بقلم: د. نجيب جبرائيل وبقدر مانال هذا المقال آنذاك عند الكثيراستحسانًا وقبولاً، لاقى فى ذات الوقت هجومًا عنيفًا من الكهنة والسلاطين؛ حتى خُيِّل للبعض أن ماكتبته ضد وحدتنا الوطنية. ولكن التجربة أثبتت صدق ما أقول؛ لأن جبال الثلوج بين الأقباط والنظام مازالت كما هى بعد أن تجمدت قممها، فليس ضحكًا على الذقون...فلا يمكن أن تخطف فتنة القارئ- سواء قبطيًا أو مسلمًا- فإن الغرض من هذة الموائد، وإن كانت بالتاكيد هى نوع من المحبة والمودة والتقارب بين الأقباط والمسلمين وإظهار مشاعر الأقباط تجاه المسلمين، لكن هى بالتأكيد فى ذات الوقت الغرض، والغرض الأساسى. فإذا كانت ترمى إلى التقارب، فليس التقارب يكون تقاربًا فى المشاعر. وإنما لابد أن تُترجم هذه المشاعر إلى واقع عملى يلمسه الأقباط فى حياتهم اليومية، وحل مشكلاتهم المزمنة. ولكن- كما قلت- الواقع يقول بغير ذلك، رغم انتشار الموائد الرمضانية، ليس على مستوى الإيبارشيات، بل تتبارى فيها الكنائس، حتى الكنائس التى ترعى شعبًا فقيرًا معوزًا. لقد دُعيت ذات مرة إلى احدى هذة الموائد فى احدى الإيبارشيات القريبة من "القاهرة"، وكان من ضمن الهدايا التى وُزِّعت علينا كرستالة عليها صورة قبة الصخرة، وأخرى عليها صورة المطرانية مصنوعة فى "الصين" لايقل ثمنها بأى حال من الأحوال عن مائة جنيه، وكان ما وُزِّع لا يقل عن خمسمائة كرستالة 5000×100=500000 جنيه. هذا ناهيك عما قُدِّم على تلك المائدة من أشهى المأكولات واللحوم بأنواعها ،وهذه المنطقة بالذات كانت هى الرائدة فى أسلمة واختطاف البنات المسيحيات. وكانت هناك مائدة أخرى فى احدى كنائس "مصر الجديدة" تُوزَّع فيها ساعة حائط فاخرة بنفس أو أكثر فخامة من سابقتها. وكنيسة ثالثة بـ"شبرا"، وجمعية شهيرة تفترش شارع بأكمله والمدخل الذى يصل بالجمعية إبتداء من شارع الترعة البولاقية بالسجاد، وأفخر الزينات والأنوار، وأنتم تعلمون ما هى حالة شعب "شبرا" التعبان الغلبان، فى الوقت الذى يحتاج فيه إلى شراء منزل مجاور للكنيسة لجعله مبنى خدمات ببضعة آلاف من الجنيهات ولا نجد هذا المبلغ، أو شراء احتياجات ومستلزمات المدارس لإخوة المسيح فيصعب توفيرها... وهكذا بحسبة بسيطة ومدروسة، يتأكد لنا أن هذة الموائد التى نقيمها ويتبارى فيها كهنتنا قبل أساقفتنا، تربو عن عشرة مليون جنيه، كان بالأولى أن تُوزَّع على فقراء الأقباط، وسد احتياجتهم..وقلت إنه يكفى من هذة الموائد تلك المائدة التى يقيمها فقط رمز ورأس الكنيسة القبطية قداسة البابا "شنودة الثالث" بإعتبار أنه يعبر عن شعور الأقباط جميعهم... لكن يبدو أن كل كاهن- ولو كان صغيرًا- يحاول أن يضع رأسه برأس قداسة البابا. والغريب أن من يُدعَى إلى هذه الموائد ياليت الفقراء من الأقباط أو المسلمين- وهذا هدفًا أعتقد أنه جوهر موائد الرحمن كما يسمونها- بل هم صفوة المجتمع من الأغنياء والأثرياء والقيادات التنفيذية والشعبية وكبار رجال الحزب الحاكم. وما هى النتيجة كما يتوهمها الأقباط؟ إن خطًا همايونيًا مازال حاثمًا على الصدور، مشروع بناء دورللعبادة، ومشروع القانون الموحد للأحوال الشخصية للأقباط، حبيسة الأدراج..مزيد من الإحتقان الطائفى بين الأقباط والمسلمين، وأحداثًا متتالية ودامية حدثت فى العشر سنوات الماضية، تهجير قسرى للأقباط فى "فاو" واحدى قرى "منيا القمح"، وأحداث دامية فى "المنيا"، ومزيد من اختفاء واختطاف البنات القُصّرالمسيحيات، ومزيد من المسلسلات التى لا تحترم عقائد الآخر، ضحالة فى حقبة الأقباط فى مراحل التعليم الأساسى، قطاعات هامة فى الدولة مازالت محظور دخولها على الأقباط، أقسام أمراض النساء فى كافة كليات الطب من أقصى الجمهورية إلى أقصاها محظور على الأقباط دخولها!!! اذن هذة نتيجة الموائد الرمضانية كما كان ومازال يقصدها أصحاب الفخامة والمقام الرفيع من بعض الأساقفة، والكهنة، والقسوس، ورجال الأعمال... لا أقول هذا حتى لا يفهم البعض أن ذلك ضد الوحدة الوطنيةـ أو ضد التقارب بين الأقباط والمسلمين. ولكن التقارب الحقيقى هو شعور كل منا باحتياجات الآخر، وقبول الآخر وثقافته، والعمل على إزالة كل ما يسبب الإحتقان الطائفى؛ لأنه ليس بالمظاهر، أو الفشخرة، أو القنعرة نظهر حبنا ومودتنا لإخوتنا المسلمين، وإنما بالعمل المشترك والجاد على تنقية مناهجنا التعليمية وبرامجنا الإعلامية من كل ما يشوب هذه العلاقة، وكما قال السيد المسيح له المجد: "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان". |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع: | الأصوات المشاركة فى التقييم: ٢٠ صوت | عدد التعليقات: ٢٧ تعليق |