بقلم: القس سامى بشارة جيد
في دروب الحياة نحتاج إلى أدوات بسيطة ليست غالية الثمن لكنها مهمة وعالية الفائدة، فبها يمكن لرحلة الحياة أن تستمر وبدونها تتوقف مسيرة الرحلة أو تصبح عديمة الفائدة فاقدة الجدوى معدومة الإنجاز وبلا معنى وبغير هدف.
فالبحّار يمكن أن يعرف أسرار البِحار ومسالك الريح ومساكن العواصف، ويمكن للرحال أن يكون خبيراً بما تشتهر به البلاد المختلفة وأن يذكر عواصمها وأهم الموانئ بها وأن يذكر مميزات شعوبها وعالماً بعاداتها وتقاليدها، ويمكن لعالم الفَلَك أن يتعرف على المجرّات وأن يصف الكواكب وأن يفرق بين النجم والكوكب أو النيزك الكبير والجسيم الصغير.
لكن لن يصل البحّار إلى الشاطئ إلا إذا كان لديه بوصلة يحدد بها الإتجاهات ويدير الدفة إلى حيث الهدف والمقصد، ولا يستطيع الرحّال أن يتجول شرقاً وغرباً شمالاً أو جنوباً وأن يجوب البلاد وأن يتفهم المسالك والطرق إلا إذا كان لديه خريطة للعالم، ولا يقدر عاِلم الفلك أن يكتشف أسرار الفضاء الخارجي والأجرام السماوية إلا إذا كان لديه تلسكوباً عملاقاً به يرى ما لا يرى ويعرف ما لا يعرفه الإنسان العادي.
وفي الحياة الروحية يحتاج الإنسان العادي إلى أدوات غير اعتيادية ليعيش حياة فوق طبيعية، فهو ليكون غواصاً في بحر النعم وبحاراً في نهر سباحة لا يعبر يحتاج إلى بوصلة متميزة ليعرف إلى أين يتجه؟ وإلى أين يسير؟، فهناك اتجاهات مختلفة في الحياة كما للكرة الأرضية اتجاهات أربع فالإنسان يحتاج أن يحدد هل ولماذا يعيش؟ ولمن يعيش؟ وكيف يعيش؟ وبماذا يعيش؟ هل يعيش ليأكل ويشرب لأنه غداً يموت؟، هذه عيشة الحيوانات ولا يليق بصورة الله على الأرض، هل يعيش لذاته ويشبع نزواته ويحقق أنانيته؟
والحقيقة إن حياة الإنسان ليست ملكه بالتمام فهناك إله خلقه، لذا فهو يمتلكنا بالخلق وهناك شخص افتدانا من الخطية إذ صار لعنة لأجلنا وافتدانا من المصير الرهيب بحيرة النار والكبريت، لذا فنحن مدينون له بالفداء أيضاً، فعلينا أن نعيش له، وهل يعيش على الخبز الأرضي فقط؟؟ بالطبع لا, ليس بالحبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله، هل يعيش كما يعيش العالم في أنظمته الشريرة المستبدة أيضاً؟؟ لا بل إن عشنا فللرب نعيش وإن متنا فللرب نموت إن عشنا وإن متنا فللرب نحن، لذا يجب أن نعيش فقط كما يحق لإنجيل المسيح ونسلك بالروح فلا نكمل شهوة الجسد.
فبماذا يعيش؟ يعيش بالتواضع والمحبة والرجاء وفوق الكل وأول الكل يعيش بالإيمان، فإن البار ببره يحيا ذلك البر الذي بالإيمان الذي يهبه الله لكل من يقبله فادياً ومخلصاً فبالنعمة نحن مخلصون بالإيمان وذلك ليس منا هو عطية الله، لذا فالإنسان يحتاج إلى شخص يمشي معه الطريق كمرشد وصديق كما يحتاج البحار إلى بوصلة تحدد اتجاهاته، ولا يوجد شخص أصدق ولا أروع ولا أكمل من يسوع، فهو الطريق وهو الحق وهو الحياة، والرحّال كما البحّار يحتاج إلى خريطة تجعل الطريق ممكناً وعملياً ونافعاً لمفردات الحياة اليومية، والكتاب المقدس خريطة طريق ليست كأي خريطة بل هو فكر الله الصحيح عن الإنسان، فمن هو كفؤ لأن يدرك كل الثراء الذي في كلمة واحدة من كلماته وهو كتاب وحياة لأنه يتكلم عن معطى الحياة يسوع.
في الكتاب المقدس شريعة إلهنا تعلمنا كل ما هو جليل وكل ما هو حق وكل ما هو عادل وكل ما يوافق وكل ما يبني وكل ما يجعل حريتي هي حرية مجد أولاد الله، فلا يتسلط علىّ شيء ولا يحكم أحد في حريتي، فالمؤمن يحكم في كل شيء وهو لا يحكم فيه من أحد، والكتاب المقدس خريطة طريق للعالِم (بكسر اللام) كما للعامل وللفيلسوف كما لرجل الشارع، وهو خريطة طريق للصغير والكبير للتعليم والتعلم، الكتاب المقدس دستور إيماننا وميثاق أعمالنا وهو يُقرأ ويُفهم ويُحفظ ويُعمل به.
في المجال الروحي والسياحة المسيحية توجد أداة مهمة ليست أرضية ولا زمنية وليست بشرية ولا طبيعية بل هي سماوية روحية فوق طبيعية، بها عمّد الله الآب الله الإبن يسوع، وبها عمّد الكنيسة يوم الخمسين، وبها يعمد المتجدد يوم قبوله الرب يسوع قائداً لرحلة الحياة ورباناً لسفينة الأبدية وملاحاً مقتدراً قديراً مشيراً أباً أبدياً رئيس السلام، فهو روح الحكمة والإعلان روح المشورة والفهم يعطي ثمر روحي لنمو العلاقة الراسية مع الله والأفقية مع الناس ويعطي مواهب لنمو الكنيسة جسد المسيح والتلسكوب السماوي شخص الروح القدس، ليس مجرد قوة بل هو شخص الله الروح وهو روح القوة والمعرفة والإعلان يعطي استنارة روحية وتمييز ونمو روحي.
تلسكوب الروح القدس يجعل الروية أوضح والرجاء أكبر والمحبة أعمق والإيمان أصدق، فيرى ما لا يرى ويكتشف نهر سباحة لا يُعبر، فالروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله، فيصل الإنسان الروحي إلى عمق القدير ويرى ما لا يسوغ لإنسان أن يصفه، وساعتها يكون الإنسان في الجسد لست أدري أم في الروح لست أدري وإنما في الجسد الروحي والمجال الروحي بخبرة روحية، وعندما يحدث الإنطلاق الروحي والتفجر الداخلى بفعل عمل روح الله في الإنسان، يصبح المستحيل ممكناً وغير المُستطاع مُستطاعاً وتكون مشيئة الله كما في السماء كذلك على الأرض ويصير المعوج مستقيماً والعراقيب سهلاً فيمهد أخاديدها ويروي أتلامها. |