بقلم: سامي فؤاد
إن كان المصري القديم قد أرخ لحياته اليومية بحروف ورسومات على الأحجار والمسلات ووقف العالم أمامها منبهرًا، فنحن لم نتخلى عن هذه العادة بل وتفوقنا عليها، وإن كانت هناك حضارات اكتشفت الكتابة المسمارية فنحن ومنذ طفولتنا اخترعنا "الكتابة اللبيسية" نسبة إلى لبيسة القلم وساعدتنا الوزارة ومسئولي الأبنية التعليمية علي تنمية مواهبنا بحرصهم على هشاشة الطلاء والجدران، وسارت بنا الأيام وذكرنا كل جدار أو سطح مستوي أو غير مستوي بجدار المدرسة واستبدلنا اللبيسة بأدوات أكثر حداثة وعبرت كلماتنا عن أزماتنا وأفكارنا وأحيانًا كثيرة كذبنا.
فمن عبارات منع الحسد والعين علي السيارات مثل "الحلوة كيداهم واللي جيباهم واخداهم" إلي التعرف علي اسم السائق وأبنائه بل وأحيانًا ديانته من النظر إلي سيارته "الأمورة ... الأمير.. طريق السلامة يا أسطي ..، وليس حال الطبيب أفضل من حال السائق فهو بقدرة قادر تحول من خلال يافطة إلي أخصائي كبد وكلي، قلب ،... وزميل جامعة كمبردج وماكمبردجي، يعني حد بيسأل؟!
حتى مشروعاتنا وخططنا للتطوير تحولت إلي ملصق علي حائط أو كتابة علي جدار!!
مشروع تطوير التعليم والمدرسة النموذجية تلخص في دهان الجدران وكتابة عبارات "مدرستي جميلة نظيفة" أو بعض رسومات ولم يمس التطوير المعني الحقيقي وهو التلميذ ولا أصبحت المدرسة نظيفة.
ثم تترك الجدران والسيارات قليلاً وتنظر إلي صفحات الجرائد وعجبًا لم تري "شكر وعرفان من السيد فلان إلي اللواء والمقدم والخفراء لإعادة المسروقات وضبط الجناة وكأن الطبيعي هو عدم ضبط الجناة وعودة المسروقات!!
ثم شكر آخر للطبيب فلان ومستشفي كذا للجراحة الناجحة التي أجريت لنجله لاستئصال اللوزتين، وفي نفس الصفحات استغاثة للرئيس أو للوزير!!
الأمثلة كثيرة لا سبيل لحصرها وعندما أتأملها أجدها أسوء إفراز لأزماتنا وفشلنا في حل مشكلات أصبحت من روتين حياتنا اليومية، حتى جاءت ملصقات مرشحي الرئاسة وسألت نفسي: هل تحول الوطن وحكامه إلي ملصق وهانت علينا أنفسنا وهان علينا وطننا؟
ونحن ننتظر قادم كل مقوماته حملة ملصقات يدعمها رجال الحزب وكأن شعار الحملة (الصق اكتر فرصتك في الفوز تكبر)!!
في دول العالم المتحضر الديمقراطي، تعقد مناظرات بين المرشحين وكلاً منهم يعلن عن برنامجه وما يستطيع تقديمه لوطنه، لا نريد ملصقات نريد محاكمات وكشف حساب عن الماضي والحاضر، عن الأزمات والمشكلات، وبرامج وتعهدات عن المستقبل ومن هنا نختار الحاكم.
أم سنظل هكذا ويأتي يوم ويقف العالم وأبنائنا ساخرين من ملصقاتنا ومدوناتنا علي الجدران؟!! |