CET 00:00:00 - 14/09/2010

مساحة رأي

بقلم: أندرو نادر
 عجبت كثيرًا بعدما رأيت آلاف من المواطنين الذين تركوا أزمة انقطاع الكهرباء المزمنة، بعد تصدير الغاز لإسرائيل "برخص التراب", وتناسوا أيضـًا عدم موافقة الحكومة علي ضمانات نزاهة الانتخابات, بل و تركوا مشكلة ارتفاع سعر "اللحمة", وتبديد أموال الشعب على يد "نواب العلاج على نفقة الدولة", و مد قانون الطوارئ و استمرار القمع, و حتي عودة الدكتور البرادعي لقيادة حركة التغيير بعد انتهائه من سفرياته و مشاغله. كل ذلك تم تجاهله و ذهبوا و انطلقوا في الشوارع بالالاف وراء ما اطلقوا عليه "الحرية لكاميليا", فاندهشت كثيرا, كيف يمكن لشخص ان يترك كل تلك الازمات و المشاكل و يذهب وراء ما القي علي مسامعه بدون دليل واضح, خاصة في ظل عدم وجود اي  دليل مقنع علي ادعائهم باسلام السيدة كاميليا شحاته, و لاسيما بعد نفي الازهر تلك الادعاءات.

توقفت و قلت في نفسي انه من الصعب ان يتغلب المواطن المصري عن كسله و سلبيته الا اذا كان مقتنع تمام الاقتناع بقضيته ومتيقن انه يتظاهر من اجل قضية تستحق التظاهر, مما يعني ان هؤلاء الجموع مقتنعون و بشدة ان كامليا اسلمت و تم حبسها رغما عنها في احدي الاديرة (و كأن الاديرة ملغمة بالبلطجية اصحاب السنج و المطاوي) بعد تواطؤ الامن بتسليمها للكنيسة رغم ارادتها و بعد تواطؤ الازهر بانكاره اسلام كاميليا و بتسليم كاميليا لامن الدولة !!! مما دعاني للتساؤل اي عقلية تستطيع ان تصدق تلك الادعاءات الساذجة و تتهم الكنيسة بالخطف و الحبس و تتهم الامن بالتواطؤ و بل حتي الازهر تم اتهامه بالتواطؤ !! تلك العقلية التي تصدق ما تريد ان تصدقه وتكذب ما تريد ان تكذبه, تلك العقلية التي لا تري الا نفسها, تلك العقلية التي تلغي المنطق و العقل في وزن اي امر من الامور, تلك العقلية التي نستطيع ان نسميها "العقلية الطائفية" و هي التي تري ان انضمام شخص الي طائفتها نصرة لها بينما تعتبر ذهاب شخص اخر الي طائفة اخري عارا عليها.
 
تجلت تلك العقلية عندما تظاهر عدد من الاقباط بدير مواس و هم في تمام الاقتناع ان كاميليا زوجة الكاهن قد تم اختطافها من قبل المسلمين, دون وجود اي دليل يدل علي انه قد تم اختطافها, قد يلتمس البعض لهم العذر لكثرة اختفاء القاصرات القبطيات في القري ثم يفاجأون باسلام المختفية احيانا بالقوة ( و لكن ليست هذه هي كل الحالات) و اما في حالات اخري يفاجأوا باسلام المتخفية بارادتها بعد علاقة عاطفية ادت الي هروبها مع شاب مسلم للزواج منه (و كثيرا ما يحدث ذلك), و لكن ايا كان العذر (حتي و لو علي اساس ان "اللي اتلسع من الشوربة ينفخ في الزبادي) من غير المقبول ان يتظاهر الاقباط بعد ذلك الشحن من دون وجود اي دليل مقنع و منطقي علي ذلك الادعاء, فاصحاب تلك العقلية يصدقون ما يريدون تصديقه و يكذبون ما يريدون تكذيبه دون الرجوع للمنطق و العقل.
 
اذكر انني كنت اتصفح احد المواقع القبطية التي تحاول علاج كبت الاقباط علي مدي السنين, و شاهدت فيديو لفتاة الاسماعلية التي اختفت لفترة لنعرف بعد ذلك انها هربت بعد قصة حب مع سائق "توكتوك" حتي تتزوجه و تعلن اسلامها, و داخل ذلك الفيديو تعترف بكل وضوح انها اسلمت بكامل ارادتها و بدون اي ضغوط, ثم اري بعد ذلك التعليقات من قبل بعض الاقباط التي لاتزال مصرة علي انه قد تم اختطافها رغما عنها و تمت "اسلمتها" بالقوة, و كان اكثرها اثارة للدهشة, ذلك التعليق :
"هذا الفيديو مصور تحت إكراه مادى و معنوى و ذلك واضح جداً فى الأتى
 
فى الثانية 44 تقول جملة خطيرة جداً و هى ( ربنا عالم بال فيا ) مما يلخص ما تعرضت له
حالة زوغان العيون و الصوت المخنوق و المرتبك و الدموع المحتبسة
الشحوب الشديد التى هى علية و الهالات السوداء تحت الأعين
واضح جداً أن الكلام ملقن و فى عبارات مسروقة كما قالت وفاء قستنطين سأعيش مسيحية و أموت مسيحية و قد قالت نفس الكلام بالعكس مما يدل على التلقين

واضح جداً من أن الصالون الموجوده فيه مستهلك و لا يوجد فيه أى أثاث أو ديكور و هو يوضح أنه مكان مؤقت
شهادة الإشهار المزعومة أعتقد أنها صورة و ليس أصل
الفارق الإجتماعى و العلمى بينها و بين سائق التوكتوك يدل على الإكراه فكيف و متى تعرفت على ذلك الشخص هل فى المحاضرات فى الجامعة أم فى الكنيسة ؟!! 

الهدف من هذا الفيديو هو التأثير على نفسية الأقباط بعد الصحوة التى هم عليها كل هذا يؤكد أنها أكرهت على هذا التسجيل و لذلك فأنا متأكد بنسبة 99% انها هذا التسجيل ام تحت إكراه و تهديد و تخدير و بناءً عليه أعتبر هذا الفيديو دليل على الإختطاف و الإكراه و دليل إدانة ضد المختطف ( بكسر الطاء ) ثم كيف يعتد بفيديو تم تصويرة و هى تحت أيدى خاطفيها و بناء عليه يعتبر هذا الفيديو دليل على الإختطاف" .. انتهي الاقتباس
من هذا التعليق و من عدة تعليقات اخري علي نفس الشاكلة تستطيع ان تتفهم جيدا نوع العقلية التي اتحدث عنها, فذلك الشخص يحاول و بشتي الوسائل ان ينكر انها اسلمت بارادتها, و كأن اسلام فتاة مسيحية عار علي المسيحية, فتري التلك العقلية تصدق ما تريد ان تصدقه و تكذب ما تريد ان تكذبه.

من جهة اخري, خرج علينا احد الاشخاص مدعيا ان كاميليا قد اعتنقت الدين الاسلامي و كانت تحفظ اجزاء من القران(علي حد قوله !!) بل و تصوم رمضان ايضا دون علم زوجها و كانت مقيمة عند اسرة احد الشيوخ و ذهبت لتعلن اسلامها عند الازهر الذي قام بتسليمها للامن و قام الامن بتسليمها للكنيسة التي قامت بحبسها, و بالرغم من تناقض كلام الشيخ المدعي و الشيخ الذي ادعي انه استضافها وعدم منطقية اقوالهم التي تستند علي ادلة هشة, الا ان هذا الكلام قوبل بتصديق عدد ليس بقليل, مما يؤكد علي تلك الثقافة القبلية التي تصدق ما تريد تصديقه دون اعطاء صوت العقل و المنطق اي فرصة.
 
بل و حتي بعد ظهور فيديو لكاميليا علي مواقع الانترنت الذي تظهر فيه بنفسها لتنفي ما قيل عن اختطافها من المسلمين حسب ادعاء بعض الاقباط في اول الامر و نفت ايضا من جهة اخري ما قيل عن اعتناقها الاسلام كما ادعي بعض المسلمين, وانها تحت رعاية الكنيسة بكامل ارادتها لتقضي فترة بعيدة عن الاسرة بعد معاناة من مشاكل اسرية. ظهرت بعد ذلك اصوات من قبل بعض المسلمين تنكر ان تلك السيدة التي ظهرت هي كاميليا و كأن الشعب المصري يعرف كاميليا تمام المعرفة, و دعوني القي عليكم بعض التعليقات المتحفة التي قيلت مثل:
"اللي في الفديو مش كامليا ولا صوتها" (مش عارف سمع صوتها فين قبل كده !!!)

"هى واحدة تشبهها والفارق بينهم واضح السيدة كامليا عمرها الحقيقى 25 سنة أم البنت التى ظهرت عمرها مابين 18 سنة و19 سنة" (لم اكن اعلم عن نشاط الكنيسة الجديد في القدرة الفائقة علي عمل شبيهة مطابقة لكل مسيحية )
"ان شاء الله وقفة العيد كما هى وغيرها مستمر الى ان نرى كاميليا بشحمها ولحمها وفى مواجهة مع الاعلام وليست دوبليرة فى تسجيل" ( يبدو ان الكنيسة قد تفوقت علي نظام صدام حسين)

" الشيخ ابو اسحاق اصدق عندى من اى فديو مصطنع, الرجل المؤتمن على احاديث رسول الله اصدق, حتى لو ظهرت كاميليا بشحمها و لحمها و كذبت اسلامها سأصدق الشيخ ابو اسحاق ابحثوا عن تعليق الشيخ ابو اسحاق على يوتيوب" (لا تعليق ..)
 
عندما تتأمل في حالة انعدام الثقة الموجودة بين الطرفين, تشعر ان كلا الطرفين يتصيد الاخطاء للاخر, و يصدق و يكذب حسب اهواء و عاطفة تلك الطائفة, فكلا الطرفين لم يتظاهر من اجل الحرية, لأن مفهوم حرية العقيدة مشوه تماما عندهم, لقد تحول مفهوم حرية العقيدة بدل من كونه قضية انسانية تهم اي انسان الي قضية دينية و طائفية ينبغي لطائفة ان تنتصر علي الاخري, و تكشف لك ايضا الثقافة المشوهة عند معظم المسلمين تجاه الاقباط, فحالة الانعزال و التقوقع التي يعيشها الاقباط ,لاحساسهم بالرفض من المجتمع و من ممارسات الدولة تجاهم من تمييز طائفي, جعلت من الاقباط كائنات غريبة و من الكنائس و الاديرة سجون و مباني غامضة لا يستطيع المسلم ان يعرف ما يحدث داخلها, فلذا يكتفي بالمعلومات المشوهة التي تأتيه.

و علي الجانب الاخر تجد الاقباط يفترضون الرفض دائما من المجتمع و لذلك دائما ما يشعرون بانهم غير مرغوب فيهم و لديهم ذلك الوسواس الدائم بانهم مرفوضين من الجميع مما ادي الي تقوقعهم داخل الكنائس و عدم انصهارهم داخل المجتمع المصري. كل تلك العوامل تستطيع بالتأكيد ان تخلق مجتمع طائفي مريض. فانه حتي لو اعتبرنا ان الاقباط ضحية ممارسات بعض المسلمين, فالمسلمين ايضا ضحية ما تفعله الدولة من نشر للجهل و الافكار الوهابية لمقاومة التيار اليساري (و هذا ما فعله السادات عندما اخرج اخرج المارد من القمقم ولم يكن لديه القدرة علي صرفه) و الان قد انقلب السحر علي الساحر.
 
. لكن المشكلة الان ليست من الجاني و من المجني عليه, المشكلة الحقيقية ان كلا الطرفين اصحاب تلك الثقافة القبلية علي يقين من الطرف الاخر عدو يجب التخلص منه. بالرغم من ان الاثنان ضحية نظام قمعي نشر الجهل بين المواطنين و يستمتع بمشاهدة شعبه جاهل و متمزق, و حتي لا يفكر المواطن المصري اي كان دينه و لو للحظة ان كلاهما لن يحصلا علي حياة هادئة و كريمة الا بالتكاتف ضد هذا النظام, و اقول لدعاة التغيير الديموقراطي انه اذا استمر الوضع علي ما هو عليه من انقسام طائفي, فان ذلك يعجل بنتيجتين اما التعجيل بمشروع التوريث و اما امتلاك الجماعة الفاشية للحكم.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٩ صوت عدد التعليقات: ٦ تعليق

الكاتب

أندرو نادر

فهرس مقالات الكاتب
راسل الكاتب

خيارات

فهرس القسم
اطبع الصفحة
ارسل لصديق
اضف للمفضلة

مواضيع أخرى للكاتب

العقلية الطائفية و سنينها

جديد الموقع