بقلم : صفوت سمعان يسى
سخلاى جبرى و زودتى زى والده ...ما هو مكتوب ليس خطأ كتابى وإنما اسم رجل و زوجته أفارقة إثيوبيين أصحاب قصة إنسانية مؤلمة تبدأ من أثيوبيا وتنتهى فى سجون مصر و هى قضية خسرت فيها الإنسانية إنسانيتها .
فمنذ أربعة سنوات قرر سخلاى جبرى 37 سنة الهرب من أثيوبيا هو وأسرته التى تتكون الزوجة زودتى زى والده 33 سنه و أطفالهم الثلاثة الذكور وهم زارد 6 سنوات وارميا 3 سنوات و ثمسجند ستة أشهر بسبب قلة مصادر الرزق لكثرة المجاعات التى تحيط بالقارة الأفريقية بسبب أعمال الحروب الشرسة بين اريتريا وأثيوبيا بالرغم من أنهم من عائلات واحدة وتوجد بينهم مصاهرات ولغة واحدة إلا ان نزعة الانفصال أدت إلى اشتعال الحروب التى أكلت الأخضر واليابس وجعلت الحياة جحيما لا يطاق ..
فلقد طلب منه ان يلتحق بالتجنيد الأجبارى لكثرة الخسائر البشرية فى الجيش بالإضافة إلى كثرة الهاربين منه ... وما أدراكم ماهى الخدمة العسكرية فى كل من أثيوبيا واريتريا حيث يترك المجند فى الغابات بدون تموين أو طعام لأيام وأحيانا شهور وكل الذى يمتلكه ويكون مملوء هو بندقيته وحتى هذه لا تحميه من عصابات حرب الغابات الشرسة التى تقطع وتجز الرؤوس بدون رحمة ... وأسقط فى يديه ماذا يفعل فهو يعول أسرة وأطفال وهم مازالوا صغار جدا فمن يعولهم أثناء تأدية الخدمة العسكرية التى من الممكن ان تستمر لأكثر من عشرين سنة وإذا وافته المنية فى تلك الحرب ستتدمر أسرته بالكامل وتتشرد.
وأخيرا عقد العزم على الرحيل هو وأسرته تحت جناح وستار الليل الدامس متخطيا كل الحدود و الأخطار فليس هناك خيار أخر أمامه ، وتسلل حتى وصل إلى حدود السودان مارا بالجنوب حتى الشمال وسكن سفوح الجبال وافترش الصحراء ليلا وسط الوحوش والزواحف التى لا ترحم وكانت رحلة دامية حيث أكلوا كل ما وقعت يداهم عليه من كثرة الجوع ...وفى أثناء رحلة الهروب تقابلوا مع المئات من المهاجرين من الصومال وأثيوبيا واريتريا الهاربين من الفقر والمجاعة والحروب ومن الهاربين من التجنيد ومعهم أسلحتهم وكانوا متعاونين ومتعاطفين مع بعضهم البعض وما يجدونه من طعام يتقاسمونه مع بعضهم البعض بغض النظر عن جنسيتهم وأديانهم فما فشلت فيه دولهم من إحلال السلام بينهم هم نجحوا بإحلال روح المحبة والأخوة فيما بينهم ...!!
حتى وصلوا إلى الخرطوم ..... وبعد وصولهم حاول سخلاى مرارا ان يجد عمل لكى يسد به أفواه أطفاله الجائعين الذين لم يجدوا كسرة خبز واحدة لكى يأكلوها حتى لو كانت جافة وأخيرا وجد تعاطف من بعض الخيرين السودانيين وألحق بإعمال بدائية بسيطة تدر بالكاد معيشته هو وأولاده ولفترة محدودة ، ولكن أحست السلطات السودانية بوجودهم نظرا لكثرة تزايد الأعداد وتوافدهم فى الخرطوم بشكل ملحوظ فهى تحارب فى دارفور ولا تريد شغل الجبهة الداخلية بقضية ومأساة إنسانية أخرى وقامت بالقبض عليهم وترحيلهم إلى الشمال بالقرب من الحدود مع مصر فى معسكرات اللاجئين وهم يقدر عددهم بعشرات الألوف يعانون من نقص هائل من المواد الغذائية والمياه والمواد الطبية بالرغم من ان المعسكر يخضع تحت أشراف الأمم المتحدة ومحاط بالأسلاك الشائكة .....
واحتجز سخلاى وأسرته فى المعسكر لشهور فى أوضاع إنسانية بالغة السوء نظرا لتكاثر الأعداد و توافدهم بالمئات يوميا على المعسكر، ولكن ما أن سنحت له الفرصة للهروب فهرب إلى الخرطوم مرة أخرى لأسابيع حتى يوفر الحد الأدنى للمعيشة وعمل لعدة أسابيع بالخرطوم عند أقرانه المقيمين بصورة شرعية ووفر لنفسه ما يغطى تكاليف حياته ... ولكن تم القبض عليه وإرجاعه للمعسكر مرة أخرى ....
وما حدث فى كل مرة فى هروبه وإرجاعه من إهانة وضرب و احتجاز فى أماكن صعبة ...جعله يفكر جديا فى الهروب للحدود المصرية مع مجموعات من الإريتريين والأثيوبيين عن طريق القبائل العربية آملا فى العيش فى مصر أو عبور الحدود الإسرائيلية أو للسفر إلى دول أروبا ولكنه لم يملك ما يغطى تكاليف هذه الرحلة..رحلة الأحلام والآلام....
ولكن حدث تطور سريع ومفاجئ فلقد قررت الحكومة السودانية ترحيل كل اللاجئين الموجودين على أراضيها فجأة إلى بلادهم بالاتفاق مع حكومات اريتريا وإثيوبيا والصومال ودخلت القوات معسكرات اللاجئين بعشرات العربات النقل المحملة بالجنود وقامت بتحميل اللاجئين عنوة و بالقوة على عربات النقل وبضرب نار على كل من يفكر بالهروب وكان المنظر دامى ويشبه دخول ذئاب جائعة عش فراخ ومن هرج ومرج ولكن بالرغم من كل ذلك هرب سخلاى وأسرته من الموت المحقق إلى الصحراء مع مجموعة من الفارين من المعسكر ووجد هناك تجمع كبير من اللاجئين تجمعهم قبائل عربية تمهيدا لتهريبهم عبر الحدود المصرية لمصر وكانت المجند الهارب يسلم بندقيته نظير تهريبه وكان كل رأس يدفع مئات الدولارات للتهريب ... ولكن سخلاى لم يكن يملك ويتوفر لديه المبلغ ولكنه استطاع بعد جهد أن يقنعهم أن يقبلوا كل ما معه وأعطاهم كل ما يملك للهرب لمصر .. و
فى منتصف الليل تم تجهيز عشرات من عربات الدفع الرباعى وتم تحميل كل عربة بعشرات اللاجئين بخلاف عربات تحمل صناديق يوحى شكلها بأنها عبوات أسلحة وذخيرة ...وتم اقتحام الحدود المصرية وسط طرق وعرة ومدقات صعبة وتم تفريق عربات الدفع الرباعى بعدة اتجاهات حتى يصعب ضبطها كلها ... ولكن حرس الحدود المصرى القى القبض على عربة محملة بالذخيرة والمتفجرات عندما غرزت عجلاتهم فى بحر الرمال لثقل الأحمال ومعهم بعض اللاجئين مما اضطر المهربين العرب إلى تفريغ كل عرباتهم من المهاجرين والعودة فورا للحدود قبل ضبطهم تاركين اللاجئين وسط الصحراء القاحلة فى رحلة شاقة وسط دروب من سلسلة من الجبال .. كما جابت طائرات الهليكوبتر السماء بحثا عن عربات الأسلحة التى قد تكون مخصصة لدعم عمليات القاعدة بمصر أو من إيران لدعم حماس وتم إرسال قوات برية بالعربات فورا لضبط اللاجئين خوفا من ان يكون بينهم إرهابيين من القاعدة وخصوصا ان معظم اللاجئين سحنتهم لا تشكل فرقا عن مواطنى محافظة أسوان ولان معظمهم يجيد العربية وتم القبض على العشرات منهم والزج بهم فى أماكن الحجز بالعشرات .. اما سخلاى فلقد تمكن من الإفلات والهرب و شق رحلته وأسرته من الشرق بعد ان مات عشرات من اللاجئين من المرض والشمس والجوع وأحيانا من تبادل أطلاق الرصاص بين المهربين وحرس الحدود .. وما أن وصلت مجموعة منهم والتى بها سخلاى وأسرته إلى مدينة اسمها نصر النوبة التابعة لمدينة كوم امبو التابعة لمحافظة أسوان حتى سلموا أنفسهم هناك لأنه لم يعد لديهم أى شىء يأكلوه أو يشربوه لأنه ساءت حالتهم إلى ابعد حدود بعد رحلة ثلاثة أسابيع شاقة قاتله فى دروب الصحراء القاحلة وكان عددهم يتعدى مائة وسبعة وثمانون لاجىء وكان ذلك فى شهر فبراير 2008 ... واعتقدوا ان بوصولهم مصر حلت مشاكلهم ولكنه عشم إبليس فى الجنة .. فلقد انتهت الرحلة المأساوية لتبدأ المأساة الإنسانية !!!
رئيس مجلس أدارة
مركز وطن بلا حدود للتنمية البشرية وحقوق الإنسان وشئون اللاجئين
عضو بمنظمة العفو الدولية |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|