بقلم: حنا حنا المحامي
من المعروف أن الحاكم ينادى عادة بمبادئ رنانه يجذب بها الشعب ويدفع فيه الامل لحياه أفضل وحياه كريمه تسودها الحريه والعداله والمساواه. ولكن إذا ما تقلد السلطه يجد نفسه أمام عوامل تدفعه على تغيير المسار الذى كان هو نفسه يتطلع فى أن يسلكه. ويحكم هذا المسار عدة عوامل أهمها النظره الحقيقيه إلى حق الشعب فى حياة حره وكريمه. على ذلك يكون على الحاكم أن يضع نصب عينينه هذا الهدف وهو رفاهية الشعب بأقصى درجه تسمح بها الامكانات المتاحه والظروف التى تحيط به سواء كانت سياسيه أو إقتصاديه أو اجتماعيه.
ولما كان رئيس الدوله فى النظام الرئاسى هو الذى يحدد الخطوط الرئيسيه لسياسة الدوله, فمن ثم يكون هو الذى يحدد المسار والعوامل التى تحدد رفاهية الشعب.
وعادة تكون رفاهية الشعب هى جزء من رفاهية الحاكم ومن ثم يكون المسار واحدا أو على أحسن تقدير يكون متوازيا.
ولكن قد تحدث ظروف تجعل الحاكم يسعى إلى رفاهيته الشخصيه أولا. ومثل هذه الظروف تكون طبيعة الشعب نفسه كأن تكون من طبيعة الشعب التذمر مهما كانت الاوضاع أو أيا ما كانت الظروف. والحاكم المحنك هو الذى يعالج مثل هذا المشاكل النفسيه التى تراكمت فى الشعب عبر سنوات طويله وأعقاد بل وقرون. وهذا هو الطريق الصعب الذى يسلكه الحاكم إذ عليه أن يبنى جسورا من الثقه بينه وبين الشعب. وهذا هو أصعب المسالك السياسيه لأنه يقتضى حنكه وتخصيص خبراء نفسيين أو اجتماعيين وسياسييين يرسمون الخط أو الخطوط التى تبنى جسور الثقه بين الحاكم والحكوم.
وهذا الاسلوب رغم أن به بعض الصعوبات إلا أنه يحقق أفضل النتائج ويحقق استقرارا اجتماعيا دون خلق حساسيات أو اضطرابات اجتماعيه. فتكون النتيجه أن جميع أفراد الشعب ينجرفون فى تيار اجتماعى وسياسى متناسق دون اضطرابات أو حساسيات.
ولكن فى كثير من الاحيان وبالاخص فى دول الشرق الاوسط بما فيهم مصر, يبحث الحاكم على رفاهيته أولا فإذا ما تعارضت مع رفاهية الشعب, بطبيعة الحال فضل رفاهيته ولتذهب رفاهية الشعب إلى الجحيم.
وتلك الحقائق تقودنا إلى فكرة الخلود. فمثلا نرى أن كمال أتاتورك مخلد فى تاريخ تركيا بل فى تاريخ العالم. ذلك أنه سعى بالدرجة الاولى إلى رفاهية الشعب إن هذه الرفاهيه قد انعكست عليه فنرى كيف أن الشعب التركى خلده بل خلده العالم بأسره كحاكم مثالى سعى إلى رفاهية شعبه. فأحبه شعبه ولا نقول أن الشعب خلده بل أعماله وثقب نظره هو الذى خلده لأنه كان مخلصا لبلده لم يسع إلا إلى رفاهية الشعب فمن ثم تحققت رفاهيته التى تتمثل فى بقاء حكمه مدى الحياه وترك بصماته على تاريخ تركيا من سلام وازدهار ونجاح. ويتعين التنويه أن بقاء حكم أتاتورك كان بإرادة الشعب الصادقه والتى عبر عنها بكل حريه. ذلك أن الشعب التركى كان يتطلع إلى الحريه والعداله بعيدا عن القيود الدينيه التى أثقلت حكم العثمانيين. وكان فى أتاتورك الحلم الذى تحقق.
ولكن من الحكام من يسعى إلى رفاهيته أولا. فتكون النتيجه أن تتحقق تلك الرفاهيه على حساب الشعب فلا يكون ثمة بد من التضحيه بمصلحة الشعب فى سبيل رفاهية الحاكم. وهذا اللون من الرفاهيه تكون موقوته مهما طالت مدتها. فلدينا عدة أمثله تكون مثلا ومثالا لرفاهية الحاكم وكيف أنها تتحقق على حساب الشعب. مثل هذه الرفاهيه لا يمكن أن تدوم مهما طالت. فإننا نعرف مثلا كيف أن وجيه أباظه قد أحس بالقهر والاغتيال مما أثر عليه بل على حياته.
قص لى صديق أن أحد أقاربه كان يمتلك مع مجموعه بعض الاراضى فى منطقه بالاسكندريه. وإذا برجال الحاكم يستولون على تلك الارض عنوة واقتدارا ويرغمون أصحاب الاراضى علىالرحيل حتى دون تعويض. كانت النتيجه أن وقع من وقع وفارق الحياه, وأصيب بنوبه قلبيه من أصيب, ووقع فريسة للأمراض والانكسار من وقع أى أن جميع المشتركين اشتركوا فى مشروع آخر الا وهو مشروع الانتقال إلى العالم الآخر مغلوبا على أمرهم. وانتقل جميعهم بعد أن كانوا فريسة لرفاهية الحاكم. ولكن كيف كانت أدعيتهم إلى السماء وماذا كان صراخهم إلى السماء؟ وهل يمكن أن نتصور أن السماء تنعس أو تغمض عينيها؟ بالطبع لا.
وهنا يثور التساؤل كيف ينعم الحاكم بهذا النوع من الرفاهيه التى تتحقق على أشلاء كل الاعتبارات الانسانيه؟
ويتعين أن نذكر أن الحاكم بمفرده لا يمكن أن يستأثر بهذا النوع من الرفاهيه. ذلك أن الحكم يقتضى رجالا على قمة السلطه. والناس على دين ملوكهم فهم لا يترددون بأن يحذوا حذو الحاكم بل يكونوا هم روافد للحاكم يحققون تلك الرفاهيه وبنفس الاسلوب. وسحقا للمثل القائل إن البقاء للأصلح, بل إننا نجد أن البقاء للأقوى. وهكذا يسود هذا المبدأ.
وبسياده هذا المبدأ "البقاء للأقوى" يطغى هذا الاحساس رويدا رويدا على الحاكم وأعوانه وتابعيه فلا يلبث أن ينفصل عن المحكوم فيعيش فى برج رفاهيته وينفصل رويدا رويدا عن الشعب فلا يلبث أن تكون رفاهية الشعب أسطوره لا يعبأ بها ولا تدخل فى حسبانه أو فى سياسته.
وباستمرار هذا الانفصال بين رفاهية الحاكم ورفاهية الشعب, يسعى كل فرد إلى رفاهيته بالاسلوب الذى يتناسب مع إمكاناته حتى لو كانت غير مشروعه. ومن هنا تنتشر الانانيه الطاغيه التى تدفع كل فرد فى المجتمع إلى أن يحقق رفاهية ذاته. ولما كان هذا الاسلوب يحقق تعارضا بين المصالح والرفاهيات فمن ثم تصطدم تلك المصالح وتنتشر الانانيه الطاغيه, كل فرد يريد أن يحقق رفاهية ذاته ولو داس على الآخرين, ذلك أن المعايير الانسانيه تكون قد اندثرت فى خضم الصراعات الانويه.
مما تقدم يمكننا أن نقول إن رفاهية الشعب تحقق رفاهية الحاكم, أما رفاهية الحاكم إذا أخذت فى الاعتبار فتكون دائما على حساب رفاهية الشعب. |