بقلم: سحر غريب
أضع على جوّالي قائمة من التحذيرات حتى لا تمتد أيادي الأوغاد الصغار ناحيته، ولولا خوفي من كلام الناس لوضعت قفلاً حديديـًا على التليفون الأرضي، وذلك بعد أن لاحظت شغف طفلي بمسابقات التليفزيون البلهاء، المغفل ما زال يعتقد أن تلك المسابقات هي مسابقات مصيرية، وأنه يستطيع بضغطة زر واحدة أن يحصل على مستقبل باهر، وآلاف الجنيهات واللعب.
حاولت مرارًا وتكرارًا أن ألفت نظره للوهم الذي تبيعه تلك الإعلانات والمسابقات للمغفلين أمثاله، ولكنه لم يقتنع؛ فإلحاحهم المستميت يجعله يعتقد أن تلك المسابقات هي كالحياة والموت، من المُسلمات التي لا يجوز التشكيك فيها، فكان دائمـًا يركض ناحية الورقة والقلم ليكتب أرقام التليفونات المطلوب منه الاتصال بها.
يبدو أن ما يعاني منه ابني هو إرث عائلي تتوارثه الأجيال، فقد تذكرت طفولتي البعيدة عندما كنت في مثل عُمر طفلي الصغير، وكنت ساذجة مثله تمامـًا، وكان عندي يقين بأن التليفزيون كله خير ولا يروّج إلا للشرفاء؛ فصدقت مسابقة "لبان بم بم" الشهيرة التي لعبت برغبات الصغار وأنا منهم، وأفسدت العلاقة بين العديد من الأبناء وآبائهم، وزعزعت الثقة المفروض أن تجمع بينهم.
فقد جعلتنا تلك الإعلانات اللحوحة نشتري الألبوم واللبان لكي نجمع الكوبونات حتى نحصل على العجلة الموعودة، وكنا نقوم بهذا سرًا ولا أجدعها مُهرب مُحترف، وعندما علم والدي بأمر الألبوم.. كان يومـًا لا يُنسى؛ حصلت فيه على محاضرة في أضرار السفاهة والهيافة، وقبل منهما اللبان.
وقد خلق لديّ هذا التكرار قناعة بأن الانتقام دائمـًا يأتي من جنس العمل، وأنك دائن مُدان، فنفس المحاضرة التي تلقيتها خلال طفولتي هي صورة طبق الأصل من محاضرتي لابني، وكأن التاريخ يعيد نفسه؛ فقديمـًا كان لدينا "بم بم"، والآن أصبح لدينا ألف "بم بم". |