة عند هذا الحد.
وبعد شهر تقريباً من هذا التاريخ نقرأ على هذا موقعنا الموقر أن المحكمة تمنع محامي المجني عليه ووالده حضور الجلسة الأولى للمحاكمة وتحكم ببراءة القاتل وسط ذهول المحامي ووالد القتيل الذين لم يُسمح لهما بالحضور بسبب ضغوط مورست عليه هو والدكتور إيهاب رمزي، هذا ما عرفناه عندما صدر هذا الحكم، وتساءلنا لماذا؟، وما هي هذه الضغوط رغم ثقتنا في نزاهة الدكتور إيهاب رمزي؟، لكن مكتب الدكتور إيهاب رمزى حسم حيرتنا وأجاب على تساؤلنا في رسالة بريدية وصلتني عبر بريدي الإلكتروني ووصلت الكثيرين غيري أنقلها لكم كما هي:
(هناك بعض المفاهيم الخاطئة التي تم فهمها من البعض في التقرير السابق بتاريخ 4 مايو على موقع الأقباط المتحدون عن قضية أحداث الطيبة بالمنيا، حيث ورد بالتقرير أن هناك ضغوط مورست على الدكتور ايهاب رمزي مما أدى إلى عدم حضوره جلسة المحكمة، فإن الأمر أردنا أن نوضحة من خلال قسم المستشار الإعلامي والعلاقات العامة لمكتب الدكتور ايهاب رمزي الذين يؤكدا أنه لم يمارس على رمزي أي ضغوط، وأوضح الدكتور إيهاب رمزي مؤكداً أنه لا يستطيع سوى أن ينفذ إلتزامه بتعليمات موكله (أبو القتيل) الذي مورس عليه ضغوط اجتماعية من الوسطاء المسيحيين والمسلمين الذين شاركوا في عملية الصلح مما كان له الأثر في اقناعه بإعطاء تعليمات للدكتور أيهاب رمزي في عدم حضور جلسات المحكمة تنفيذاً لبنود الصلح الذي تم بمعرفة القيادات الأمنية والوسطاء من الجانبين وتحت أشراف كهنة القرية.
وأوضح إيهاب رمزي أن من بنود ذلك الصلح هو تنازل أسرة القتيل عن كافة الحقوق المدنية قبل أسرة الجاني الأمر الذي جعل والد القتيل يطلب من رمزي عدم الحضور في جلسة المحكمه تنفيذاً لبنود ذلك الصلح الذي سبق تحريره، فما كان على رمزي إلا أنه يلتزم بتلك التعليمات -برغم عدم موافقته علي ذلك- ولكنه وقف مقيداً لا يمكنه المطالبه بأي حق لموكليه لسبق تنازلهم عن كافة الحقوق، ولا سيما لم يكن مشاركاً في هذا الصلح، سواء في تحرير بنوده أو جلساته.
وأضاف أن الأمر الذي كان من المتفق عليه بين أطراف الصلح والقيادات الأمنية عدم مشاركة الدكتور ايهاب رمزي في هذا الصلح سواء في تحرير بنوده أو في الاتفاق على شروطه أو في كيفية تنفيذه أو شكل تنفيذه، فكان الأمر الذي أتم إجراءات الصلح بعيداً عنه، وأكد أن ذلك كان واقعاً اصطدم به حال بينه وبين الوقوف موقف الدفاع أمام القضاء الجنائي، خاصةً وأن الدعوى المدنية التي تنازل عنها أسرة القتيل هي القناه الوحيده التي من خلالها المثول أمام المحكمة للمطالبه بتطبيق القانون، ومواد العقاب وأثبات أقتراف الجاني للركن المادي لا سيما وأن النيابة العامة هي ممثلة للمجتمع في الشق الجنائي).
وعلى هذا كان قرار المحكمة جاهزاً ببراءة المتهم من جريمة القتل، وكانت موافقة والد القتيل على الصلح والتنازل عن حقوقه المدنية تصريح وسماح منه ببراءة المتهم، رغم اعتراض الدكتور إيهاب وهو الأمر الذي جعله عاجزاً عن الدفاع عن حق المجنى عليه..
أليست هذه كارثة كبرى ومهزلة بكل المقاييس نتنازل عن حقوقنا بأنفسنا وبمحض إرادتنا، حتى لو كان هناك ضغوط مورست على والد القتيل من كل الأطراف لماذا يفرط فى حقه ودم ابنه، وبعد ذلك يتم براءة المتهم؟
ماذا كان يتوقع بعدما تصالح مع أهل القاتل وتنازل عن حقوقه المدنية، وعن الدية التي وصلت إلى أكثر من ربع مليون جنيه وبعد ذلك يقول أنه ينتظر حكم القضاء العادل.
أي عدل هذا الذي تنتظره يا سيدي بعدما أعطيتهم الضوء الأخضر بتفريطك في حقك؟ ومن الواضح جداً أن قرار المحكمة كان جاهزاً منذ جلسة الصلح المصطبي، ولم تحتاج المحكمة إلى حضور والد القتيل والمحامي لإصدار حكمها الذي جاء في صالح القاتل، رغم أن والد القتيل يعيش فى أكثر محافظات مصر طائفية وتكررت فيها كثيراً مثل هذه الحوادث للأقباط، ومع ذلك وافق والد القتيل عن التنازل عن حقه، في دولة اختلت فيها جميع موازين العدل ليتحول حلمه بالعدالة إلى كابوس فقد فيه دم ابنه الوحيد وخسر كل الجولات مقابل لا شيء.
ومن منطلق ما يحدث لنا من جرائم وحوادث تهدر بعدها حقوقنا وتسلب فيها كرامتنا، أرجو كل قبطى بأن يسعى لنيل حقوقه كمواطن مصري، ولا يتوانى لكيما يحصل عليها، وأناشد أقباط أمريكا بعدم الإنصياع لمساومات الأمن المصري المخادع والإصرار على عمل وقفات إحتجاجية يتم فيها عرض مشاكلنا ومطالبنا عند زيارة الرئيس حسني مبارك إلى أمريكا، ويا حبذا لو كانت مدعمة بصور لشهداء الأقباط والفتيات القبطيات المختطفات وصور لأبونا متاؤس ولافتات تندد بكل تلك الجرائم البشعة والأحكام الظالمة، ليراها الرئيس وتراها عيون العالم كله، أملنا فيكم كبير يا أقباط أمريكا فلا تخذلونا. |