بقلم: عماد توماس
فى المجتمعات والدول المتخلفة والتى ندعوها تأدبا دول العالم الثالث "النامية" تسرى وتنتشر الاشاعات والأكاذيب فيصدقها البعض، ثم يتعاملون معها ويروجونها فى كل مكان كأنها حقيقة مطلقة.
وصاحبة الجلالة التى يطلق عليها البعض خطأ "السلطة الرابعة" على اعتبار أنها تأتى بعد السلطات الدستورية الثلاثة "التشريعية والتنفيذية والقضائية"، الا أن السلطة المعنية في هذا المصطلح-طبقا للموسوعة الحرة ويكيبديا- تعنى أنها القوة التي تؤثر في الشعب وتعادل، أو تفوق، قوة الحكومة. وأول من أطلق هذا المصطلح "السلطة الرابعة"، هو المؤرخ الأسكتلندي توماس كارليل من خلال كتابه "الأبطال وعبادة البطل" الذى صدر فى عام 1841م. واقتبس فيها عبارات للمفكر الإيرلندي إدموند بيرك الذى أشار إلى الأحزاب الثلاثة التى تحكم ايرلندا فى هذا الوقت وهم : رجال الدين والنبلاء والعوام، واعتبر كارليل أن المراسلين الصحفيين هم الحزب الرابع -"السلطة الرابعة" الأكثر تأثيراً من كافة الأحزاب الثلاثة الأخرى.
وتعانى الصحافة المصرية التى كانت صاحبة الجلالة، لتراجع غير مسبوق فى "المهنية" و "الموضوعية" واتقان العمل الصحفى البعيد عن التحيز.
فرغم وجود مئات الصحف فى مصر ، والاف المواقع الالكترونية، إلا ان التأثير الحقيقى لمعظم هذه الصحف والمواقع الالكترونية ينبع فى تأجيج الطائفية فى مصر ونشر الأكاذيب والاشاعات، ولعل مصطلح "الصحافة الصفراء" -نسبة إلى الكتب القديمة التى تحول ورقها من اللون الأبيض إلى الأصفر وصارت معلوماتها قديمة وباتت ذات غير معنى- هذه الصحف يطلق عليها عامة الشعب "صحافة صفراء" لأنها تهتم بنشر الأكاذيب والاشاعات و"فبركة" التحقيقات الصحفية وتحريف "الاخبار" عن مواضعها، ناهيك عن الأخطاء المهنية والاملائية الغير مقصودة.
تذكرت كل هذا الكلام أمس ، عندما أرسل لى احد الزملاء رابط لجريدة الكترونية تسمى "بَرّ مصر" نُشر بها على مدار يومى الاربعاء والخميس 4،5 مارس 2009، تحقيقا صحفيا مشبوهًا بعنوان " " بر مصر " تحقق : أيهما أقوي .. الدولة أم الكنيسة؟ !"
ويحتوى التحقيق على جملة من الاكاذيب غير المسبوقة نشرت فى هذا التحقيق "المفبرك" منها :
"وثيقة رسمية:الداخلية تدرب ميليشيات من الشباب المسيحي على السلاح داخل الكنائس"
*نجيب ساويرس وضع صليبين ضخمين فوق برجين مملوكين له بجوار فندق خمس نجوم!
* هل هناك مخطط كنسي لوضع الصلبان فوق المباني على الطرق الرئيسية؟
* نظام مبارك حول مصر إلى دولة مواءمات تشترى رضا الكنيسة بحرية المصريين!
* مبارك وشنودة يشتركان في صفة واحدة:الثقة بأنهما فوق أحكام القضاء
*شنودة حمى كاهنا حكم القضاء بسجنه لتزويره أوراقا رسمية لتزويج مسلمة من مسيحي
*مفكر قبطي: شنودة اغتصب دور مؤسسات الدولة والنظام صامت
* رضوخ الدولة المتكرر لابتزاز الكنيسة يدمر الأمن الاجتماعي لمصر والمصريين بدعوى الحفاظ على الأمن القومى"
ولست أعلم كيف طاوع ضمير هذا الصحفى ان يكتب مثل هذا الكلام بدون تحقيق أو توثيق، فهو يتحدث عن وثيقة رسمية ولم يضع للقارئ صورة منها، يتحدث عن وضع صليبين ضخمين فوق برجين مملوكين لساويرس، ولم يكلف نفسه عناء أن يذهب ليلتقط صورة لهما حتى يكتم الأفواه ويخرس الالسنة ، لكن علامات التعجب والاندهاش تزول عندما تعلم أنه يكتب باسم مستعار، لكنه ربما لا يعلم أن "لغته" تظهره فهو صحفى صغير، يكتب فى الملف القبطى بجريدة الدستور، وموقع "إسلام اونلاين" !!
وهو لا يجرؤ أن يبث اكاذيبه مزيلة باسمه، ويكفيه فخرا "نقله" للأخبار من موقع "الأقباط متحدون" بدون الاشارة إلى المصدر!!
وقد سرت شائعة أخرى منذ يومين، تفيد أن وزير المالية الدكتور يوسف بطرس غالى، قام بطباعة الاقرارات الضريبية وفى أعلاها "صليبا" ولولا تدخل العقلاء من المسلمين المستنرين والمتخصصين فى الطباعة وقولهم أنها علامة "الثنى والقطع" خاصه بالطباعة، لولا هذا التدخل السريع ربما لحدث ما لم يحمد عقباه.
خلاصة القول، نحن أمام منحدر هائل لصحافتنا المصرية، ونطالب فيه نقابة الصحفيين بتفعيل ميثاق العمل الصحفى الذى يفرض على الصحفى أن يلتزم بالواجبات المهنية التى منها :
"الالتزام بما ينشره بمقتضيات الشرف والأمانة والصدق والالتزام بالتحرى بدقه فى توثيق المعلومات ونسبة الأقوال والأفعال إلى مصادر معلومة كلما كان ذلك متاحا او ممكنا طبقا للاصول المهنية السليمة التى تراعى حسن النية"
اللهم انى بلغت اللهم فاشهد
|