بقلم نسيم عبيد عوض
تعريف بالقديس:
القديس مرقس أفريقى المولد , ولد فى مدينة القيروان إحدى الخمس مدن الغربية فى أقليم ليبيا , فى بلدة تدعى ايريانوليس , وهو يهودى من سبط لاوى , يحمل اسمى يوحنا ( يهوديا ) ومرقس ( أمميا ) لأنه بشر بين اليهود والأمم , والاسم الأممى للقديس مرقس هو الأكثر شهرة , وهو إسما يونانيا.
ولد القديس مرقس لأب غنى يشتغل بالزراعة اسمه ارسطوبولس, وهو ابن عم أو ابن عمة زوجة بطرس الرسول , كما أنه ابن أخت القديس برنابا الرسول أحد التلاميذ السبعين " يسلم عليكم أرسترخس المأسور معى ومرقس ابن أخت برنابا الذى أخذتم لأجله وصايا . كو4: 10" , أما أمه فكانت موسرة المال أحسنت تثقيفه, فعلمته اللغات العبرية واليونانية واللاتينية فأتقنها جميعها , وتحدث وكتب بهذه اللغات , أما الثقافة الدينية فجاءته من أسرته التى نشأ فيها والتى كان أغلب أفرادها لهم صلة بالسيد المسيح نفسه , فبعد أن علمته أمه كتب الناموس والأنبياء , وجد نفسه بين أمه مريم التى كان بيتها أول كنيسة و مكانا لصلاة المؤمنين واجتماعاتهم فى عصر الرسل (أع 12: 12 ) , وكانت إحدى المريمات اللاتى تبعن السيد المسيح , وهى نفسها التى كانت ضمنهم عند ذهابهن للقبر.
أما كيفية مجئ أسرة مرقس لفلسطين , فكان نتيجة لهجوم قبائل البربر على القيروان وبلادها ونهبت ضمن مانهبت أملاك أسرة القديس , فأضطرت الاسرة الى الهجرة الى فلسطين , وكان ذلك فى عهد أغسطس قيصر , وعندما استقرت أسرته فى فلسطين , كان السيد المسيح قد بدأ خدمته , فانضم اليه مرقس ضمن تلاميذه , وتبعته كذلك أمه مريم .
كرازة القديس مرقس فى مصر:
قدم القديس للأسكندرية عن طريق الواحات ودخلها من الجهة الشرقية , وكان طوال طريقه ماشيا على قدميه حتى أعياه التعب , وجد نفسه وحذائه قد تمزق من كثرة السير , فاتجه مباشرة لأول اسكافى يقابله فى المدينة , وكان اسمه انيانوس ليصلح له ماتمزق من حذائه , وكان ذلك تدبيرا الهيا , فبينما الرجل يصلح الحذاء دخل المخراز فى أصبعة , فخرجت منه صرخه تقول ( أيسثيئوس) أى " يا الله الواحد " فكانت هذه الصرخة هى بداية كرازة القديس مرقس فى الأسكندريه ثم فى مصر كلها , فبعد انى خرجت من الرجل هذه الجملة , والتى سعد بها وأعتبرها أرضية طيبة له للحديث معه وخصوصا مع رجل يعرف الله الواحد , ولكنه أرجئ الحديث معه إلى أن يشفيه من آلامه, وهكذا فعل بقطعة من الطين تفل عليها ودهن بها أصبع أنيانوس , وقال " بأسم يسوع المسيح ابن الله ترجع هذه اليد سليمة , فالتأم الجرح فى الحال وكأن شيئا لم يكن , وكأن لم يكن قد حدث جرح أصلا بيد الرجل من قبل.
وفى تعجب ودهشة أنيانوس من المعجزة التى حدثت باسم يسوع المسيح , تفتح قلبه لكلمة الله , فكان التساؤل والحديث من القديس مرقس , والتى كانت البذرة الأولى للمسيحية فى مصر كلها. فبعد الإنتهاء من إصلاح حذاء القديس دعاه الرجل الى منزله ليستكمل الاستماع الى الحديث الممتع , الذى ما ان أنتهى القديس منه إلا وأنيانوس وأهل بيته قد آمنوا بالسيد المسيح , وعمدهم القديس وكان هذا البيت هو باكورة المؤمنين فى الكرازة فى أرض مصر كلها , بل أن هذا البيت أصبح فيما بعد كنيسة سميت باسم ما جرجس.
وهكذا بدأت البشارة بالمسيح فى مصر , حتى أخذت المسيحية تنتشر وتزدهر فى الربوع والبقاع ودخلت قلوب الشعب حتى غطت أرض مصر وكل ارجائها , وفى نفس الوقت أخذت الوثنية تنهار أمام تعاليم ذلك القديس العظيم رسول السيد المسيح .
دخول المسيحية مصر:
عمل روح الله القدوس الكثير مع القديس مرقس فوقف متحديا الصعاب , ويبشر فى كل مكان بكلمة الرب التى رآها وسمعها , وبقدرة الهيه , تفتحت قلوب المصريين وتحول الكثير من المصريين الى الإيمان بالمسيحية , حتى أن بعض المؤرخين وصفوا الأسكندرية فى تلك الفترة ب " أورشليم الثانية " بعد حلول الروح القدس عليها, تعبيرا عن سرعة نمو كلمة الرب فيها , حتى أن كل بيت من بيوت المؤمنين أصبح به مكانا مقدسا يؤدون فيه الاسرار الالهية المقدسة فى عزلة تامة , حتى أن الكثير منهم ترك ممتلكاتهم مقتدين بتأثير كلمات القديس عن سيرة الانبياء وتلاميذ المسيح وأقواله نفسها , " ثم دعا الجمع مع تلاميذه وقال لهم من أراد أن يتبعنى فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعنى . لأن من أراد أن يخلص حياته فليهلكها , ومن أهلك حياته من أجلى ومن أجل الإنجيل يخلصها , لأنه ماذا يستفيد الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟ أو ماذا يعطى الانسان عوضا عن نفسه؟ " مر8: 34-38"
فى هذا كله لم يكن القديس مرقس يعرف عن كلمة الأسقفية , فكان له هدف واحد فقط جاء لأجله , هو التبشير والكرازة ونشر كلمة الرب يسوع , وكل همه هو التجول فى كل انحاء مصر ومعه الروح القدس يسانده ويرعاه ويبارك خطواته ويرشده , فكان تأثيرة فى الأسكندرية ثم فى باقى مصر تأثيرا واسعا وعميقا فى نفوس الشعب , فانجذب أغلبهم الى الله , بل أنهم بدأوا يزهدون الممتلكات والمادة , وتحطمت أمام دعوته بالإيمان المسيحى التى تبشر بالله الواحد وابنه يسوع المسيح الكلمه , تحطمت الأصنام وانكر الكفار الوثنيه فى مصر. وهكذا مع مرور الزمن دخلت المسيحية الى قلوب المصريين , وظلت تنمو وتزدهر ومازالت حتى اليوم وإلى الأبد , وبفضل القديس مرقس الرسول.
القديس مرقس البشير :
كان القديس مرقس البشير من تلاميذ الرب السبعين الذين شرفهم بالرسالة , فكان كاروزا للبشرية كلها , ولهذا القديس فضل ندين له به وهودخول المسيحية فى مصر , وأول من كتب إنجيلا سجل فيه حياة السيد المسيح وأعماله وفداءه لكل البشر . ويتميز الانجيل حسب ماكتبه لنا القديس مرقس بانه بدأ بالحديث عن حياة السيد منذ بدء رسالته ومسيرته , منذ الثلاثين من عمره , فاستهل إنجيله " بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله "
وكتب القديس إنجيله أولا باللغة اليونانية التى كانت معروفة تماما فى الأسكندرية ثم ترجم بعد ذلك الى اللغة اللاتينية ثم الى القبطية. وقد تميز القديس مرقس فى إنجيله بالدقة التامه فى العرض , مع ذكر كافة التفاصيل للأسماء والأزمنة والمكان والأعداد والألوان , مع تفصيله للملامح والمشاعر وهذا كبر دليل على وجوده كشاهد عيان على الأحداث التى سجلها فى إنجيله .
ونظرا لبشارته فى مصر فى ظل حكم الرومان لها , وهو يعلم بأن الرومان يعتزون بقوتهم كأمبراطورية عظيمة تحكم العالم فى وقتها , كما أنهم يهتمون بالعمل فى المقام الأول , قدم القديس إنجيله فقدم لهم السيد المسيح فى عمله وقوته , وسجل لهم أقواله , ليقدم المسيح القوى , ابن الله , صاحب السلطان على كل شئ .
ونحن أقباط مصر مدينون للقديس مرقس بالكثير , فهو الذى كرز فى بلادنا باسم المسيح , وسفك دمه الطاهر على أرضنا , وأول من كتب إنجيلا من أقدم الأناجيل وعلى أرضنا أيضا, فى مصر وسميت أول كنيسة باسمه الطاهر , وفيها دفن جسده , فهو الرسول , والكاروز , والشهيد , والإنجيلى , ناظر الإله .والذى فى بيته أسس الرب سر الأفخارستيا وفيه حل الروح القدس على التلاميذ. كان كاروزا للمسكونة كلها بقاراتها الثلاثة وقتئذ – أوروبا وآسيا وأفريقيا- وضع أقدم القداسات التى نصلى بها فى كنيستنا وهو القداس المعروف بالقداس الكيرلسى , والقديس مرقس أول مؤسس لمدرسة لاهوتيه فى الأسكندرية وفى العالم, والتى أثرت المسكونة بعلمها ونور هديها , وكانت الكنيسة المصرية المجيدة أول عمله الأساسى فى الكرازة . |