بقلم: حنا حنا المحامي
فى عدة مناسبات كتبت عن تصرفات الاخوه المسلمين وكيف أنهم يسيئون إلى الاسلام. ولنبدأ من واقعة تدمير وحرق برج التجاره العالمى مما تسبب عنه وفاه ثلاثة ألاف فرد . وطبعا كانت تلك الوفاه بشعه مؤلمه لكل إنسان يطوى بين جنباته شيئا من الاحساس بالانسانيه. وترتب على تلك الجريمه زرع الاسى والحسره ليس فى نفس ثلاثة آلاف عائله فقط بل فى نفس الاغلبيه الساحقه من الشعب الامريكى. وما لبثت أوروبا واستراليا أن أوجسوا خيفة من المسلمين بالاضافه إلى أمريكا التى أصابها صدع لا يندمل.
أوروبا واستراليا لم ينتظر قلقهما طويلا بل راح الاخوه المسلمون يعطوهم فرصا للهجوم عليهم بسبب أعمال العنف والتدمير التى ارتكبوها فى انجلترا, واسبانيا, وفرنسا وهولنده. فما كان من الدانيمارك إلا أن راحت تتوغل فى قلب الاسلام ورسول الاسلام. فنشرت الرسوم الكاريكاتوريه المعروفه. وقد قوبل هذا العمل بكل العنف من قبل المسلمين. طبعا قوبل هذا العنف من السلطات البريطانيه والاسبانيه والفرنسيه والهولنديه بصد العنف وطبعا لا يصد العنف إلا بأعنف منه. أما الدانيمارك فقامت بإجراءات تحد وتجمعت الصحف ونشرت الصور الكاريكاتيريه لنبى الاسلام. هنا خلد المسلمون إلى إعمال العقل للمرة الاولى فصادفوا هذا التحدى بالهدوء والسكينه ومن ثم مرت الازمه بكل سلام.
فى كل بلاد المهجر أقام السلمون الجوامع والمدارس التى تعلم القرآن واللغه العربيه وما إلى ذلك. ولما كانت كل تلك البلاد تؤمن بحرية العقيده حسبما نصت دساتيرهم, ولما كانت تلك الدساتير والقوانين المنبثقه منها قد سنت لتحترم وليست لتخالف, فقد نعم الاخوه المسلمون بممارسة شعائرهم بحرية كامله فى تلك البلاد.
إلا أن تلك الدول لا زالت توجس خيفة من المسلمين بسبب العنف الذى يمارس فى الدول العربيه نفسها ضد الاقليات مثل مصر والعراق وإيران ولبنان وقطاع غزه ... إلخ.
فى ظل هذا المناخ العالمى والنظره الحذره عن المسلمين, تفتق ذكاء الإمام رؤوف فيصل فى نيويورك أن يقيم مسجدا ومركزا ثقافيا على بعد أمتار من أشلاء برج التجاره العالمى والذى لم تجف دماؤه بعد.
ما معنى هذا التصرف؟ معناه بكل بساطه "إننا دمرنا هذا المكان وقتلنا فيه الآلاف, مع ذلك سنطا بأرجلنا وأقدامنا تلك البقعه ونظهر بمظهر المنتصرين بل سننتصر على القهر بمزيد من القهر. إننا لن نعتذر عما ارتكبناه فى حق الدوله التى فتحت لنا أذرعها سنتحدى بكل كبرياء ذلك الاتهام ونثبت أننا قاهرون منتصرون ولو كره الكارهون. إننا هنا فى موقع هزيمتكم وسنكرر ما حدث ما لم تحققوا ما نصبو إليه لتعرفوا أننا اصحاب القوه وها أنتم تشاهدون أننا أقوياء فى سلوكنا وتصرفاتنا فعلينكم أن تخلدوا معنا إلى السلم لتتقوا قوتنا وبأسنا". أو على الاقل هكذا فهمها الامريكيون.
للعلم الامريكى من أكثر الشعوب تواضعا بل لا يعرفون معنى الغطرسه والتكبر بل يتسمون بالوداعه والتواضع والادب الجم. مع ذلك فهم يعتزون جدا بوطنهم ولا يخافون فى سبيل الذود عنه أى شئ فى هذا الكون حتى الموت. من هنا بدأ الامريكيون يتمردون على هذا التحدى السافر فى عقر دارهم.
إن الاخوه المسلمين يعرفون أن فى أمريكا وأوروبا واستراليا حرية كامله للعباده, ولكن فى الدول الاسلاميه أو التى تطلق على نفسها إسلاميه فلا تؤمن بهذه الحريه. وهم يتصورون أن فى ذلك تطبيقا للحقيقه فهم أصحاب دين الحق الذين يمارسون عبادتهم لدى أصحاب دين الباطل. هذا المفهوم هو الذى جعلهم يدوسون على مشاعر الامريكيين فكانت النتيجه أن هاج المواطنون الامريكيون وماجوا واحتدوا وتظاهروا ضد مسجد قرطبه المزمع إنشاؤه على أشلاء وجثث الضحايا.
هذه الصوره من عدم احترام مشاعر الغير أنتجت إثارا سلبيه ليس على المسلين فقط ولكن على الاسلام أيضا. فلأول مره نرى أن الامريكيين ينتقدون ويهاجمون الدين الاسلامى –وليس المسلمين فقط – فانتشرت معلومات لم يكن يعرفها المسلمون أنفسهم. وطبعا لسنا فى مجال بحث صحة هذه المعلومات أو كذبها, ولكننا بصدد آثار سلبيه أتت بها تصرفات المسلمين التى لا تؤمن باحترام الغير أو مشاعر الغير أو أديان الغير.
الاكثر من ذلك أن معاملة الاقليات المسيحيه فى الدول الاسلاميه يتصور الساده حكام تلك الدول أن العالم لا يدرى ولا يعرف, وهذا خلافا للحقيقه فإن تصرفات الاخوه المسلمين دفعت العوام الامريكيين أن يقرأوا ويعرفوا الكثير لأن الشعب الامريكى شعب قرّاء يهوى القراءه والمعرفه على عكس كل الدول العربيه أو الاسلاميه بإطلاق التى لا تقرأ البته بل تسمع السباب والشتائم والتحريف من شيوخهم. فضلا عن أنهم يمارسون حقهم فى يناء مساجدهم بيسر وسهوله بينما يحرمون الاقليات فى الدول الاسلاميه من هذا الحق. هذه الحقيقه أصبحت معروفه لدى الشعب الامريكى بعد أن كانت لا تعنيه المسائل الدينيه إذ أنه شعب يحترم الدستور والقاون ولم يكن هذا الاحترام إلا وليد احترامهم لدستورهم. ولكن للأسف تجد أن الاخوان المسلمين اجبروا الامريكيين على النظر إلى المسلمين بعين التشكك فى ممارسة هذا الحق.
من هنا كانت وقفة الامريكيين إزاء مسجد قرطبه. وقد تجاوز الآن عدد المعارضين كتابة مائة ألف من الامريكيين وتجاوز الملايين شفاهة من الامريكيين. هذا فضلا عن المقالات والهجمات الساخنه التى تعترض على بناء المسجد فى تلك المنطقه.
والآن ماذا لو نجح الساده المسلمون فى بناء المسجد فى تلك المنطقه؟ الاجابه أنهم سوف يحققون ذلك على أسنة الرماح فيكتسبوا المزيد من الاعداء من الامريكيين والمزيد من النقد والتجريح فى الدين الاسلامى والمزيد من القلق والاضطراب وإثارة الكراهيه ضدهم. وأخيرا وليس آخرا مزيدا من اساءتهم للدين الاسلامى.
ولست أدرى إذا كان الوقت قد أزف أم لا ذلك أنى لو كنت مكان الامام رؤوف فيصل لاصدرت بيانا رسميا أعتذر فيه عما حدث فى الجراوند زيرو ولطالبت الامريكيين بالسماح ببناء هذا المسجد وتطييب خاطر الامريكيين ونقد ما حدث فى الحادى عشر من سبتمبر. وإذا لم تفلح هذه السياسه فإنى أبحث عن مكان آخر معبرا عن احترامى لمشاعرهم. أما الخيار الثانى فإنى كنت إعبر عن احترامى لمشاعر الامريكيين منذ البدايه وأبحث عن مكان آخر لبناء ذلك المسجد حتى لا أثير مزيدا من السخط والكراهيه بل أكتسب محبة واحترام الامريكيين. |