"مِـدخينهاوس Mädchenhaus" بزيورخ، هو المأوى الوحيد في سويسرا الخاص بالفتيات من ضحايا العنف، وقد بات يشكو من عدم القُـدرة على استيعاب الأعداد المتزايدة من الصّبايا اللّـواتي يقصُـدن المركز طلبا للمساعدة.
ويعمل المركز على استقبال وإيواء النساء اللاتي تعانين من العنف بمختلف أنواعه، الجسدي والنفسي والجنسي، والذي غالبا ما يُـمارس في إطار الأسرة أو يرتكبه أحد أفرادها، وتوجد بعض الحالات لفتيات فرَرْن من الزّواج القسري.
وما تزال تعيش زيورخ على ذاكِـرة الحدث الذي اهتزّت له المدينة في مايو الماضي، حيث أقدم أب مسلم من أصل باكستاني على قتل ابنته سويرا، ذات الـ 16 ربيعا، بواسطة فأس، فيما يُعرف بجرائم الشّـرف، عِـلما بأن هذه الفتاة كانت في صراع دائم مع والديْـها المهاجرين، بسبب اندماجها في الواقع الغربي.
وفي حديث مع swissinfo.ch، قالت كارين أبرهارد، المديرة المساعدة لمركز مِـدخينهاوس، بأن "هذه من الحالات القُـصوى وهي نادرة الحدوث"، وأضافت: "هذه حالة مأساوية، وهي في الأصل من الحالات التي يضطلع بها مركز مِـدخينهاوس، ولكن لا حيلة لنا بعد فوات الأوان".
ويشار إلى أنه تمّ إنشاء مِـدخينهاوس في عام 1994 وسط حيّ سكني داخل حدود مدينة زيورخ، وقام في عام 2009 بإيواء 54 امرأة شابة، إلا أن الحاجة المتزايدة تفوق إمكانياته، كما أن قدرته الاستيعابية مقصورة على سبعة أسِـرّة.
وفي نفس العام، تلقى مكتب الاستشارة النفسانية في المركز مكالمات هاتفية من 292 فتاة عبْـر خطِّـه الساخن، الذي يعمل على مدار الساعة، وهذا العدد يفوق بنحو 10٪ ما كان عليه في عام 2008، عِـلما بأن الفتيات المتّـصلات، معظمهُـن من الفئة العمرية المتراوحة بين 14 و17 سنة، وأن ثُـلثيْـهن من بنات المهاجرين ممّـن وُلِدن وترعْـرعن في سويسرا.
وحيال الطلب المتزايد على خدمات المركز، يجدر بالسلطات أن يكون لديها وعْـي أكبر لمسألة العنف ضدّ النساء الشابات، فضلا عن التنبُّـه – على حدّ قول كارين أبرهارد – إلى الزيادة المتواترة في عدد الفتيات والصبايا، اللاتي تعانين من نفس المشكلة وتطلبن المساعدة.
العنف وانعدام الحرية
وفي الواقع، لا يقتصِـر الأمر على المعاناة من العنف الجسدي والنفسي المتواصل، بل غالبا ما يتعداه إلى مصادرة حرية هؤلاء الأشخاص، فتُـجبَـر الفتيات ويمارَس عليهنّ الضغط والتخويف، كي تَـعُدن إلى البيت فور انتهاء الدّوام المدرسي على جناح السرعة، ثم تُـرغمن على القيام بالخدمة المنزلية.
وبحسب مديرة مركز مِـدخينهاوس، فإن "المشكلة كثيرا ما تتأزّم عندما تصِـل تلك الفتيات إلى سن البلوغ، وبشكل خاص، حينما تبدأن بإقامة علاقات غرامية مع فِـتيَة لا يوافِـق عليهم الآباء".
وتتابع قائلة: "هنالك فتيات من بنات المهاجرين، وُلِـدن ونشأن في سويسرا، حدّثننا بأنهن تعرّضن للتهديد من أوليائهن، إن هنّ لم تمتثلن للأوامر أو إذا استمرين في التصرّف بطريقة معيّنة، فسيقومون بإرسالهن إلى البلد الأصلي، وهناك يتم تزويجهن ممن لا تعرفن ولا ترغبن".
وفي غالب الأحيان، يكون الأب هو الذي يعاقب الفتاة، وجرّاء الخوف، تلتزم الأم الصمت وعدم الإعتراض، وقد يحدث أحيانا أن يقوم الأخ الأكبر بضرب الفتاة أو معاقبتها.
وتوضح أبرهارد قائلة: "حينما تضيق الفتاة ذِرعا بما يمارس ضدّها، تبدأ بالبوح لأصدقائها أو لأحد مدرِّسيها أو للمرشد الاجتماعي في المدرسة، الذي يتم عن طريقه وصل الفتاة بمركز مِـدخينهاوس".
حيرة
يقوم مركز مِـدخينهاوس بتأمين الملاذ الآمن لمدة ثلاثة أشهر، وغالبا ما تكون هذه الفترة مليئة بالعواطف والأحاسيس، وربما تستولي الحيرة والتردّد، كما يبدو من هذه الكلمات الشعرية التي فاضت بها مشاعِـر إحدى الفتيات: "أخاف أن أذهب إلى النوم فلا أستيقظ عند الصباح، أخاف أن أصل إلى مفترق طرق فأسلك الطريق الخاطئ، أخاف أن أتخذ قرارا فيجر عليّ الندم، أخاف أن يظهر ضعفي وحبي وإدراكي وندمي".
وخلال الأشهر الثلاثة التي تمكثها الفتاة في المركز، تكون الإدارة على اتصال بالسلطات المحلية لمعرفة متى يمكن للفتاة العودة إلى بيتها، وما إذا كان يلزم أن يقوم أحد باصطحابها ومتابعة قضيتها، وفي حال تعذّر الأمر، يعمل المركز على مساعدتها في إيجاد المسكن وتأمين المعيشة. أما بخصوص الحالات التي اضطلع بها المركز في عام 2009، فقد انتهى حوالي نصفها بعودة الفتيات إلى العيش مع أهلهن.
تعاون السلطات
ومن جهة أخرى، ترى أبرهارد وجود تفاوُت كبير في سويسرا بخصوص إدارة الخدمات الاجتماعية ونوعية الخدمة المُقدّمة للفتيات من ضحايا العنف. ففي حين يوجد في بعض المدن مستوى لا بأس به ويتناسب مع الحاجة، نرى في مناطق أخرى، خاصة الضواحي والقرى الصغيرة، نقص في الخِـبرات، وهنالك حاجة فِـعلية للتحسين وإلى بلوغ المأمول.
وبالنسبة لأبرهارد، فإن مكمَـن المشكلة، يتمثل في غياب التنسيق على المستوى الوطني، إذ أن الأمور تُـدار محليا من قبل الكانتونات ولا توجد جهة مرجعية موحّـدة، وهذا يقتضي حث الخطى والقيام بفعاليات في المستوى، من شأنها حفز الرأي العام والسلطات للتعرف على أبعاد القضية ومستلزماتها ولتقديم العون اللازم.
ولا يخفى الدّور التوعَـوي الإرشادي الهام، الذي ينبغي أن ينطلق من المدارس، وما له من قيمة وقائية وفائدة عملية في تعريف الفتاة بحقوقها وإرشادها إلى الجهة التي تلجأ إليها، عند تعرضها لاضطهاد أو وقوعها في ورطة.
وفي ختام حديثها، نوّهت أبرهارد إلى المشكلة المالية، باعتبارها كثيرا ما تقِـف حجر عثرة أمام تطوير العديد من المشاريع فتقول: "في الوقت الراهن، الأموال المتاحة ليست كافية، ولذلك، قد يتم نقل الفتاة أو الشابة إلى بيت ذويها، على الرغم من أن الوضع لم يتغيّـر بصورة حقيقية أو ربما أعطيت سكنا ليس باعتباره الأنسب لها ولوضعها، بل باعتباره الأرخص، وهذه مشكلة كبيرة ستُـثقل مسيرتنا لسنوات قادمة". |