بقلم: سامح سليمان
إن المجتمعات القمعية المستغلة بصفة عامة، وخاصةً في بلدان العالم الثالث، لا تسعى إلا لتزييف وعي الفرد وبرمجته على ما يتناسب مع مخططاتها وتوجهاتها منذ طفولته، باستخدام كافة مؤسساتها؛ خاصةً أهم مؤسسة في حياة الفرد وأكثرها تأثيرًا في حياته على المدى الطويل، وهي مؤسسة الأسرة القائمة في أكثر الأحوال على الكذب والخداع والتضليل والتملك والإرهاب، واستعباد الأقوى للأضعف تحت العديد من المسميات فارغة المضمون وعديمة القيمة والمعنى، وتسلط مَن يملك القوة الاجتماعيه أو الاقتصادية، وهو في الغالب يكون الأب في المجتمعات الذكورية، لاحظ التسمية الشائعة "رب الأسرة"؛ فهو الإله الكامل المنزه.. السيد الآمر الناهي المُطاع بلا جدال أو مناقشة.
إن المجتمعات العاشقة والمتيمة بصناعة وابتكار التابوهات والرموز والأسياد والأوثان والأيقونات والأبقار المقدسه، وتأليه الشخصيات العامة والقيادية،والانقياد الأعمى لتضليلهم، والتلذذ المازوشي بالعبودية والانغماس والغرق في برك ومستنقعات سلطانهم الوهمي الكاذب، المجتمعات الحظائرية المنقادة التي يعشق السادة استغلالها لزيادة قابليتها للتعبئه والتجييش والقطعنة والاستمتاع والتماهي بالملهيات.
لا تفهم إلا لغة القوة، ولا تؤمن إلا بالمصلحة، ولا تعرف سوى التنميط والتغييب والتآمر والقمع والقهر والتخويف والتخوين، ولا تسعى إلا لخلق كائنات تبعية ممسوخة تم محو ذاتيتها وتدمير كيانها النفسي وتشويه قاعدتها الفكرية، كائنات اعتمادية طفولية بحاجة لمَن يكفلها؛ تم قولبتها وتفكيك ومسخ وسحق هويتها، كائنات قاصرة ذهنيـًا مريضة بمختلف الأمراض النفسية والفكرية والاجتماعية، "سادومازوشية" محتقرة لذاتها ومعادية للأخر.
كائنات عبارة عن دمى متحركة وحطام إنسانية وأشباة بشر، كائنات طائعة منقادة مسلوبة ألإرادة بحاجة إلى مَن يقودها ويقوّمها ويؤدبها ويبرمج عقلها ويقيّم ردود أفعالها ويحدد أهدافها ومسارها، وهذا هو الأساس و الشغل الشاغل والسعي الدؤوب والهدف المقدس والسامي للعديد من الآباء والأمهات ـفي كافة المجتمعات، وخاصةً في مجتمعاتناـ في طريقة تربيتهم لأبنائهم بسبب شعور الوالدين بالدونية والشك في النفس وعدم الكفاية الذاتية، وانعدام الإحساس بالقيمة والجودة والقدرة على الفعل نتيجة الحياة في ظل مجتمع أبوي سلطوي طبقي مستغل، تنتشر به جميع صور الخرافة والجنون، والجهل والتجهيل، والكبت الفكري والنفسي والجنسي.
فالعديد من الآباء يستغلون سلطتهم الوالدية لامتلاك الأبناء ـإحدى المعتقدات الوهمية السائدة هي أن الأبناء ملكية خاصة لوالديهم؛ لأنهم من صناعتهم وإنتاجهم ـوتسخيرهم واستعبادهم وتشييئهم بتحويلهم إلى أدوات ووسائل لتحقيق أهدافهم وأغراضهم، وغرس مبدأ خاطئ جدًا ومدمر في عقول أبنائهم، وهو أن سبب وجودهم هو تحقيق رغبات والديهم، بل وإقناعهم بحتمية وعظمة وقدسية قبولهم لهذا الدور، لما لهم من فضل يتمثل في أنهم سبب مجيئهم للحياة، وأيضًا قيامهم بالإنفاق وتوفير المسكن ـالإنفاق والرعاية والاهتمام وتوفير المسكن المناسب، والحياة الكريمة للأبناء، ليس فضل أو هبة أو عطية من الآباء، بل هو حق للأبناء وفرض ومسئولية على الوالدين.
بخلاف قيام العديد من أرباب الأسر بالسعي عن عمد إلى تدمير قدرة أبنائهم على الاستقلاليه واتخاذ القرار والتحلي بالحزم والحسم والصلابة اللازمين لتحقيق الذات، وتكوين منهج فكري وعقائدي خاص، واتخاذ نموذج الحياة الذي يجدونه الأفضل والأنسب والأكثر صلاحية، حتى إن اختلف عن النماذج التي وضعها المجتمع وسمح بها وأعطاها القبول والجودة والصلاحية والمشروعية والقداسة.
د. "مصطفى حجازي": تفرض المرأة على أطفالها هيمنتها العاطفية كوسيلة تعويضية، تغرس في نفوسهم التبعية، وتشل عندهم كل رغبات ألاستقلال، وتحيطهم بعالم من الخرافات والمخاوف.
ينشأ الطفل بالتالي انفعاليـًا خرافيـًا عاجزًا عن التصدي للواقع، ويأتي الأب بما يفرضه من قهر على الأسرة ليكمل عمل الأم، يغرس الخوف والطاعة في نفس الطفل، ويحرم عليه الموقف النقدي من الوالدين وما يمثلانه من سلطة -تحت شعار "قدسيه الأبوة وحرمة الأمومة"ـ ويتعرض الطفل باستمرار لسيل من الأوامر والنواهي باسم التربية الخلقية، وباسم معرفة مصلحته وقصوره عن إدراكها، يُفرض عليه أن يتلقى القمع والمنع وأن يطيع دون نقاش.
وهذا يشل بالضرورة تفكيره، ويغرس في ذهنه نظامًا من القهر والتسلط يصبح فيما بعد القانون الذص يتحكم بعقله؛ " التخلف الاجتماعي مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور". |