توصية بالقتل وليس بالنقل!

بقلم: القس الفريد فائق صموئيل
ما كاد العالم يفيق من جنون البقر إلا واجتاحته أنفلونزا الطيور؛ وما كاد يفيق من أنفلونزا الطيور إلا واجتاحته الأزمة الاقتصادية الطاحنة والمالية الكاسحة، وبينما يتعامل العالم علميا مع ذلك اجتاحته أنفلونزا الخنازير.
والأزمة بدأت في المكسيك وبدأت في الانتشار في بلاد أخرى على نطاق جعل منظمة الصحة العالمية تنادي برفع درجة الاستعداد للدرجة الرابعة وأعلن وزير الصحة عن عدة خطوات فعلية وإجرائية تنم عن وجود وزير فاهم ويتعامل مع الأزمات بأسلوب علمي رائع.
وأحب أن أوضح إنني لا أقلل من خطورة أنفلونزا الخنازير، فقد بلغ قتلاها في العالم حتى يوم كتابة هذه السطور ما يقرب من المائتين في العالم؛ أقل من ثلث عدد قتلى أنفلونزا الطيور وهذا عدد ليس بقليل في مدة وجيزة وحيث أنها وصلت إلى 21 دولة حتى الآن فهي في طريقها لأن تصبح وباءاً ما لم تُتخذ الخطوات اللازمة لحصرها والقضاء عليه.

ومازال العالم يصارع مع الأزمة الاقتصادية العاصفة والمالية الطاحنة حتى الآن ويقول الأخصائيون أن العالم لن يتعافى من هذه الأزمة بسهولة فالأمر يحتاج لخطوات اقتصادية وسياسية قد تصل لنهاية للمأساة العام القادم.
والعالم يتعامل مع هذه الأزمة وكل الأزمات الأخرى بأسلوب علمي معتمداً على العلماء والأخصائيين والخبراء كلاً في مجاله وهنا تظهر أهمية البحث العلمي؛ خاصةً وأن أزمات هذه الأنفلونزات جديدة على العالم وأنواعها وتكويناتها حديثة على العالم وأفضل علمائه.
ومع كل ذلك ينبري مجلس الشعب المصري -الذي اشتركنا في انتخابه- بقتل الخنازير وليس نقلها، فأوصى بإعدام جميع الخنازير في أماكنها ولا داعي لنقلها وعلى الحكومة الرد على المجلس بالخطوات التي تم اتخاذها، قام مجلس الشعب بتقديم هذه التوصية وكأن المجلس كله علماء وخبراء في ال H1N1 وهذه توصية ظاهرها حق وباطنها باطل.
وها يُظهر لنا -في نظري- مدى تعصب بعض أعضاء مجلس الشعب إن وزير الصحة والحكومة يتحركون بخطوات عملية وعلمية نحو نقل مزارع الخنازير (وهي غير مصابة بشيء حتى الآن؛ طبقاً لنتائج العينات المعملية) خارج المناطق السكنية وكنت سأقبل التوصية لو كانت على أساس علمي وبحثي، واليوم تجتمع الحكومة للرد على توصية مجلس الشعب بالإعدام أو القتل وليس النقل!!

وإني أستغرب لماذا لم يوصي مجلس الشعب من قبل بقتل الطيور كلها (وهي مصابة بأنفلونزا الطيور القاتلة والتي كان نصيب مصر من قتلاها 10% من قتلى العالم بسببها) لكنه أوصى بقتل الخنازير كلها (وهي غير مصابة بأنفلونزا الخنازير)؟ لماذا لا تٌقتل الطيور كلها وينبغي قتل الخنازير كلها؟ هل لأن الطيور كلها طاهرة والخنازير كلها نجسة؟
كنت أتمنى أن يوصي مجلس الشعب بتناول الأمر بطريقة الدول المتقدمة العلمية، كنت أتمنى أن يطلب مجلس الشعب رأي العلماء والباحثين والمتخصصين في أنفلونزا الخنازير (وهي جديدة وحديثة في العالم كله)، كنت أتمنى أن يوصي مجلس الشعب بشيء علمي على أساس علمي وليس على أساس ديني متعصب. كنت أتمنى أن يقوم مجلس الشورى بجوار مجلس الشعب بدور أكثر فعالية ويستعين بالبحث العلمي العالمي أو تدبير ميزانية ضخمة فورية لباحثين وعلماء محليين عن هذا المرض الجديد الغريب على العالم.

كنت أتمنى أن يعمل الجميع تجاه اختراع لمصل جديد يعين العالم المسكين على أنفلونزا الخنازير وهو ما زال يعاني من الـ HIV وفيروس سي وغيرهما.
كنت أتمنى أن يزيد الاهتمام بتوفير ملايين أخرى من عقار التاميفلو الذي يصلح أيضاً في علاج أنفلونزا الخنازير -التي لم تصل لمصر والحمد لله- إلى جوار علاج أنفلونزا الطيور.
وأقول كل ذلك وأعلن استغرابي من توصية القتل الذي كان يمكن أن يختفي لو سبق لمجلس الشعب أن أوصى بقتل الطيور المصابة حفاظاً على أرواح البشر كما أعلن في توصيته بقتل الخنازير غير المصابة؛ والظاهر إن كلها أنفلونزا.

حماك الله يا مصر الحبيبة من أنفلونزا الخنازير القاتلة
ومن أنفلونزا التعصب الديني الأعمى المدمرة القاتلة.
حماك الله يا مصر العزيزة من أنفلونزا الطيور القاتلة
ومن أنفلونزا مكبرات الصوت المزعجة والمدمرة القاتلة.
حماك الله يا مصر الجميلة من كل ما يدمر جمالك.
حماك الله يا مصر الرائعة من كل ما يدمر روعتك.
إننا نصلي من أجلك يا مصر لتظلي حبيبة في قلوبنا؛
عزيزة علينا؛ جميلة في عيوننا؛ ورائعة في عقولنا.
تعالوا بنا نبني مصر بالحب الصادق والعمل الجاد.
نبنيها بالمبادئ والأخلاق والقيّم والمواطنة لكل العباد.