CET 00:00:00 - 08/05/2009

بصراحه

بقلم: مجدي ملاك
لم يعد من الممكن أن نظل نتقبل ما يمكن أن نطلق عليه المؤسسات المتدينة في الواقع المصري، وبحيث اغتيلت المؤسسات الفكرية والأدبية لصالح الفكر الديني والدفاع عن الأصلح من وجهة نظر واحدة وهو ما يعني استمرار إصرار البعض على توحيد المجتمع المصري في فكر واحد واعتباره الفكر الذي لا يمكن لأحد ان ينتقده او يشكك فيه، هذا ما عبّرت عنه نقابة الصحفيين حين استضافت مؤتمر يوضح صحيح الدين ضد الأفكار الجديدة مثل البهائية أو الشيعة أو غيرها من الطوائف الأخرى التي بدأت تظهر بقوة في الواقع المصري في السنوات الأخيرة، لتستحق أن نطلق عليها نقابة الدين الصحيح بدل من نقابة الصحفيين، والمشكلة الأساسية هنا أن يتم تنميط مؤسسات الدولة العامة لتصبح مؤسسات ذات صبغة دينية، فنقابة الصحفيين لا تقبل أن تستضيف ما هو من صحيح الدين من وجهة نظرها، ومن ثم فما عداها من مؤتمرات يبغى عقدها هي ضد صحيح الدين.

وحقيقة لا أستطيع أن أفهم كيف تكون نقابة الصحفيين التي تُعتبر منبر لحرية الرأي والفكر، والمفترض أنها تدافع عن حرية القلم والإيمان والمعتقد طالما هي معقل الحريات في وطن تئن فيه الحرية من القمع والقهر بكافة وسائله، ولكن أن تستضيف النقابة مؤتمر لمجموعة يرون في صحيح الدين اتجاه معين دونه من الإتجاهات فهذا يعني أن نقابة الصحفيين هي الأخرى تم تبشيرها لتصبح واحد من المنضمين حديثاً للمؤسسات المتدينة السنية، وأنا هنا أود أن أكرر احترامي لأي دين كان سواء سنة أو شيعه أو بهائية أو غيرها، ولا أهدف أيضاً إلى التقليل من شأن مذهب أو دين معين، ولكن أود التأكيد أن اتخاذ النقابة لهذا المسار هو أمر خطير.

وواقع الحال فهذا يدل على ضعف الهيكل التنظيمي لنقابة الصحفيين ويشير أيضاً أن أكثر المؤسسات دفاعاً عن الحرية أصبحت أكثرهم مناهضة للفكر والرأي الآخر، ولا يمكن أن أخفي هنا ضعف النقيب ومجلس النقابة في التصدي لمجموعة من الأعضاء استطاعوا أن يجعلوا من النقابة وكر للقمع والنفي بدل من أن تصبح منبر استنارة وسط منابر ظلامية كثيرة في المجتمع، ولكن أعتقد أن المشكلة أكبر من مجرد أشخاص ينتمون لتلك المؤسسة، وأعتقد أن الخطأ الحقيقى يقع على عاتق القواعد واللوائح المنظمة لعمل النقابة في حد ذاتها، وبحيث يجب أن يكون لها ميثاق أو يوضع لها ميثاق يكون بمثابة قانون ينطبق على كافة الأعضاء ولا تترك فيه تلك الأمور لآراء أو أهواء أصحاب دين معين، ويجب أن يشمل هذا الميثاق على حق كل مجموعة أو فئة في عقد ما تراه من مؤتمرات وبحيث يخضع الكل لبنود ذلك الميثاق ولا يخضع أصحاب الفكر لمجموعة هنا أو هناك.

ويجب أن نكون في هذا واضحين فهناك الكثير من الأمور المسكوت عنها لو تم فتحها سينطبق على المسيحيين ما ينطبق على البهائيين وغيرهم من أصحاب المعتقدات المختلفة، فإذا كانت الديانة البهائية من وجهة نظر هؤلاء تخرب صحيح الدين، فهم يعتقدون بما لا يدع مجالاً للشك أن المسيحيين ينطبق عليهم نفس المحاذير ومن ثم نتوقع أن يأتي يوم يمنع فيه الأقباط ربما من دخول نقابة الصحفيين بحجة أن هذا يعتبر ضد صحيح الدين لأن دخولهم النقابة سيسمح لهم بنشر ما لديهم من أفكار داخل مؤسسة النقابة، وهي أفكار ستكون بالطبع من وجهة نظرهم ضد صحيح الدين.

تديين المؤسسات هي فكرة شريرة ويجب مقاومتها بكل قوة لأن استمرارها يعني أننا سنصبح أمام معضلة كبيرة ستحكمنا فيها فكرة الحلال والحرام بدل من فكرة الرأي والرأي الآخر، كما أنه سيقضي على واحد من أكبر منابر الحرية في مصر، الغريب أن أحداً من النقابة أو مجلسها لم يلفت نظره هذا الأمر أو حاول الخروج ببيان يستنكر فيه استضافة مؤتمر لجماعة رفضت من قبل استضافة مؤتمر "مجموعة مصريون ضد التمييز الديني" بحجة أنه يهدف لنشر أفكار غريبة.
التقرير الأخير الذي صدر وأوضح أن دول الشرق الأوسط هي الأكثر تقييداً للحرية يعبر عنه هذا الواقع المؤلم الذي نسمح له بالتغلل على حساب حريتنا، ومن ثم فالمطلوب في هذا الوقت تحديداً أن تعمل منظمات المجتمع المدني بقوة من أجل الخروج بمشروع قانون يمنع تديين المؤسسات أو ادعاء البعض امتلاكها على حساب المختلف في الدين أو الجنس أو اللون، فمنابر الرأي لا يمكن أن تكون حكر على فئة دون أخرى، وبحيث ستمثل تلك الخطوة واقع عملي للعلمانية والليبرالية التي نسعى لبسطها على مؤسسات الدولة ومنع تبشيرها بصحيح الدين أياً كان هذا الصحيح.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١ صوت عدد التعليقات: ١ تعليق